شعار قسم مدونات

اللوبي الصهيوني وحشد الدعم من أجل الاستيطان

blogs المستوطنات الإسرائيلية

استخدمت الحركة الصهيونية الاستيطان كداعم رئيسي لتثبيت مشروعها الاحتلالي في أرض فلسطين المحتلة، المعلومة السابقة يعرفها عموم من له اهتمام بالقضية الفلسطينية ولو حتى بصفة عامة في الوطن العربي أو حتى في العالم ككل، لكن ما أثار حفيظتي بشكل كبير هو حجم الدعم الذي أولته الدول الغربية قبل وبعد إعلان دولة "إسرائيل" لدفع عملية الاستيطان وغياب الجهد العربي المضاد لإحباط هذه المخططات. في بدايات الاستيطان عام 1948، عملت الدول الأوروبية بالتنسيق مع الحركة الصهيونية والدولة الناشئة على تشجيع الاستيطان بصور مختلفة، استعمل الخيار العسكري ضد الفلسطينيين لإجبارهم على التنازل أو الرحيل عن أراضيهم لصالح إقامة المستوطنات، فحصلت المجازر واقتحام القرى وتدميرها مما اضطر السكان للرحيل وترك أراضيهم.

أسلوب آخر استخدم لدفع عملية الاستيطان كان بالحركة الدبلوماسية، ومن أمثلة ذلك كان تعيين السفراء الذين تعود أصولهم إلى اليهودية كممثلين للقنصلية البريطانية في فلسطين المحتلة، فيكون العمل متطابقا مع توجهات الدولة الناشئة. لذلك كان للقنصليات الأجنبية دور مهم في تشجيع الهجرة والاستيطان في فلسطين، قنصل بريطاني كان يتسلل ليلاً إلى البواخر ومعه مصور ليقوم بتغيير أسماء المهاجرين ودياناتهم حتى يمنحهم جواز سفر بريطاني ليتسنى لهم دخول الأراضي الفلسطينية والحصول على أرض والبناء عليها، والقناصل البريطانيين كثر لكن أهم شخصية كانت هو جيمس فن.

إسرائيل لم تترك وسيلة سرية أو علنية لدعم عمليات الاستيطان إلا واتخذتها، فاستعانت بشركات الدعاية والإعلان العالمية لترويج منتجات المستوطنات

ولم يقتصر دعم عملية الاستيطان على القنصليات والبعثات الدبلوماسية فقط، بل استعملت الحركة الصهيونية الأديرة والمؤسسات الكنسية بالتعاون مع البعثات التبشيرية لجمع المال اللازم لعمليات البناء والتوسع في الأراضي الفلسطينية. دولة أوروبا بشكل عام ساعدت بتوفير غطاء مادي وسياسي لدعم الاستيطان في فلسطين، يظهر ذلك جلياً في المراسلات التي كشف عنها أن القنصليات كانت تطلب من وزارات خارجيتها دعما ماليا إضافيا لشراء الأراضي من الفلسطينيين لصالح اليهود تحت العباءة الأوروبية. الغريب أن الدول العربية لم تحرك ساكناً ازاء هذا الملف من بداياته حتى وقتنا هذه إلا بشكل محصور في بعض التصريحات، إسرائيل بعد ثبوت أركان الدولة أصبحت تحرص حرصاً شديدا على عدم إيقاف عملية الاستيطان تحت أي ظرف.

الصحف الأوروبية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص تعطيك دلالة واضحة على مدى دعم الحكومة الإسرائيلية للاستيطان، صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أوردت في أحد تقاريرها أن استثمار الحكومة الإسرائيلية على الفرد المستوطنات بالضفة الغربية يبلغ 900 دولار سنوياً بينما الاستثمار على الفرد في تل أبيب يبلغ 600 دولار. في الأعوام العشرة الأخيرة، شددت أوروبا بشكل فعلي من إجراءاتها ضد الاستيطان لكن ذلك لم يثني إسرائيل عن المضي قدماً في هذا المشروع، فوضعت الشركات التي تتعامل مع المستوطنات في قامة سوداء ليتم مقاطعتها عالمياً، إسرائيل من جانبها جندت دبلوماسيتها لمحاولة تخفيف هذه القرارات، كما رفضت أوروبا أن يتولى أي مسؤول إسرائيلي يسكن المستوطنات لأي مهام دبلوماسية لديها.

أمريكا أيضا حاولت وقف عملية الاستيطان أو تجميدها لكنها فشلت على مدار إداراتها المتعاقبة، غالب الإدارات الأمريكية أبدت معارضتها لعملية الاستيطان لكن إسرائيل لم تلقي بالا لذلك، واستمرت بلا هوادة. وفي سبيل تحقيق ذلك، ضحَّت إسرائيل ببعض دبلوماسيتها حتى تدافع عن الاستيطان، الدبلوماسية الإسرائيلية وبَّخت علانية أحد الرؤساء الفرنسيين لانتقاده الاستيطان، كما استغلت صداقاتها مع بعض الدول لتوبيخ من ينتقد سياسة الاستيطان، حتى أن الحلفاء الأقوى لديها والذي تحرص على علاقات وثيقة معهم لم يسلموا من التوبيخ لمجرد أنهم أبدو ملاحظة بضرورة وقف الاستيطان لدعم عملية السلام كما حصل مع رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ديفيد كاميرون.

إسرائيل لم تترك وسيلة سرية أو علنية لدعم عمليات الاستيطان إلا واتخذتها، فاستعانت بشركات الدعاية والإعلان العالمية لترويج منتجات المستوطنات، وتقيم الاحتفاليات والجولات الثقافية عبر قنصلياتها داخل المستوطنات، كما تعطي التراخيص لتوسيع المستوطنات سرا وعلانية لتشرعن هذه المستوطنات، بل وتتحايل على القوانين الأوروبية لتجنب المستوطنات الخسائر المادية، فمثلا تستبدل الملصقات على منتجات المستوطنات "صنع في إسرائيل" بدلا من "صنع في مستوطنة ".

المثال الأبرز الذي أسوقه هنا هو الخلاف الذي تطور إلى توتر في العلاقة بين الإدارة الأمريكية وبين إسرائيل في أواخر عهد الرئيس الأمريكي أوباما، فقد شدَّدَّت الإدارة الأمريكية آنذاك من انتقادها لإسرائيل بسبب الاستيطان، فكانت النتيجة زيارة لنتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وإلقائه خطبة في الكونغرس دون دعوة رسمية من أوباما، بل استخدمت إسرائيل نفوذها وجماعات الضغط لإيصال رسالة له بأن الاستيطان والقضايا الإسرائيلية خط أحمر لا يمكن انتقاده أبداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.