شعار قسم مدونات

ما الذي يعنيه أن تكوني امرأة في إيران؟

blogs المرأة الإيرانية

المرأة الإيرانية كانت ولا زالت رقماً صعباً في المعادلة السياسية الإيرانية، ولها حضور مُلفت للنظر في النظام الإيراني وكذلك في المعارضة. فهي نائبة لرئيس الدولة حاليا، ولها وجود مُعتبر في البرلمان وزعيمة للمعارضة في الخارج. ولا يمكننا نسيان دور المرأة المؤثر في الثورة الإسلامية في السبعينات، وانتفاضتها في الثورة الخضراء لعام 2009 رافضة تزوير الانتخابات ومطالبة بإصلاحات جذرية تضمن لها حقوقها الأساسية. هذه التجربة النسوية في إيران يُمكن الاستفادة منها والقياس عليها في بقية دول الشرق الأوسط.

إن حالات الصعود والهبوط التي تمر بها الحكومة الإيرانية إما أن تدفع المرأة نحو الضغط السياسي المباشر من خلال التظاهر في الساحات والميادين، أو أنها لا تتيح لها الحضور المؤثر؛ فتلجأ المرأة الإيرانية بعبقريتها المعهودة للثقافة والفنون كوسائل ثقافية سلمية لإيصال صوتها للعالم ولتغيير الواقع السياسي والاجتماعي الذي تعاني منه. ففي الوقت الذي كانت السلطات تمنع المرأة من حقها في التعليم الجامعي في بداية الثمانينات، كانت طاقات المرأة تنصب في الأدب والموسيقى والرسم، كنوع جديد من المقاومة، نتج عنه أجيال من النساء المشبعات بالوعي السياسي. هذا المقال سيناقش أساليب المقاومة الثقافية التي استخدمتها المرأة الإيرانية وكيف أثرت هذه "الأسلحة السلمية" على واقع المرأة في إيران.

الكتابة والأدب:
لم تكتفي المرأة الإيرانية بتجسيد معاناة النساء في بلدها، بل حاولت عن طريق الرواية والأدب أن تدفع الحدود وأن تحارب من أجل التغيير الاجتماعي والديني والسياسي

منذ القدم كانت صورة المرأة حاضرة في الأدب والشعر، كقصة ويس ورامين والتي لا تقل أهمية عن قصة روميو وجولييت، والتي جاء على نهجها قصص أخرى كليلى والمجنون وشيرين وفرهاد. في جميع هذه القصص ظهرت المرأة كشخصية رئيسية لا ثانوية، وكانت تُصوّر مساويةً للرجل، شجاعة ومستقلة. أما في قصص ألف ليلة وليلة، فقد صوّر الملك كرجل ظالم وقوي مشبع بالذكورة، في حين أن باقي النساء ضعيفات ولا حيلة لهن إلا شهرزاد فقد تم تصويرها كامرأة فارسية مليئة بالشجاعة والحكمة والدهاء، وبفضل حنكتها استطاعت أن تعيد الملك إلى صوابه شيئاً فشيئاً عن طريق حكاياتها. وهنا يتبين أن الأدب والشعر الفارسي القديم كان يعطي النساء صفات القوة والذكاء والشجاعة.

مع بدايات القرن العشرين حدثت موجة كبيرة في طباعة ونشر مئات الكتب لكاتبات إيرانيات. هذا ما أدى إلى ولادة حركة نسوية جديدة في إيران مختلفة عن تلك التي يتم غالباً إلصاقها بالغرب. هذه الحركة النسوية كانت ظاهرة في الأدب، لكونه الصوت الحي للمرأة الذي من خلاله تستطيع الواحدة أن تتواصل مع غيرها من الإيرانيات اللائي مررن بالمعاناة نفسها، تماماً كما فعلت الروائية الأولى في إيران سيمين دانشوار في تجسيد قصص النساء في رواياتها.

لم تكتف المرأة الإيرانية بتجسيد معاناة النساء في بلدها، بل حاولت عن طريق الرواية والأدب أن تدفع الحدود وأن تحارب من أجل التغيير الاجتماعي والديني والسياسي. فأصبح يُنظر إلى الكتابة في المجتمع الإيراني، كتمرّد أو كفعل ثوري. تماماً كرواية أن تقرأ لوليتا في طهران للكاتبة والبروفيسورة آذار نفيسي التي كانت بمثابة القنبلة للمجتمع الإيراني، فقد نُظر إلى هذا الكتاب كتحدٍّ للدولة الثيوقراطية حتى قبل إدراك محتواه، فالعنوان وحده كان كافياً لمنعه. بالرغم من منع السلطات لهذا الكتاب إلا أن المجتمع قد وجد طريقته في الحصول على نسخ منه، الأمر الذي فسره البعض على أنه رغبة للانفتاح.

في فترة خاتمي أصبح هناك تغييراً كبيراً في حضور المرأة، فقد فُتحت المجلّات النسوية كمجلة زنان التي كانت تطرح آراء وأفكار جريئة جداً من قبل النساء قبل أن تُغلق في 2008 وتعود مرة أخرى في 2014. قيل عن هذه المجلة أنها كانت تتحدى رجال الدين والرموز القانونية، كانوا أيضاً يناقشون رجال الدين في القضايا الدينية التي يرون أن لا أساس لها في القرآن، ولم يجرؤ أحد على منعهم من مناقشة هذه القضايا الحساسة، قبل أن يتم إغلاقها للمرة الثانية في عام 2015.

مكرمه قنبري تعتبر من أهم الفنانين التشكيليين في الشرق الأوسط، حتى أنها عُرفت بدافنشي إيران! قيل عن مكرمه أنها كانت ترسم على كل شيء تضع يدها عليه، كالجدران والأثاث، لتجسيد معاناتها كامرأة
مكرمه قنبري تعتبر من أهم الفنانين التشكيليين في الشرق الأوسط، حتى أنها عُرفت بدافنشي إيران! قيل عن مكرمه أنها كانت ترسم على كل شيء تضع يدها عليه، كالجدران والأثاث، لتجسيد معاناتها كامرأة
 
السينما:

لم تكتف المرأة الإيرانية بالأدب، لقد تحدّت المرأة الإيرانية شرعية رجال الدين والمجتمع الذكوري من خلال ظهورها في السينما كممثلة وكمخرجة أيضاً. تحولت السينما الإيرانية تحولاً كبيراً في العقود الأخيرة، فقد كانت المرأة سابقاً تُعرض كشخصية ثانوية غير فاعلة في المجتمع وإعطاءها أدواراً خالية من الواقع لهدف الترفيه والإثارة الجنسية فقط. أما الآن أصبحت المرأة تلعب دوراً مهماً في السينما الإيرانية. هنالك احصائية تشير إلى أن 4 بالمئة من الأفلام الأمريكية منتجة من قبل النساء، في حين أن النساء الإيرانيات يشكلون 25 بالمئة من مجمل إنتاج الأفلام الإيرانية؛ الأمر الذي يُعد فارقاً في تاريخ السينما وإشارة واضحة على المقاومة النسوية من خلال السينما. فبالرغم من وجود تعقيدات كثيرة في إنتاج الأفلام في إيران وقوانين تنظّم ظهور المرأة في الأفلام وابراز العواطف، إلا أن النساء دائماً ما يجدن طرقاً لتفادي الصدام مع السلطات لتصل أفلامهم إلى السينما المحلية والعالمية فهنالك عدد كبير من الأفلام الإيرانية الحاصلة على أكبر الجوائز في مختلف المهرجانات السينمائية. كما فعلت أعمال المخرجة رخشان بني اعتماد.

رخشان بني اعتماد لم تكن مخرجة وكاتبة نصوص سينمائية فحسب، بل كانت رافضةً بشكل غريب لأن يتم تصنيف أيّاً من أعمالها كعمل لامرأة؛ فهي تجد في ذلك تقليلاً من كونها قادرةً على مجاراة الرجل في هذا المجال، لذا كانت دائما ما تُردد، أنا مخرجة أفلام ولستُ امرأة مخرجة للأفلام! في السينما الإيرانية تعاني المرأة كثيراً من الممنوعات والقواعد التي تمنعها من أن تظهر عواطف الحب. كما تُجبر المرأة على ارتداء الحجاب في كل المشاهد في الأفلام؛ فتجد الأمر غريباً عندما تظهر امرأة في أحد المشاهد في منتصف الليل في بيتها الخاص وهي مغطاة الشعر! ولكن يدرك طاقم عمل أي فيلم أن الالتزام بالقواعد هو السبيل الوحيد لأن يصل عملهم إلى المشاهد، وإلا فما الحكمة من إنتاج فيلم لن يُعرض أبداً؟!

وهنا وجب التنويه أن الأفلام الإيرانية تمر بمراحل طويلة قبل عرضها في دور العرض، وذلك لأن هذه الأفلام تُعرضُ أولاً على مجموعة رجال يقومون بالتدقيق على هذه الافلام واعتمادها. رغم كل هذه التعقيدات ورغم محدودية وبساطة الأدوات التي يتم استخدامها في التصوير، يمكننا القول أن السينما الإيرانية قد أصبحت مدرسة ملهمة للسينما الواقعية في العالم. فالمعروف عن الأفلام الإيرانية أنها تهز المجتمع وتعيد رسم المفاهيم السياسية والاجتماعية والدينية بطريقة تجعل الجميع يناقشها في الشوارع والبيوت والجامعات مثل فيلم انفصال، وصه البنات لا يصرخن، وعن إيلي، وقذف الثريا وغيرها.

الفن التشكيلي:
دفعت المرأة الإيرانية ولا زالت تدفع الحواجز التي وضعتها الحكومة ورجال الدين من أجل أن تكون فاعلة في المجتمع لا مقيدة كما يريدونها

الزائر لإيران يدرك منذ اللحظة الأولى أن شعبها مُغرم بالفنون. فاللوحات موجودة في القصور والبيوت البسيطة على حدٍّ سواء. مكرمه قنبري تعتبر من أهم الفنانين التشكيليين في الشرق الأوسط، حتى أنها عُرفت بدافنشي إيران! قيل عن مكرمه أنها كانت ترسم على كل شيء تضع يدها عليه، كالجدران والأثاث، لتجسيد معاناتها كامرأة تم تزويجها من رجل يكبرها بكثير، برجل لم يلتفت لرغباتها ولم يساعدها لتحقيق أحلامها. كما أنها كانت تحوّل القصص التي يتم تداولها في القرية إلى لوحات فنية وكذلك كانت تفعل مع تجسيد معاناة النساء في القرية.

المتأمل لأعمال قنبري، يدرك أنها كانت تستخدم ألواناً باهيةً لشخصياتها ما عدا الشخصيات الذكورية؛ فقد كانت تستخدم ألوان بائسة كالأسود وكانت تصوّرها كشخصيات شريرة. وهنا يذهب البعض إلى أن الشخصيات الذكورية كانت تمثل زوجها الذي أُجبرت عليه. فبالرغم من كون الرسومات مصدر جمالي إلا أنها كانت تجسد قصصاً واقعيةً ومعاناة وأمنيات الفنان في إيران، الأمر الذي يجعلها شاهدة على ما يحدث في الأزقة الضيقة وخلف جدران البيوت البسيطة.

الخلاصة:

لقد دفعت المرأة الإيرانية ولا زالت تدفع الحواجز التي وضعتها الحكومة ورجال الدين من أجل أن تكون فاعلة في المجتمع لا مقيدة كما يريدونها. وقد فعلت ذلك من خلال اقتناص الفرص القليلة بل وخلقها من العدم أحياناً عن طريق الوسائل الثقافية المتاحة. إن أعمال المرأة الإيرانية تُتابع وتُراقب عن كثب من قبل المجتمع المحلي والعالمي، حتى أن كثيراً من هذه الأعمال كانت تهز المجتمع وتُناقش من قبل الجميع لكونها أعمالاً ذات حياة ومعنى وهدف، لم تكن مجرد فنون تُقرأ لتُنسى ولا أفلام تُشاهد لتُتركَ في قاعات السينما؛ وإنما لتعلق في الذاكرة، ولتُحدث ثورة فكرية يتبعها تغيير سياسي واجتماعي على أرض الواقع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.