شعار قسم مدونات

هل الله موجود؟.. سؤال باق ويتمدد!

blogs تأمل

من أخطر الأسئلة التي واجهت العقل البشري، هل الله موجود أم لا؟ وقد ناقشها فلاسفة وعلماء عبر مختلف العصور، ومع ذلك ما زال هذا السؤال يطرح اليوم، مما يبين أن كل هؤلاء لم يجدوا جوابا يحسم المسألة. وفي ظل هذه الضبابية، آمن ناس وألحد آخرون. والحقيقة أني أجد من ألحد مقامرا بنفسه، فالمؤمن حتى لو خاب لن يجد عذابا ولن ينتظر جنة ما دام ميتا، أما الملحد حتى لو أصاب فلن يجد جنة أما لو خاب فتلك الطامة الكبرى. فالمنطق يستدعي أن نبقى مؤمنين، ولا نلحد حتى نجد برهانا على عدم وجود الله. لذلك يقول الله الرحيم في القرآن العظيم، "هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ".

إن البرهان ليس كالدليل والحجة، بل هو أقوى من ذلك بكثير. فالدليل والحجة كلاهما ناتجا تأويلات لأشياء حقيقية، فسيدنا إبراهيم عليه السلام لما رأى أن الشمس والقمر يغيبان خلص أنهما ليسا إلهين، فهذه مجرد حجة لأنه افترض أن الإله لا يغيب فلو كان يغيب سقطت حجته، ثم بعد ذلك استنتج أن الله الحقيقي أعظم من ذلك، ولكن حقيقة أن الشمس والقمر ليسا إلهين لا تعني بالضرورة أن هناك إله آخر موجود. لذا فسيدنا إبراهيم عليه السلام، قدم حججا ولم يقدم برهانا.

 

عندما يعجز المؤمن بوجود الله عن الإجابة، أو إذا حاول تقديم جواب ساذج، يخلصون أن المؤمنون جاهلون وسذج، ثم يستنتجون أن الذكاء هو الإلحاد

ثم أتت آية من آيات الله في حياة نفس النبي خليل الله إبراهيم، وهي نجاته من النار وهذا دليل على وجود الله الذي أنقذه، ولكن هناك تأويلات أخرى يمكن تقديمها لنفس الحدث كقول أنه كان كاهنا أو ساحرا، لذا فهذا ليس برهانا. أما البرهان فهو ترابط منطقي رياضي صارم ينطلق من أشياء بديهية لا يختلف عليها أحد، ليصل إلى نتيجة نهائية دون استعمال أي تأويلات مختلف عليها، وبالتالي فالنتيجة يصدقها الجميع ولا يختلف معها إلا مجنون. وهذا البرهان غير متوفر في مسألة وجود الله، فلو برهن أحد على وجود الله لآمن كل من في الأرض جميعا، ولو برهن على عدم وجود الله لألحد كل من في الأرض جميعا.

ولعلنا نلاحظ في أوطاننا الإسلامية، وجود جهات عديدة تنشر الفكر الإلحادي، وتحاول إقناع الناس بالارتداد عن دينهم، رغم عجزها عن تقديم ولو برهان واحد، ومع ذلك يتبعها مع الأسف شباب كثير ممن أغفلوا بعض المغالطات المنطقية وصدقوها. فهذه الجيوش الإلحادية إنما تقدم حججا فيها تأويلات مبطنة يصدقها بعض إخواننا، وسأسرد اثنان من أهم هذه الحجج التي تتكرر كثيرا:

أولا: النظريات العلمية التي تفسر نشأة الكون وتطور الكائنات

هذه النظريات تقول أن ما نراه حولنا هو نتيجة طبيعية لسلسلة من الأحداث التي حصلت عبر ملايين السنين، ويتوصلون بأن هذا الكون ليس بحاجة لإله حتى يعمل أو يصل إلى ما وصله اليوم، ثم يستنتجون أن الله غير موجود. فهذه أيضا مجرد حجة وليست برهانا. كمثال يبين رداءة التسلسل المنطقي لهذه الحجة، تخيلوا أن في جيبي بذرة، وبينما أمر في حقل سقطت مني، ومع مرور سنوات نبتت في ذلك المكان شجرة إجاص، نمت ثم أثمرت، حتى مر هناك شاب رمى حجرة فضربت الشجرة وسقطت إجاصة. إن العلم قادر على تفسير ما جرى بشكل دقيق عبر أحداث متسلسلة حصلت عبر سنين حتى سقطت الإجاصة، وأنا لم أتدخل في أي مرحلة منها، حتى مروري الذي نتج عنه سقوط البذرة يمكن تجاوزه باعتبار أن هناك مصادر متعددة يمكنها وضع البذرة هناك دون تدخلي كالرياح أو الحشرات والحيوانات، فهل هذا يعني أنني غير موجود؟ قطعا لا. وبالمثل فإن تفسير كل مراحل نشأة الكون، لا يعني أبدا أن الله غير موجود.

ثانيا: طرح الأسئلة الفلسفية المحيرة التي لا نعرف جوابها

فعندما يعجز المؤمن بوجود الله عن الإجابة، أو إذا حاول تقديم جواب ساذج، يخلصون أن المؤمنون جاهلون وسذج، ثم يستنتجون أن الذكاء هو الإلحاد. فمثلا يسألون عن سبب وجود الشر، وعما كان يفعله الله تعالى قبل خلق الكون… وغيرها من الأسئلة التي ربما لا نملك لها جوابا حاسما يقنع الجميع، ولكن عدم معرفة الجواب لا يعني أنه غير موجود، فمن الممكن أن يكون هناك أجوبة حقيقية لا نعرفها، ويمكن أن تكون أحد الأجوبة الساذجة هي الحقيقة، ويمكن أن يكتشف أحفادنا الجواب الحقيقي بعد مماتنا، فكم من مسألة خفيت على أجدادنا وألحد بسببها رجال كثير ونساء، ثم اكتشفنا أسرارها اليوم.

فندائي لكافة المؤمنين، أنتم لستم مطالبين بتفسير كل شيء وإقناع الجميع. فإبراهيم عليه السلام رغم إيمانه، لم يجد حتى لنفسه برهانا فطلبه من ربه ليطمئن قلبه، ومحمد صلى الله عليه وسلم رغم رؤيته جبريل وعروجه إلى السماء العليا لم يستطع تقديم برهان لعمه أبو طالب، فعجز أن يهدي من أحب، ليبقى السر في يد رب العباد يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان