ربما تجد سائلاً يقول من الذي يحكم الهند في هذه الأيام حكومة تدعم ديموقراطية العادلة أم فاشستية الفاسدة؟ سؤال يفتأ يقرع أسماعنا حقبة من الزمن منذ اعتلاء نريندرا مودي عرش الهند حيث سادت الفوضى والفساد في أرجاء الوطن وأنحائها، وصار الأمن والسلام سراباً يحسبه الظمآن ماءً، وتجمدت نشوة التعددية الثقافية بكل معانيها في هذه السنوات الأربع الماضية. فما أصدق من قال إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوا فيها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.
مفهوم التنوع الثقافي أو التعدد الثقافي يشير إلى الاختلاف، والتعدد الثقافي من أفراد المجتمع الواحد على الرغم من اختلاف خلفياتهم الثقافية، إلا أنهم يشاركون في عوامل متعددة ومنها اللغة القومية وتقوم العلاقات بين الأفراد من ثقافات متنوعة على أساس الاحترام والتشارك والتسامح. إضافة إلى تمتعهم بحقوق متساوية بدون أي تميز طبقا للدستور الهندي. صحيح أن حكومة الهند أعلنت إدانتها لاحترام التعددية الثقافية على حسب معناها الأصلي ومفهومها الاصطلاحي، إلا أن المسلمين والأقليات الأخرى ينتظرون كلمة الاحترام في نفس الوقت من رئيسهم ناريندرا مودي، حيث إن مودي بعد ما تبوأ على كرسي الهند أخذ يحاول محاولة جباريه مستبدة لتأسيس وطن يعمل كوطن الهنادكة دون الآخرين، فأصبحت التعددية الثقافية الهندية فقدت روحها لم تزل في التدهور والانحطاط حتى قيل إنه جبار مستبد كهتلر بل هو أضل منه.
جدير بالذكر أن جمهورية الهند دولة ديمقراطية علمانية تتكون من ثقافات مختلفة وديانات متنوعة وهذا المبدأ العلماني هو الذي جعل الهند أكبر دولة ديمقراطية في العالم. حيث إن هذه العلمانية تستمد أهميتها في مقدمة دستور الهند بأنها تسمح للمواطنين الهنديين على اعتناق أي دين أو تقاليد حسب شعورهم الفكرية وأن هذه الدولة تعامل الرعية بشكل رضية سوية. تاريخ رؤسائها العباقرة خير شاهد لتحقيق ما أراد مؤسسوها من تشكيل دولة نسجت لحمتها وسداها في مبدأ الوحدة في التنوع أمثال مهاتما غاندي وجوهر لال نهرو ومولانا محمد علي جوهر كانوا يعاملون يدا بيد وكتفا بكتف وحدتهم الوطنية رغم أنهم ينتمون الى ثقافات مختلفة، لا فرق بينهم ولا مخالفة في صفوفهم فحاربوا محاربة فكرية حربية سلمية ضد الاحتلال البريطاني والإمارات الوحشية الشنعاء .هكذا مضت الأيام وقلب الدهر ظهر المجن فبدأت الفاشية تنتشر في أرجاء الهند وأنحائها والتعصب الديني قد أبدى مخالبه وبراثينه لاضطهاد المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى. هنالك أطلق غوتسي Godse الرصاص على مهاتما غاندي أبي الوطن على حين غفلة من الفئات الدولية، وهو الذي فدا روحه في بناء دولة فوق أنقاض من الاحتلال. وشهدت الهند لهدم المسجد البابري الأثري في مدينة أيوديا التي كانت يذكر فيها اسم الله كثيراً بأيدي القوميين الهندوسيين سنة 1992 م. والأمر الذي يدعو للعجب والدهشة أن عصبة من أعضاء البرلمان الهندي قامت بإدلاء دلوها مع دلاء الآخرين الفاشيين وإسكاب الثناء الغزيرة على مثل هذا الرجل المتطرف الديني زعيم داعش الهنادكة سانغ فروار sangh parivar.
الشعب الهندي صمد صمود الجبال الراسخة أمام التيارات الفاشية الفاسدة والنزعات التطرفية المهلكة، مثل قانون المدني الموحد وغيرها من السياسات الخطرة. |
منذ بداية حكومة مودي سنة 2014، أصبحت ثقافة الهند في وضع يتخلله الخوف والكراهية، والفوضى تزداد يوماً إثر يوم، فبلغ إلى حد يعجز معه الهند لتحقيق أهدافها السامية حتى في منصات العلوم والمعرفة أمثال المدارس والجامعات. حيث وجهت فيها دعايات سرية تستهدف قمع الحقوق والقيم الإنسانية وظلت المراكز العلمية منابر القتل والعنف وشوهدت السياسية فيها رمزاً للمشاجرات والمصارعات وكيف لا وحكومة الهند تبدو لعبة في يد آر اس اس، يفعل بها كيف يشاء مع موكب من المنظمات الإرهابية على سبيل المثال بجرنغدل وأبهنو بهرات. ومما يفاقم خطورة الأوضاع في هذه الأيام دينياً وثقافياً، أن المدارس التي يرأسها سنغا فارفار بدأت تكره طلبة العلم على اعتناق عبادة الأقدام Feet worship أمام المعلمين حسب تقاليدها الهندوكية. رغم أن هؤلاء الطلبة ينتمون إلى أديان مختلفة وثقافات متميزة. وقد أصدرت التقارير أن مدرسة سي ان. ان CNN في ولاية كيرلا شهدت لهذه العملية منذ سنوات عديدة، حيث قامت لجنة الدراسة فيها بتكليف الأمر بالسجود أمام المعلمين على حين أن هذه العبادة تعتبر ذنباً لا يغتفر أبداً في كثير من الديانات السماوية القديسة. لكن الأمر الذي يثير الجدل أن الهندوكيين برمتهم لا يرتضون بهذا السجود إلا أن الجمهور لا يزال يعترفون بالوحدانية فارتكبها الطلبة على وجه إجباري غير راضين مرتضيين.
تربة الهند مطهرة نقية لا يشوبها ظالم عاهر سبكت سماؤها في قالب العلمانية والأمن والسلام، وصبغت أرضها بصبغة الأخوة والألفة. لكن الهند الحديثة في شدة قبض الجماهير الظالمة واستبداد الجماعات الغاشمة. حيث أن رئيس الهند ناريندرا مودي قبل شهور قليلة، خطا خطوة خطرة لتحريم لحم البقر بأنها إله يعبد حسب شرائع الهنادكة، وها هو ذا بين أيدينا ضحية هذا القانون. محمد أخلاق شيخ مزمن فقد حياته ولقي حتفه من جراء ضربة الجماهير الجامحة التي اكتظت بها الشعب الهندي، وهذا أكبر خان من ولاية اجاستان الذي هو الضحية الأخيرة بهذه القضية، حيث تعرض لقتل عنيف بضرب العصا والسوط حتى قيل إن الجماهير هم العدل والإنصاف والقانون والقضاء. والسبب الرئيسي لمقتل هذا الفتى ليس إلا التعصب الديني والوجهة التطرفية من قبل الأحزاب السياسية والجبهات الدينية ضد المسلمين الأقليين، وذلك أن أحمد خان لم يكن جزاراً للأبقار ولا مهرباً للأنعام إلا أنهم أدركوه بالشارع آخذا زمام البقر لا يلوي على شيء فاتهموه ووصموه أنه جزار مستغل للأبقار لا بد أن يقتل. هكذا قضى عليه ما يقضى على مثله من المسلمين الأبرياء فالحق انه كان قد اشتراها من قرية تسمى كولخانا Kolgana في ولاية هاريانا مع أنه مدين ليس معه قنطرة من الذهب والفضة فالغرابة أن عوقب هذا الفتى بمثل ما يعاقب غيره من المتطرفين الأغوياء. فهذه المكايد كلها تبدو نتائج بحث وقف عليها المؤامرات من قبل ار.اس .اس التي نسجت لحمها وسداها في التطرف الديني والتعصب القومي ولم تكن جريمة قتل الجماهير منحصرة في شمال الهند فحسب بل انما هي عدوى مهلكة تأكل العامة والخاصة جميعاً حتى سمعت لها النداء من ولاية كيرلا جنوب الهند، ذلك أن رجلاً يسمى محمد أسلم وعمره ثلاثون ضرب ضرباً شديداً بأيادي الجماهير، حيث شنوا عليه الحملات انطلاقاً من الأوهام الواهية أنه كان مهربا للصغار ومؤذيا لهم.
وما زالت الأخبار الواردة من شبه القارة الهندية تسيء الظنون والأفكار، فقد أخطأ العد وضاع الحساب والدولة تمشي على أحر من الجمر، لا تلوي على شيء وحزب بهارتيا جانتا، الحزب الحاكم جعل الحكومة طوع بنانها وبقي القانون نقطة فوق الماء، ومداداً في الأوراق ولسان المحكمة تفتأ تتشلل لا تنطق بشيء. وفي الآونة الأخيرة كشفت اللثام وأزاحت النقاب عن وجهها الصافي، فلفظت التعددية الثقافية أنفاسها الأخيرة إلى أن وصلت إلى شفا حفرة من النار. نخالة الكلام مستقبل التعددية الثقافية في الهند على المحك، حيث رفضت فيها الحقوق الإنسانية وشددت فيها الفاشية قبضتها واستمرت بطريقها الى الأمام رفعت فيها شعارات الوطنية ذات الشدة والعنف، وظلت الإعلام والعسكرة في شدة قبض الجبروت والاستبداد، فتشبثت أقدام الأمة المسلمة في مصيرها الى الأمام والأقليون ينتظرون الاحترام، كأنهم يترقبون المن والسلوى التي تهبط من سماء الدنيا والتي تسمن وتغني من جوعهم وتجعل مستقبلهم زاهراً خصباً. يقول الشاعر التشيلي بابلو نيرودا Pablo Neruda سوف يقدرون على قطف الزهور وليس في مقدورهم قمع الربيع! من التفاؤل إذا أن الشعب الهندي صمد صمود الجبال الراسخة أمام التيارات الفاشية الفاسدة والنزعات التطرفية المهلكة، مثل قانون المدني الموحد Uniform Civil Code وغيرها من السياسات الخطرة وقد شدوا إزارهم لترحيب الانتخاب القادم ولتسجيل أصواتهم للحزب العادل كي تكون لهم الخيرة في دولة ديموقراطية. مع هذا أبناء الهند في أمس الحاجة الى مجيء عمر فيهم ليحكم بينهم بالقسط، وهم في أشد الفقر الى تجديد صلاح الدين أيوبي ليتسنى تحقيق أهدافهم السامية وآمالهم الرشيقة. الحل الوحيد هو التعايش السلمي بين الأديان، وبهذا فحسب يستطلع الشعب الهندي نجمهم الأول فتجد روح التعددية الثقافية فيها سائرة ذات قوة وجراءة تساعد الهند تسترجع سطوتها الأولى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.