شعار قسم مدونات

طفلي المدلل.. أمتن لك بحياةٍ أثُرك فيها هو الحياة!

blogs زواج

شعورٌ يغمر قلبي منذ اللحظة الأولى للقياه، لم يكن ارتياحاً وقبولاً فحسب، ولا فرحة عروسٍ بخاتم تخلل يدها وفستانٍ وحفلة، بل كان شعوراً يحوي القلب ويرويه فكأنه خُلق منذ تلك اللحظة، وكأني رأيت نفسي الآمنة فيه، وجدتني أراه بقلبي -طفلي المدلل-، أراه كأمٍ لاقت ولدها الغائب، فكلما فهمته وتفهمته ولمست جميل ما فيه تسعد، عندما يتحدث تجد عقلها ينطق بكلامه قبل أن ينطق لسانه!، فكأنها أمام شخص تعرفه، لم يكن غريباً أبداً.

مُحيَ ذاك الشعور فجأة، أن تتعرف عليه لترى هل سيكملا الحياة معاً أم لا؟ فقلبها يقول هو الحياة بل يقول إنه مني، تشعر بأمانةٍ أمام قلبه وعقله، فقلبه ينبض بالحب كطفلٍ لم يتعود سواه، عندما يضحك فكأنما حيزت لها الدنيا بما فيها.. كأمٍ ترى صغيرها يكبر، فترى بعينيه كل جميل يراه، وتشعر معه، وكأن قلبها وجد به، نعم فقد اكتمل شعورها الآن، فوجدت به أمانها وأحلامها التي أودعتها الله كثيرا في دعائها، وودائع الله يلبيها لعبده أثمن مما تمنى.

لطالما تفاعلتُ كثيراً مع معنى السكن في قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا"، معني أن يشعر شخص مع آخر بكل هذا الأمان فينغمس فيه ويندمج فيصبحا روحاً واحدة، خلقهم الله ليكونا معاً، فيكون كلاً منهما للآخر سكنه وملاذه، يتشاركان الحياة معاً، فيكونا عوناً لبعضهما في اليسر والعسر، كل منهما يسعى لراحة الآخر وسعادته والأُنس بقربه، بحبٍ ومودةٍ غرسها الله في قلبين ليتآلفا، وليغفر قلبٍ محب وينسى ويتسامح لشبيهه الوحيد، فالعملة النادرة تُحمى وتُصان. وجدت السكن شعورٌ يحوي القلب من اللحظة الأولي ويكتمل ببيت يحوي الجسد وعساه قريباً.

أيا من أراه لقلبي طفله المدلل، وأراه لعقلي رجلٌ أفخر بطيب خلاله، علّمتني الكثير وأمتن لك بحياةٍ أثُرك فيها هو الحياة.. أعاهدك أني خُلقت بإذن الله منك ومعك، أعاهدك أني سأصون أمانة الله لي

أتذكر أنني كنت أفكر كثيراً في الشخص الذي يشبهني، كنت دائما ما أقول كيف سأتقبل فكرة مشاركة شخص لي لكل شيء في حياتي!، كيف سأطمئن بأنه هو الذي يفهمني ويرعاني!، كنت قلقة من هذا الذي لم أشعر به يوماً، وأؤمن بأنها مسؤولية وقرار صعب عليّ اتخاذه بسهوله، ولكن رأيت معية الله في هذا القرار تفوق عقلي، رأيت أن الله يبعث في النفس شعوراً يطمئن القلب والعقل، صدقاً من استعان بالله أعانه وهداه. تربيت على أن قلبي لا بُد أن يُغلق عن كل غريب عليه لكي يُفتح على توأمه وفقط، كنت أحب ذلك كثيراً، كنت أكتب أحياناً لهذا الشخص المجهول عني، وكنت على يقين بأن الله يدبر ويجمعنا، وقد كان جمعنا أجمل مما أتمنى وأدعوا الله به.

قاربت خطبتنا الأربعة أعوام حتى الآن، بنينا فيهم ذكرياتٍ طويلة وجميلة، أدركت فيهم معنى قاله نبينا -صلى الله عليه وسلم- "لم ير للمتحابين مثل النكاح" فلا غيره يحفظ الحب ويُنميه، أتذكر جيداً بمرور ستة أشهر على خطبتنا شعرت حينها بأننا اكتملنا وحققنا تفاهماً مقبولاً وكان وقتاً مناسباً للمرحلة التالية، ولكن أقدار الله شاءت بغير ذلك والحمد لله دائماً، تحملنا بعضنا البعض بحبٍ ولحبٍ نريده أن يكون قدرنا المكتوب إلى الأبد، نريد فقط أن نكون معاً.

أشعر أحيانا شعور بينكي وبرين في محاولات مزج الخيال اللطيف أننا ما دمنا معاً سنسيطر على العالم، بل نريد أن نحيا بسلام، وأن نكمل ديننا، ونحقق أحلامنا.. ندرك أن جمال أيامنا باللُقاء المنتظر، فالروح لا تستقيم بنصفها، آن الأوان لتكتمل، وتزهر جميل ما فيها، وتحيا لله علي عهدٍ وثيق، فأولاً وآخراً مرادُنا الجنة وكل خير يقربنا منها ونطمع لكل نعيمٍ فيها، فلا نصب في الجنة، ولا وهن، ولا حزن، ولا فراق، فيها سنجتمع ما شئنا إلى الأبد.

سنرى فيها كل جميل في هذه الدنيا، سنلقاه هناك للأبد، سنرى نبينا محمد -صلى اللّه عليه وسلم- لعله يسعد بنا ويباركنا، سننسى فيها كل ألمٍ مع أول غمسة قدم، فعوض الله جميل، والله معنا هنا حتى نكون هناك، الحمد لله فالله معنا دائماً وأبداً.. نُطمئن بعضنا دوماً، واعدته أني على العهد باقيه وعاهدني بذلك، أدعوا الله كثيراً بأن أكون زوجة صالحة له، كم أشتاق لصلاح نفسي بالقرب منه، فتطيب بقرب روحٍ جعلها الله أماناً وسكناً لها.

أيا من أراه لقلبي طفله المدلل، وأراه لعقلي رجلٌ أفخر بطيب خلاله، علّمتني الكثير وأمتن لك بحياةٍ أثُرك فيها هو الحياة.. أعاهدك أني خُلقت بإذن الله منك ومعك، أعاهدك أني سأصون أمانة الله لي، سأسجد لله شكراً كل ليلة أن جمعنا، سأحب الله أكثر كل يوم ازددت فيه منك قرباً.. دُمت لي يا رفيقي في هذه الدنيا إلى الجنة ولله الحمد أن أنعم علينا بهذا، أبداً لم تخلو الحياة من كدر فهي حياة، ولكن ما في قلوبنا قدّره الله أكبر منه، ومعية الله تحفظنا وترعانا، فالله أدعوا أن يجمع بين كل روحين تحابا فيه، وأدعوا الله يجمعنا ويرضينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.