لا يخفى على المتابعين للقضية الفلسطينية أن فكرة الكونفدرالية بين الضفة الغربية والأردن ليست من اختراع رئيس السلطة الفلسطينية منتهي الولاية محمود عباس وإنما هي طرح قديم جديد ردده الكثيرون ممن لا يريدون رؤية أي دولة فلسطينية مستقلة على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية حتى ولو كانت منزوعة السلاح أو مقسمة إلى كانتونات منفصلة أو بأية صيغة يمكن أن تسمى دولة وقبل أن نناقش تداعيات الفكرة على الأردن والقضية الفلسطينية لا بد لنا من أن نقف قليلًا مع هذه الفكرة بعموميتها.
فالاتحاد الكونفدرالي ينشأ نتيجة معاهدة تبرم بين دول كاملة السيادة وتتفق فيما بينها على تنظيم علاقاتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية وغير ذلك من العلاقات التي تربطها ببعضها البعض، والاتفاقية التعاهدية أو ما يسمى بصكّ الاتحاد لا توجِد دولةً جديدة وإنّما تنشئ علاقة اتحادية بين مجموعة من الدول تحتفظ بموجبها كل دولة بسيادتها واستقلالها وحاكمها وحكومتها وبنظامها السياسي وتمتلك حـــقّ الانسحاب من الاتحاد ويوجد بموجب معاهدة التحالف أو صكّ الاتحاد مؤتمر أو جمعية عمومية لرعاية وتنظيم شؤون الاتحاد تتألف من مندوبين عن حكومات الدول الأعضاء الذين يمثلون دولهم في اجتماعات الجمعية، وينتهي الاتحاد الكونفدرالي إمّا بانفصال الدول الأعضاء وانحلال الاتحاد، أو زيادة تماسكها وترابطها ودخولها في اتحاد فدرالي عوضاً عن الاتحاد الكونفدرالي.
وبالعودة للحالة الأردنية الفلسطينية وبنظرة سريعة لا تحتاج الكثير من التأمل نجد أن هنالك شرط أساسي مفقود لقيام مثل هذه الكونفدرالية وهو عدم وجود دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة معترف بها دوليًا، فالسلطة الوطنية الفلسطينية ليست دولة ولا تمتلك مقومات الدولة، ولو سلمنا جدلًا بأن السلطة الفلسطينية ستكون الطرف المقابل للحكومة الأردنية في المعاهدة فهل فعًلا ستملك الحق في الخروج من هذه الكونفدرالية متى رغبت بذلك؟
إقامة كونفدرالية أردنية فلسطينية يمثل خطرًا على الأردن يتمثل بتخليص الكيان المحتل من تبعات الاحتلال ويخلي مسؤوليته عن تهجير اللاجئين وحرمانهم من حق العودة واعتبارهم مواطنين في الكيان الناشئ |
إنني كمواطن عربي أرفض فكرة تجزئة فلسطين كما أرفض الاعتراف بأي كيان آخر دخيل على أرضها ولكن في مقابل ذلك لدي قناعة بأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تمتلك موارد طبيعية على أي جزء من فلسطين التاريخية هو مصلحة أردنية عليا في ظل الحالة السياسية القائمة في المنطقة لأن قيام مثل هذه الدولة هو الضمانة الوحيدة لانتهاء ما يعرف بفكرة الحل الأردني للقضية الفلسطينية هذه الفكرة التي تقول صراحة أن الدولة الفلسطينية قائمة بالفعل على أرض الأردن وأنه ليس من العدل إقامة دولتين لشعب واحد.
إنًّ إقامة كونفدرالية أردنية فلسطينية يمثل خطرًا على الأردن يتمثل بتخليص الكيان المحتل من تبعات الاحتلال ويخلي مسؤوليته عن تهجير اللاجئين وحرمانهم من حق العودة واعتبارهم مواطنين في الكيان الناشئ كما أن قبول دولة الاحتلال بهذه الفكرة يقتضي الاعتراف بيهوديتها وهذا يعني قبول ضمني بإخراج ما تبقى من مواطنين عرب في فلسطين والحاقهم بالكيان الجديد على اعتبار أنهم فلسطينيون وليسوا يهودًا مما يزيد الأعباء الكبيرة أصلًا على الدولة الأردنية.
إن ما يلفت الانتباه أن محمود عباس ومنذ اعتراف دونالد ترامب بمدينة القدس العربية عاصمةً لدولة الكيان الصهيوني أعتبر أن أمريكا لم تعد راعيةً للسلام بل أصبحت شريكًا في الاحتلال ثم عاد ورحب بمقترح كوشنير بفكرة الكونفدرالية فهل جاءت هذه الفكرة كجزء من مشروع ترامب المعروف بصفقة القرن الذي تظاهر عباس برفضه.
ومما يلفت الانتباه أيضًا ما قاله عباس لوفد حركة السلام حول تفاهماته مع رئيس جهاز الشاباك الصهيوني الذي أعلن عشرات المرات وقف التنسيق الامني معه، والأغرب من كل ذلك أن يتطلع محمود عباس لإقامة كونفدرالية مع الأردن في الوقت الذي يشارك فيه مباشرة إلى جانب الاحتلال بحصار قطاع غزة الفلسطيني وفرض عقوبات عليه أم أن مشروع الكونفدرالية سيعيد قطاع غزة إلى الإدارة المصرية كحلقة أخرى في صفقة القرن؟!
وعلى العموم أين كانت رؤية محمود عباس مهندس اتفاقيات اوسلو التي سوقت على أنها خطوة نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فإن هذه الفكرة يرفضها الشعبان الأردني والفلسطيني ولن يكتب لها النجاح خاصةً مع رفض الأردن الرسمي لها وستبقى فلسطين هي فلسطين والأردن هو الأردن وأنَّ تحرير الأوطان بغير مقاومة الشعوب أمر مخالف لحركة التاريخ الإنساني على مر العصور.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.