شعار قسم مدونات

الثورةُ والوقت الإضافي!

blogs سوريا إدلب

عاشت الثورةُ السورية خلال الأسابيعِ الماضيةِ كابوساً مرعباً من احتماليةِ حدوثِ الحربِ في إدلب ودوران رحاها وما يترتبُ على ذلك من مجازرَ بحقِّ الأبرياء وطحين عظامهم، وبدأ الخوفُ يدخلُ إلى النفوسِ مع كثرةِ الحشودِ على (إدلب) آخرِ معاقلها المنيعة بالقلوب والرصاص، ومع قلّةِ المناصرين لها من عربٍ وغرب في الوقتِ بدلٍ الضائعِ لنهايتها، لكن سرعانَ ما فهمَ الثوارُ خطةَ المعركةِ ورسموا ملامحها المكلومة وأدركَ الشعبُ بفطرته السياسيةِ المكائدَ التي حيكتْ له في مؤتمراتِ الظلم وفي أقبية الظالمين.

 

فبدأ الثوارُ بالوحدة والاعتصام بحبل الله وشرعوا بتحصينِ المناطقِ المقابلةِ للعدو والثغور المهزوزة، وبدأ الشعبُ بالنزول إلى قلوب الساحاتِ وتغذية شرايين الثورة ومساعدةِ الثوار في الجبهاتِ اللاهبة فالمعركةُ واحدةٌ والمصيرُ واحد، فهتفَ الآلاف في ساحاتِ الحريةِ معلنين الصمودَ ضدَّ إرهابِ الدولةِ الممثلِ بالأسد وروسيا ومطالبين الغربَ بالوقوفِ مع حقِّهم المشروعِ بالحرية والعيشِ بكرامة.

 

فتحولَ الخوفُ إلى أمان والارتجافُ إلى ثباتٍ ويقينٍ بهذه الثورةِ وعدالة مطالبها وطهارة دمائها، ليؤثرَ هذا التناغمُ بين الشعبِ والثوارِ على المؤتمراتِ المتعلقةِ بمصيرِ الثورةِ ويخلط أوراق خريف التفاوض، فدحضَ الأسبابَ التي يتذرع بها النظامُ والروسُ للقضاء على الثورةِ وجلبَ لنا حلفاءَ كالأوربيين الذين رفضوا الهجومَ على إدلب البقية الباقية.

 

بعد ذهابِ هذه الغمامة عن سماء المحررِ أصبح الوقتُ أداةً لنا لا علينا فهو فرصة لرصِّ صفوفنا وجمع شعثنا وتوحيد كلمتنا والنهوض بمجتمعنا والعودةِ لأهدافنا الرئيسية التي بذلنا من أجلها النفس والنفيس

وقد كان الحاملُ للواء الثورة والمدافعَ عنها في المحافلِ الخارجيةِ الأخوةُ الأتراك.. ليسدلَ الستارُ عن هذه المعركةِ وتخرس مدافعها ويتسعُ الوقتُ بدلُ الضائعِ إلى وقتٍ إضافيٍّ بقرارٍ من حكام روسيا وتركيا وليتحول الكابوس إلى سكينةٍ واطمئنان، كانت الدقائقُ بدلُ الضائعةِ التي عاشتها الثورة محكّاً لها فرزت الصادقَ لها من الكاذب عليها، وأبعدت الشوائبَ عن عذبِ وجودها وعدالةِ مطالبها وأحقيّة استمرارها.

 

هذا الفرزُ لم يكن حقيقياً مثل هذه المرة بسبب ضيقِ الوقت لتداركِ الأخطاء واقترابِ موعدِ المعركة حيث بلغت القلوب الحناجر.. بعد ذهابِ هذه الغمامة عن سماء المحررِ أصبح الوقتُ أداةً لنا لا علينا فهو فرصة لرصِّ صفوفنا وجمع شعثنا وتوحيد كلمتنا والنهوض بمجتمعنا والعودةِ لأهدافنا الرئيسية التي بذلنا من أجلها النفس والنفيس وعلى رأسها إسقاطُ النظام ورفض الاحتلال والتأكيدُ على ذلك في عدّة محاور:

شعبياً: باستمرار الزخم الشعبي وممارسةِ الشعب حقّه في التظاهرِ وتأكيده هذا الهدف باستمرار وبصراخ لا يعرف السكوت يطالب بالحق وينادي بالحرية، فصوت الناس هو الرقم الصعب وكلمة السر لتحقيق أي مطلب وللثبات على أي موقف وهذا ما شاهدناه يقيناً في هذه الفترة من مظاهرات ملأت المحرر ترفض العدوان وتعلن المقاومة لأي غزو.

سياسياً: بتوحيد الجهود السياسيةِ واجتماع النخبِ والخروج بطرحٍ سياسيٍّ موحدٍ يحققُ أهدافَ الثورةِ ويوصل رسالتها للخارج، فقد آن الأوان لتجمع الآلام منّا شملنا وتنبذ خلافاتنا، وكذلك بتشكيل حكومةٍ جديدةٍ تحقق آمال الجماهير وتلبي حاجاتها وتعطي أنموذجاً فريداً يليق بثورةٍ قدمت آلاف الشهداء والمعتقلين لنيل الحرية المنشودة.

أعظمَ ثورة في التاريخِ لن تقفَ ولن تحيدَ عن مطالبها لكنّها استراحةُ محاربٍ واستدراكُ أخطاء وتطوير ألياتِ الصراع، فلا راحةَ لنا قبل إسقاطِ هذا النظام وتحرير المعتقلين من سجونه وإحالة الأسدِ وعصبته إلى المحاكمِ الدولية
أعظمَ ثورة في التاريخِ لن تقفَ ولن تحيدَ عن مطالبها لكنّها استراحةُ محاربٍ واستدراكُ أخطاء وتطوير ألياتِ الصراع، فلا راحةَ لنا قبل إسقاطِ هذا النظام وتحرير المعتقلين من سجونه وإحالة الأسدِ وعصبته إلى المحاكمِ الدولية
 

عسكرياً: باندماج حقيقيٍّ بين جميع الفصائلِ المقاتلة على الأرض وغير المصنفة على لوائح الإرهابِ في كيانٍ عسكريٍّ جامعٍ لها يكون لهذا الاندماج مظلّة شرعية وقبول شعبي، وباستمرار الإعدادِ وفتح المعسكراتِ والمثابرة في التحصين ورفع الجاهزيةِ والاستعدادِ الدائم لأيِّ طارئٍ ينقضُ الاتفاق -كي تبقى نار الثورة متّقدة في صدور الثوار لا يثنيهم تهديدات روسيا ولا حشودات النظام عن الدفاع عن أرضهم وعن عرضهم وعن ثورتهم، ففي السياسة لا عهود مع المصالح ولا ثبات مع رمال تتحرك بتغير التحالفات.

نؤكد على هذه المحاور كي تبقى الثورة حيّة معطاءة تعطي العالم دروسَ الصمود والإصرار بعد ثماني سنين من القمع وكم الأفواه، فالثورةُ كما قال تشي غيفارا: “الثورة كالدرّاجة.. إذا توقفت سقطت"، إن أعظمَ ثورة في التاريخِ لن تقفَ ولن تحيدَ عن مطالبها لكنّها استراحةُ محاربٍ واستدراكُ أخطاء وتطوير ألياتِ الصراع، فلا راحةَ لنا قبل إسقاطِ هذا النظام وتحرير المعتقلين من سجونه وإحالة الأسدِ وعصبته إلى المحاكمِ الدولية، ولن يسكت هذا الشعبُ قبل أن تنعمَ سوريا بالحريةِ والكرامةِ وقبل أن يرتاح الشهداء في أجفان التراب الشامي الطاهر.. فإنّ الحقَّ لا يفنى ولا يقوى عليه غاصبون فارفعوا أيديكم عن شعبنا يا أيّها الصمُّ الذين ملأوا آذانهم قطناً وطين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.