ظلت إفريقيا مُستغلة من القوى الدولية والإقليمية طيلة القرون الأربعة الماضية، فمنذ الكشوفات الجغرافية وبدء موجة الاستعمار الأوروبي، شهدت القارة أكبر عمليات نهب واستنزاف لثرواتها، حتى لم تسلم منه شعوبها، حيث كان كثير من أبنائها موردًا لتجارة الرق. وبرغم نيل الدول الإفريقية استقلالها؛ استمرت القوى الاستعمارية السابقة في استنزافها من خلال المعاهدات التي ربطتها بها. إلى جانب ما ورثته من مشكلات بنيوية، وقفت عائقًا أمام عملية بناء الدولة الحديثة هناك. لكن التحولات الدولية، والتراجع الأمريكي، وبروز قوى إقليمية جديدة، أضاف معطيات جديدة لمعادلة التنافس الدولي على القارة، يأتي في مقدمتها – إلى جانب الصعود الصيني والعودة الأوروبية – دور كلٍّ من تركيا وإيران ودول الخليج العربي وغيرها من القوى المتصارعة على الفوز بموارد القارة الغنية. وهنا نتناول تنافس القوى الدولية الكُبرى في إفريقيا بالتركيز على منطقتي الساحل والقرن الإفريقيين على اعتبار أنهما المنطقتين الأكثر جذبًا للقوى الدولية لما لهما من أهمية استراتيجية كبيرة.
1- ترقية التنمية والحكم الرشيد وحل النزاعات الداخلية لتحجيم التيارات المتطرفة
2- ترقية التعاون الإقليمي من خلال دمج دول المنطقة في حوار إقليمي فعّال يتيح لها إدارة التهديدات والتحديات التي تواجهها
3- تقوية القدرات الأمنية الوطنية وتعزيز دولة القانون
4- تحسين الوضع الاقتصادي ومنع التطرف والعنف.
وعلى وقع هذا المشروع انطلقت العديد من المبادرات على المستوى الإقليمي. أما في منطقة القرن الإفريقي؛ فبالرغم أن بعض الدول الأوروبية، وخاصةً فرنسا، تعتبر صاحبة نفوذ تقليدي داخل المنطقة، إلا أن الأمر في الآونة الأخيرة بعد عملية الاندماج الأوروبي لم يعد قاصرًا على دور دول بمفردها، وإنما أصبح هناك دور جديد للاتحاد الأوروبي باعتباره قوة دولية لا يمكن إغفالها. حيث يُعتبر شريكًا تجاريًا رئيسيًا لكثير من دول المنطقة، ووفقًا لتلك الرؤية؛ طرحت مفوضية الاتحاد الأوروبي عام 2006 استراتيجية للسلم والأمن والتنمية في القرن الإفريقي، وركزت الاستراتيجية على التعاون مع منظمة (الإيجاد) عبر رؤية مشتركة وخطة تنفيذية تركز على ثلاثة ميادين هي: السلم والأمن، والأمن الغذائي، والتطوير المؤسسي. وكذلك تضمنت الاستراتيجية التدخل الفعال من جانب الاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي لدعم وبناء القدرات الإفريقية في مجال منع الصراع، والوساطة، ونشر قوات حفظ سلام، وعمليات مراقبة وقف إطلاق النار، وإنشاء الفرقة العسكرية للتدخل السريع في شرق إفريقيا كجزء من قوات الانتشار السريع الإفريقية.
في إطار الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة العالمية، اتجهت لتبني مقاربة إعادة الانتشار الجيوستراتيجي في عدة مناطق على الصعيد العالمي لتشمل إفريقيا والساحل تحديدًا. وتزامن مطلع الألفية الثالثة مع إعلان الاستراتيجية الأمنية الجديدة، مما يعني دخول إفريقيا ضمن نطاق الأمن العسكري والنفطي الأمريكي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 التي مثلت تهديدًا لمكانة الاستراتيجية الأمنية، واتجهت الإدارة الأمريكية نحو بلورة ثلاث اتجاهات لسياستها في الساحل والصحراء ، تحمل أبعاد: الأمن، الطاقة، الاقتصاد، والعمل على دمج المغرب العربي في مشروع الشرق الأوسط الكبير، حيث هدفت إلى حشد التأييد الدولي لمكافحة الإرهاب عبر الوطني وتجفيف منابعه. وبالنظر للحساسية الجيوأمنية للساحل الإفريقي وجدت أمريكا نفسها مدفوعة لإيجاد موطئ قدم في ظل تزايد الاهتمام والاستقطاب الدولي للمنطقة على وقع المحركات التالية:
1- تزايد التحرك العربي في المنطقة، مثل ليبيا قبل السقوط، والجزائر التي تتحرك مدفوعة بحلم الزعامة من خلال رعاية جهود تسوية الصراعات وتبني برامج شراكة للتنمية وترشيد الحكم.
2- تنامي مصالح الاتحاد الأوروبي وفرنسا وقوى دولية أخرى كالصين، وروسيا، والهند، وإيران في المنطقة على وقع الاكتشافات الكبيرة من البترول، والغاز وموارد أخرى باتت تجلب اهتمام الفواعل الدولية الأساس، في ظل ضعف النظم الحاكمة وتآكل شرعيتها الدستورية والوطنية.
3- احتواء النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة بعد أن استثمرت في الرغبة الإفريقية للتخلص من ترسانة الشروط السياسية والاقتصادية التي تفرضها أوروبا والولايات المتحدة في تعاملاتها.
4- طغيان العوامل والمبررات الأمنية على التوجه الأمريكي نحو الساحل والصحراء، إذ لم تنجح في النظر للإقليم إلا من زاوية جيوأمنية وما تنطوي عليه من تهديد للأمن والمصالح الأمريكية المنتشرة عالميًا.
أما في منطقة القرن الإفريقي؛ اهتمت الولايات المتحدة بتلك المنطقة بشكل كبير في وقت متأخر، وكان ذلك راجعًا إلى اعتبارات عدة من بينها اكتشاف النفط داخل المنطقة؛ حيث تشير التوقعات إلى زيادة نسبة واردات النفط الأمريكية من إفريقيا جنوب الصحراء لتصل إلى 25بالمائة من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط على مستوى العالم بحلول عام 2015، ومن ثم وجهت شركات النفط الأمريكية أنظارها صوب النفط السوداني. وتعتبر منطقة القرن الإفريقي سوقًا للمنتجات الأمريكية أكثر من كونها مصدرًا للمواد الخام والمنتجات ذات الطلب الأمريكي. فرغم تدني قيمة الصادرات والواردات الأمريكية للمنطقة، إلا أن نسبة الصادرات الأمريكية إليها تبلغ 14بالمائة من إجمالي صادرات الولايات المتحدة إلى إفريقيا جنوب الصحراء.
وجدت الصين في إفريقيا مساحة للمناورة السياسية في ظل مزاحمة أجواء الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، وأفرزت المساعي الصينية علاقات رسمية مع 19 دولة إفريقية مقابل 41 مستقلة مع نهاية الستينات، وإذا تحقق للصين دخول مجلس الأمن ضمن المقاعد الخمس الدائمة عام 1971، فلم يكن ذلك إلا بفضل الأصدقاء الأفارقة ممن مثلوا 26 صوتًا من بين 76 في الجمعية العامة الأممية، وفي مقابل الدعم السياسي والدبلوماسي الذي قدمته للصين تم مكافأتها بمساعدات اقتصادية شملت عدة دول في غرب ووسط إفريقيا. ومع نهاية الحرب الباردة دشنت الصين عهدًا جديدًا في ملف علاقاتها مع إفريقيا، انتقلت من الدعم القوي للاتجاهات الأيديولوجية إلى منهج براجماتي يعطي الأولوية للتجارة والاستثمارات. طيلة العقدين الماضيين ومع توسع الاقتصاد الصيني بمعدل نمو سنوي قوي انعكس على ازدياد الطلب على الطاقة والحاجة المتزايدة للموارد مقابل عدم قدرة الإنتاج المحلي للموارد من الوفاء بالطلب المتزايد عليها، فكان لا مفر من توجيه الأنظار إلى الخارج للبحث عن مصادر بديلة. في عام 2004 باتت الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم، ومن المتوقع أن يزداد استهلاكها للنفط والغاز من33بالمائة حاليًا إلى 66بالمائة بحلول عام 2020 أمام قصور الإنتاج الآسيوي من النفط والغاز على النمو بالسرعة الكافية لتلبية الاحتياجات الصينية، ووجدت الصين في الساحل وغرب إفريقيا البديل لتنويع مصادر تمويلها بالطاقة من جهة وإبقائها بمنأى عن النزاعات والصراعات من جهة ثانية.
أما في منطقة القرن الإفريقي؛ فتُعتبر الصين واحدًا من أهم الشركاء التجاريين لدول القرن. وتدخل السودان وكينيا ضمن أكبر عشرة أسواق إفريقية تستوعب الصادرات الصينية للقارة، وكذلك تحتل السودان المرتبة الثالثة ضمن أكبر عشر دول إفريقية مصدرة للصين. وشجعت الصين محاولات تحقيق تنمية اقتصادية داخل منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تقديم قروض منخفضة الفائدة، وإعفاء بعض الدول من الديون، ووضع تعريفات جمركية تفصيلية، وإقامة مشروعات لتحسين البنية الأساسية مثل الطرق والجسور ومحطات المياه والكهرباء وشبكات الري والاتصالات. وعلى الجانب الآخر، كانت الصين مصدرًا مهمًا للأسلحة التي حصلت عليها بعض دول القرن الإفريقي مثل الصومال، وإريتريا، وإثيوبيا. ووفقًا لبعض الإحصاءات فقد وصلت قيمة الأسلحة التي حصلت عليها إثيوبيا وإريتريا من الصين خلال فترة الحرب الحدودية بينهما من عام 1998 وحتى 2000 نحو مليار دولار، وكان ذلك تجاوزًا للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مبيعات السلاح للطرفين. وهكذا صارت إفريقيا حديقة للتنافس الدولي بين القوى الكبرى، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي وحتى الأمني.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.