ضَجَّت عليكِ مآذِنٌ ومَنابِرٌ .. وبكت عليكِ ممالكٌ ونَواحٍ
الهِندُ والِهةٌ ومِصرُ حزينةٌ .. تَبكي عليكِ بمدمعِ سحاحِ
والشَّامُ تَسأَلُ والعِراقُ وفارسٌ .. أَمَحى من الأَرضِ الخِلافةَ ماحٍ
أفتى خُزعبَلةً وَقالَ ضَلالةً.. وأتى بكفرٍ في البِلادِ بَواح
هذه بعض من أبيات قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي في رثاء الخلافة العثمانية بعد إلغائها من قبل مصطفى كمال في الثالث من أذار عام 1924، وتشكيل النظام الجمهوري وتبنيه العلمانية. تولى أردوغان رئاسة الوزراء عام 2003، وتم انتخابه رئيسا عام 2014، ولكن اختلفت فترة أردوغان عمن قبله بالمناداة بالعلمانية ولكن مع نكهه دينيه. فما هي العلمانية؟ وبماذا اختلفت علمانية أردوغان عن علمانية من سبقه؟
هي نظام قائم على فصل الدين عن الدولة، وتشكل إحدى أسس المبدأ الرأسمالي الذي لم ينكر وجود الخالق ولكن ترك موضوع النقاش في امكانية وجود الخالق أو عدمه، وأقر على الفصل الكلي للدين عن الحياة سواء اعتنق الأفراد أي دين أو لم يعتنقوا أي دين. ومن هذا التعريف يمكن تطبيق العلمانية من قبل أنظمة اشتراكية أنكرت وجود الخالق وبالتالي أنكرت الدين كليا عن معترك الحياة وبالتالي تكون علمانية متشددة للإنكار الكلي للخالق وللدين.
تشكل هذه الصورة من العلمانية التي ينادي بها أردوغان شكلا أخر من أشكال العلمانية، فينادي بها بكل خطاباته منذ تعيينه رئيسا للوزراء، إلا وهي العلمانية المحايدة |
أولا: حقبة العلمانية المتشددة 1924-2003:
كان أول تطبيق للعلمانية عام 1924 من قبل مصطفى كمال، واستمر على نهجه من خلفه من رؤساء حتى بدأيه عصر أردوغان. كان من إحدى المعاهدات التي وقعها مصطفى كمال مع الدول الأوروبية قبيل الإعلان الرسمي لإلغاء الخلافة هو توقيع معاهده لوزان عام 1923، التي تنص على:
1.قطع كل صلة لتركيا بالإسلام.
2.إلغاء الخلافة الإسلامية إلغاء تاما.
3.إخراج الخليفة وأنصار الخلافة والإسلام من البلاد ومصادرة أموال الخليفة.
4.اتخاذ دستور مدني بدلا من دستور تركيا القديم.
فاستبعدت علمانية مصطفى كمال الإسلام كليا عن معترك الحياة، ولم تكتفي بذلك بل قاومت وهاجمت الإسلام والمسلمين فقام بإغلاق المساجد، منع التدريس باللغة العربية، ومنع الحجاب، وإلغاء وزارة الأوقاف ومنع أي مظهر يمت للإسلام بصلة. فتم إنكار الدين عن معترك الحياة كما أنه لو لم يكن دين.
ثانيا: حقبة العلمانية المحايدة منذ عام 2003:
تشكل هذه الصورة من العلمانية التي ينادي بها أردوغان شكلا أخر من أشكال العلمانية، فينادي بها بكل خطاباته منذ تعيينه رئيسا للوزراء، إلا وهي العلمانية المحايدة حيث تنظر إلى الدين على أنه أحد الحريات التي يتمتع بها الإنسان، وترى هذه العلمانية أنه من حق الإنسان أن لا يعتنق أي دين أو يعتنق أي دين، فيترك الناس أحرارا في اختيار الدين، ولكن لا شأن لذلك الدين في الدولة، أي يكون ذلك على نهج الأنظمة التي تتبنى العلمانية في العصور الحالية كما هو موجود في دول أوروبا أو أمريكا، حيث أن حرية التدين ومظاهرها الشخصية هي من أحد ما تقدسه الأنظمة الرأسمالية. فقام أردوغان بالسماح بلبس الحجاب، دعم بناء المساجد، وأن في هذه العلمانية لخطر أكبر من علمانية مصطفى كمال، حيث أن علمانية مصطفى كمال يدرك خطرها كل مسلم لأنها معادية علنيا لكل مظاهر الدين، أما علمانية أردوغان فقد يفتن بها المسلم لما لها من مظاهر إسلاميه على الفرد بسبب حرية التدين.
1- عضوية تركيا في الناتو:
تم تشكيل الناتو (منظمة حلف شمال الأطلسي) عام 1949، حيث تم التوقيع على هذه المعاهدة بين عدة دول من أوروبا وأمريكا الشمالية وتنص مواد المعاهدة على أنه في حالة حدوث هجوم مسلح ضد أي دولة من الدول الأعضاء ينبغي أن يكون أمن مسلح مشترك من بقية الدول الأعضاء بالقوات العسكرية. المصدر: الموقع الإلكتروني للناتو. دخلت تركيا في عضوية الناتو عام 1952، لتشكل واحده من بين 29 دولة في الناتو، وتحتل تركيا المرتبة الثانية بعد أمريكا في عدد العاملين العسكريين فيها، حيث تقدم مليون من ضمن 7.5 مليون عسكري. وبلغت النفقات العسكرية التركية في الناتو عام 2015 إلى 17 مليون دولار أمريكي، المصدر: معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي.
2- تشييد قاعدة إنجرليك العسكرية في تركيا
بعد انضمام تركيا في الناتو بثلاثة سنوات في عام 1955 تم بناء أهم وأكبر القواعد العسكرية للناتو، قاعده إنجرليك، لتشكل موقع استراتيجي للناتو. وكان لها دور مهم في غزو العراق وفي الثورة السورية: في عام 2002 توجه أردوغان لزيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، وبعد هذه الزيارة بشهور وفوز أردوغان في الانتخابات، أعلن أن حزب العدالة والتنمية سيؤيد العمليات العسكرية في غزو العراق كون تركيا عضو في الناتو، وتم مشاركة آلاف من الجنود الأتراك في غزو العراق، حيث أعلن كولن باول في 6 مارس 2003 أن الفاتورة المقدمة لتركيا تشمل 6 مليارات دولار تشمل 2 مليار مساعدات عسكرية و4 مليارات مساعدات اقتصادية وإمكانية وضع 24 مليارات دولار لتركيا كقروض ميسرة الفوائد. المصدر: تقرير الكونجرس الامريكي عن دور تركيا، 2 مايو 2003. وكذلك شاركت القوات العسكرية التركية في الأراضي السورية بمساهمة القوات من قاعده إنجرليك عام 2016 فيما عرف بعملية درع الفرات.
3- تشكيل حزب العدالة والتنمية:
يشكل تأسيس الحزب عام ثم وصل الحزب إلى الحكم عام 2002 أي بعد تأسيسه بسنه واحدة. حيث قال أردوغان منذ فوز الحزب بالحكومة بأن حزبه لا يمثل حزبا دينيا، لكنه يريد بناء دولة ديمقراطية تفصل بين الدين والدولة كما في أوروبا حيث يسعى الحزب إلى انضمام تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي.
4– بعض من خطابات أردوغان:
رسالة بمناسبة عيد الجمهورية 28.10.2017: "أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد بواسع رحمته كافة الجرحى، وفي مقدمتهم الغازي مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية والقائد المظفر في حرب التحرير. لقد أعلن الشعب التركي في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1923 بروحه ودمه للعالم أجمع أنه لن يرهن إرادته للغير. والروح التي حققت النصر في حرب الاستقلال وبثت الحياة في جسد الجمهورية، مازالت شامخة، حالها اليوم كحالها قبل 94 عاماً. كما أن الإصلاحات التاريخية التي أنجزناها في غضون السنوات الـ 15 الماضية على كافة الصعد، ابتداء من الديمقراطية وصولاً إلى الحريات، ومن التجارة إلى الاستثمارات، ومن الصحة إلى السياسة الخارجية، ما هي إلا مؤشر واضح وصريح على إرادتنا هذه". المصدر: الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية التركية.
رسالة بمناسبة عيد النصر 29.8.2018: وبمناسبة عيد النصر في 30 آب، أترحم على أبطال حرب الاستقلال وعلى رأسهم القائد الكبير مصطفى كمال أتاتورك وعلى جميع شهدائنا.
رسالة بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس مجلس الشعب التركي وذكرى السيادة الوطنية 22.4.2017: أهنئ بأطيب التمنيات الشعب التركي، بمناسبة الذكرى السنوية الـ 97 لتأسيس مجلس الشعب التركي وذكرى السيادة الوطنية، وأتمنى أن تكون مناسبة خير على تركيا والشعب التركي. واستذكر بكل احترام مآثر قائد حرب الاستقلال والرئيس المؤسس للجمهورية وأول رئيس للمجلس مصطفى كمال أتاتورك، وجميع الشهداء والمحاربين وأسأل الله لهم الرحمة والمغفرة.
نستنتج مما سبق بأن:
أولا: النظام المطبق حاليا في تركيا والذي ينادي به أردوغان هو نظام علماني على نهج الأنظمة العلمانية في أوروبا وأمريكا، ففي الوقت الذي سمح به أردوغان بأداء الشعائر الدينية كلبس الحجاب، يتم السماح بتأجير شطوط للعراة وفتح خمارات مليئة بالسكارى.
ثانيا: في الوقت الذي يتذكر فيه المسلمون الذكرى المشؤومة لهدم الخلافة واعتبار مصطفى كمال هادما للخلافة، تحتفل تركيا بذكرى تأسيس الجمهورية التركية، وتعد ما عمل كمال انتصارا.
ثالثا: يعتبر أردوغان إدخال الديمقراطية والحريات بأنها إصلاحات تاريخية، مع أن كل من الديمقراطية والحريات هي من بعض ما يقدسه المبدأ الرأسمالي.
رابعا: تشكل تركيا الدولة العضو الوحيد من العالم الإسلامي في الناتو.
خامسا: وجود قاعده إنجرليك العسكرية ومشاركتها في غزو العراق وأحداث سوريا.
سادسا: طموح أردوغان في عضوية الاتحاد الأوروبي.
هذا غيض من فيض. إن ما ساقني لهذا الموضوع هو الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، ولكن لفهم تلك الأزمة لا بد من معرفة الأحداث السياسية والتاريخية، وإن شاء الله سأتكلم عن الأزمة الاقتصادية في المدونة القادمة لضيق المساحة في هذه المدونة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.