شعار قسم مدونات

الأنفاس الأخيرة.. غزة التي يؤرقها الانقسام والحصار

blogs غزة

هل سمعت بوطنٍ مصاب بلعنة قتل الأرواح؟ هل خطر في بالك يوماً أن هناك من تقتلهم التعاسة واليأس، وجرعة زائدة من الكآبة ورؤية الأحلام تتحطم؟ وما ذنب المدينة التي تكالبت الأطراف ضدها ليتم فرض عقاب جماعي عليها وجعلها تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ قرارٌ أصاب غزة بشللٍ كلي أدى فيما بعد إلى موت الحياة فيها، واثنا عشر عاماً من الحصار كانت كفيلةً بأن تجعل غزة بقعةً معدومةً من جميع مقومات الحياة، اثنا عشر عاماً بمثابة لعنةٍ ألقت دون وجود أي طريقة توقف اللعنات المستمرة بزيادة الخنق والحصار على هذا الواقع المرير المليء بمشاعر الوجع والفقر والبؤس والفقد.

لم تتلقى غزة في هذه السنوات المشؤومة التي تكللها الانقسام والجوع والفقر والحروب أي مساعداتٍ حقيقية؛ ستدفع بعجلة الحصار الخانق إلى حلولٍ جذرية يكون نتائجها كسر الحصار ورفع راية النصر على حدود المدينة التي امتلأت برائحة دماء شهداء مسيرات العودة وكسر الحصار. ولم تتكاثف الجهود من أجل إنهاء المأساة التي يعاني منها الفلسطينيون جميعهم في الداخل والخارج، سياسات تضييقٍ واسعة بأهدافٍ خبيثة وخفية تقف وراءها جهات ما زالت مجهولة ولكن وجهتها محددة وهم الفلسطينيون.

تهجير وتجهيل وتنكيل بالفلسطينيين، وقمع محاولات المطالبة بالحقوق باتت من أهم السياسات التي يتم تطبيقها ضد الفلسطينيين، وأفكارٌ غريبة يتم بثها وزرعها في العقول لإشغالهم بالهموم والمشاكل النفسية وإبعادهم عن قضيتهم، وجهودٌ مكثفة واتفاقياتٌ ما زالت مستمرة خلف الستار لم يتم الكشف عنها بعد، كل ذلك وأكثر ليست إلا مجرد طعنات غدرٍ للقضية الفلسطينية، وخياناتٌ مدروسة من أجل إلغاء فكرة الوطن والتوطين للفلسطينيين. ولكن ليس هناك أي نوايا حسنة تجاه هذا الواقع المرير الذي تعاني منه غزة، فمصلحة الجميع أصبحت منبوذة ولم يعد هناك اعترافٌ سوى بمصالحٍ فردية كانت سبباً في شل جميع محاولات تحسين المعيشة وإعادة إنعاش قلب المدينة الذي توقف منذ سنوات.

إنه لأمرٌ مثيرٌ للسخرية حجم التهاون الواضح من الجميع بأوضاع غزة المأساوية وكيف يقف الجميع منددين بحجم الكارثة التي أصابتها دون التحرك بشكلٍ فعلي

ألا يكفي الحصار المشدد والحروب وما خلفته من بعدها من دمار؟ أترى هل يزال في غزة منفذ يمدها بالحياة ليتم فرض عقوبات جديدة لإغلاق النافذة الوحيدة المتبقية لتمدهم بالهواء؟ أما زال هناك مزيدٌ من اللعنات التي لم يتم إلقاءها بعد؟ عقوباتٌ باطلةُ يتم فرضها على بسطاء لا تكفي رواتبهم احتياجات الحياة، وحياة يفتقرون فيها لأبسط الحقوق والاحتياجات الأساسية، وحالةٌ من الخوف المترقب بات ظاهراً للعلن في عيون الجميع، وتهديداتٌ مستمرة بفرض المزيد من العقوبات، ومناشداتٌ إنسانية وصلت إلى آذانٍ صمّاء وقلوبٍ طاغية، وردودٍ قاسية تندد بقرب النهاية، والكثير من الممارسات الوحشية على غزة التي كانت كنحر ميت.

لا أعلم حقاً أين المصلحة في العقوبات التي تم فرضها منذ أشهر، وما الذي تبقى في غزة ليتم فرض عقوباتٍ جديدة عليه، لنفكر بالأمر ملياً، رواتبٌ لا يتم التقاضي منها سوى نصف النصف أي لا تكفي لسد احتياجات الأسرة طوال الشهر، أهذه الفئات التي يستهدفونها ويصرون على معاقبتها ؟ أترى هل يستحقون المعاناة التي يعانوها في حياتهم، ألن ينتهي ذلك اليوم الذي يصارعون فيه من أجل الحصول على العلاج ولقمة العيش، أو يهانون لأجل إذن سماح السفر عبر معبر رفح (المنفذ الوحيد).

لنفترض جميعاً بأنه تم تطبيق العقوبات التي تم الإعلان عن بدء تنفيذها بداية أكتوبر، والتي ستشمل جميع مناحي الحياة في غزة سواء تعليم، صحة، اقتصاد، من الذي سيتضرر سوى المدنيين ؟ وما مصير موظفي وكالة تشغيل وإغاثة اللاجئين التي أعلنت هي أيضاً عن وجود عجزٍ شديد في ميزانيتها مما ستضطر هي أيضاً إلى تقليص خدماتها؟ ومتى سيحين موعد الساعة الأخيرة التي سيكون فيها إما إنهاء عقوبات غزة أو إنهاء غزة.

إنه لأمرٌ مثيرٌ للسخرية حجم التهاون الواضح من الجميع بأوضاع غزة المأساوية وكيف يقف الجميع منددين بحجم الكارثة التي أصابتها دون التحرك بشكلٍ فعلي من أجل إنهاء المأساة التي طالت الجميع وألقت بهم إلى حفرةٍ عميقة لا يوجد بها سوى شعاع خفيف بضوءٍ خافت ما زال يمدهم بالقليل من الهواء والنور الذي يتطلعون من خلاله إلى مصيرهم المتاح أمامهم بخيارين إما الأمل أو الألم، ومتى سينتهي نحر الميت المستمر على غزة منذ سنوات ؟ وكيف ستكون نهاية الكوابيس التي تلاحق كل من فيها؟ ومن ينقذ غزة من الاحتضار ولفظها لأنفاسها الأخيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.