شعار قسم مدونات

سيد الحرب.. رسالة أخلاقية وسياسية مفتقدة في هوليود!

blogs lord of war

"هناك أكثر من 550 مليون قطعة سلاح في أنحاء العالم، هذا يعني سلاح واحد لكل 12 شخصًا، السؤال الوحيد هو كيف نقوم بتسليح الـ 11 شخصًا الآخرين؟"

 

تلك هي كلمات نيكولاس كيج الذي نراه في افتتاحية الفيلم واقفا وسط كم هائل من الرصاص المستعمل.. بعدها سنتابع مع هذه الافتتاحية "رحلة رصاصة" من مكان تصنيعها لتمر عبر عدة بلدان وعدة أطراف إلى أن تنتهي في اشتباك مسلح فنراها تستقر في رأس أحد الشبان في منطقة حرب في إفريقيا.. افتتاحية قصيرة لكن بمغزى عميق.. الدول الكبرى تنتج السلاح وتبيعه.. وإفريقيا ومناطق الصراع الأخرى هي السوق الواسعة لهذه التجارة.. بعدها نبدأ الغوص في تفاصيل حكاية يوري.

 

يوري (نيكولاس كيج) شخص أوكراني الأصل يريد من هذه الحياة أكثر من العمل في مطعم والديه.. في أحد الأيام يدخل يوري إلى مطعم فيحدث اشتباك بالأسلحة بين أشخاص.. هذه الحادثة جعلت نظرته للحياة ولنفسه تتغير.. "السلاح" ذلك الشيء المرعب الذي يقضي على حياة إنسان في رمشة عين، استهوى تفكير يوري.. نرى بعدها يوري في المطعم وهو يتأمل في رصاصة موضوعة في يده.. شعر بأن قدره مرتبط بها.. قدر مرتبط بإحدى أهم التجارات في العالم.. قدر يكون اسمه "تاجر سلاح".

 

نتابع مع أطوار الفيلم دخوله في عالم الأسلحة والرغبة في الوصول لمكاسب مالية أكبر مما حلم به طوال حياته. وبعد أن يلامس مربح من هذه التجارة، يحاول يوري بسرعة أن يرفع من مستواه التجاري ويصبح تاجر أسلحة مستقل وواسع الاطلاع والمعرفة بكل شيء عن الأسلحة والحروب والصفقات.. أصبح يصنع اسما له، يسافر من دولة إلى أخرى ويبيع منتجاته لأي شخص قادر على شرائها من زعماء ومدنيين وحتى أعداء لأمريكا في ذروة الحروب.. الأموال تصنع وتحقق كل شيء.. لا يوجد أمر شخصي، كل شيء هو عبارة عن مجرد أعمال.. وعلى الرغم من الأموال التي يجنيها، فإن ضمير يوري لا يؤنبه لما تحدثه الأسلحة من عنف ودمار في هذا العالم. يرى بأنه يبيع السلاح فقط.. لكنه ليس مسؤولا عما يحدث بعدها من مجازر ومذابح تقام بأسلحته.

 

يكون من المحرج أن تكون بصمات الرئيس على الأسلحة.. لهذا يحتاج لقطاع خاص كي يزود بعض القوات والذي لا يجب أن يراه أحد وهو يزودها.. لذا تدعوني بالشر ولكن لسوء حظك أنا شر لابد منه

هذا التحول من عامل في مطعم إلى تاجر أسلحة جعله مشتبها من طرف الإنتربول في شخصية المحقق جاك الذي حاول دائما القبض عليه متلبسا لكن محاولاته دائما باءت بالفشل.. يدخل أخوه فيتالي مدمن المخدرات إلى القصة الذي استسلم للكوكايين بعد أن كان شريك عمل أولي مع يوري. فيتالي يمضي بقية وقته إما تحت تأثير المخدر أو يتصرف بجنون، وهو يمثل بطريقة ما نتيجة الاختلاف الوحيد بينه وبين أخيه ألا وهو الضمير.. فيتالي لديه ضمير أما يوري فلا يملكه، لهذا يستعمل فيتالي المخدرات للهروب من الضمير الذي يؤنبه من نتائج سلعهم.

 

يوري الذي نراه في النهاية يخسر كل شيء.. يتم القبض عليه في المطار.. أخوه تم قتله في إفريقيا الوسطى أثناء صفقة مع أحد زعماء قوات مسلحة حين أنبه ضميره ودمر شحنة سلاح كانت موجهة لقتل قبيلة.. فكان موته بأسلحة كلاشينكوف اشتريت من أخيه! أما زوجته فقد تركته وأخذت ابنه معها لأنه وعدها بأن يترك التجارة لكنه أخلف وعده.. أما عائلته فتبرأت منه لأنه كان السبب في إقناع أخيه بترك العمل في مطعم العائلة والذهاب للتجارة بالسلاح فكل اللوم على موته كان على رقبته. لنصل بعدها إلى لقطة الاستجواب والتي لخصت الكثير من الأمور وأظهرت بضع من حقائق التجارة العالمية للسلاح.

 

نرى سعادة المحقق بالقبض عليه بعد سنين طويلة من المطاردة لكن سعادته سرعان ما تلاشت حينما رأى عدم الاكتراث من طرف يوري لحقيقة وضعه مما جعله في حالة استغراب.. يوري يوضح سبب برود أعصابه ويعطي بضعا من الحقائق إلى المحقق وهي كيف أن جنرالا سيأتي بعد لحظات وسيقوم بإخراجه بكل بساطة.. قال له بأنك ستغضب وستندد وستهدد باستقالتك، لكنك سترضخ بالأمر الواقع، هكذا يسير العالم في الخفاء.

 

التهمة التي جعلته يعتقل هي نفسها التي ستجعله يخرج من دون محاكمة ولا تحقيق.. إنه تاجر سلاح عالمي.. إنه مرخص ومدعوم من طرف أشخاص سامين في الدولة.. إنه فوق القانون! وهذا الحوار سيجعل المشاهد يفهم لماذا سيتم إخراجه كأنه شخص ذو حصانة عالية ويلخص العديد من الأمور.. يقول يوري للمحقق" وبينما أكبر تاجر للسلاح هو رئيسك.. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. الذي يشحن الكثير من الأسلحة.. أكثر ما أشحنه في عام.. أحيانا يكون من المحرج أن تكون بصماته على الأسلحة.. لهذا يحتاج لقطاع خاص مثلي كي يزود بعض القوات والذي لا يجب أن يراه أحد وهو يزودها.. لذا تدعوني بالشر ولكن لسوء حظك أنا شر لا بد منه"!

 
في هذا الفيلم والذي تم إخراجه سنة 2005 نرى المخرج والكاتب أندرو نيكو وهو يحاول تقديم رسالة أخلاقية سياسية مفتقدة جدا في هوليود التي دائما ما تركز في أفلامها على الأرباح فقط أو تتناول قضايا ومواضيع سطحية وتافهة.. تلك الرسالة الأخلاقية هي ما أعجبني في هذا الفيلم حيث نرى بأنه يطلق جمل صريحة ورنانة عن خطورة تجار الأسلحة في العالم ويوضح استمرار حلقات الرعب والمجازر في الدول النامية التي تعاني من الويلات والحروب الأهلية المزمنة والتي تعصف بثرواتها وشعوبها ومستقبلها.

 

هذه الرسالة التي أتمنى أن أراها كثيرا في العديد من الأفلام مستقبلا وفي مختلف القضايا التي نعاني منها ويعاني العالم من تبعياتها أيضا.. لكن هل ستنتهي الحروب يوما ما؟! لا أعلم الغيب.. لكن ما دامت تجارة الأسلحة مربحة لدرجة هائلة لا تصدق وتدعمها دول تسيطر على اقتصاد العالم.. فإن كان رؤساء هذه الدول هم أكبر التجار وهم أكبر المستفيدين منها ومن الحروب التي تندد بها وتدعمها في الخفاء.. فإن هذه الحروب لن تنتهي.. ولا يوجد شيء اسمه السلام العالمي.. فمن يتحدث عن هذا السلام هو نفسه الذي سيدعم أطراف النزاع في العالم بأدوات القتل لكي يحققوا هذا السلام!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.