كلٌّ له من الأَحلام ما يشغَلُ شريطَ خيالِه إذا هو يزيد في عمرِه أيَّامَا، يكبُر فتتغيّر الأحلام كمًّا ونوعا، تزيد وتنقص عددا، أو تضمحل. قد تضطرُّك الحياة للتخلّي عن بعضِها قبل الإقلاع لأن تكلفة الحِملِ غاليةٌ في مجتمعٍ لم يعطِك بتخلُّفِ إمكانيّاتِهِ تذكرةَ خطواتٍ تقرّبك منه، بل استبدلها بطاقةً حمراء تُلغِيك من حُلمِك وتُلغِي حلمَك منك، وبعضها تُكلِّف مشقّةُ الطّريقِ إليه إضناءَ جهدٍ وتَوْق حتَّى إذا ما أوشكت عينَاك تلمحُه واقعًا تخطفُك رجعيةُ المجتمعِ أيضا لترُدَّك إلى نقطة البداية، بدايةِ الحلم مع ضريبةٍ نفسيّة وخِيمة جزاءَ تعدِّيكَ حدود طموحاتِك التي شيّدَتها ظروفُه حولك. لكن الأسوأ من هذا إذا أنت قبضْت على يدِه وصرتما اثنين في كفَّةِ التحقيرِ ضدّ أحلامِك، الأسوأ أنّك أنت من تعطي الضّريبةَ والعقابَ إعدامًا لحلمِك الذي كاد أن ينتفض في كينونَتك، الأسوأ أن يكون خوفك الدَّفين الذي يتملَّك ثقتَك يحول بينك وبين أملِ انبثاقِ حلمٍ من داخلك، بل ويخمد عزيمتَك إذا أنت أوشكت أن تَثِب.
أن تكون على قيدِ حلُم يعني أن تصل بروحك إلى مُطلَق الحياة، فتحاول وصلَ الرّوح بالجسد إذا ما أنت صيَّرتَه واقعًا، فلا حياة بدون روح أو جسد، كما لا حياةَ بدون حلمٍ واقع، لذلك تجد أن معظم الحالمين يكتفون بطموحاتهم سمرًا لوساداتهم، أو سطورًا لمُذكَّراتهم، أو حسرةً لتمنياتِهم، أما إذا حدثتهم عن تحقيقها يُلقُون بآمالِهم في تهلكةِ التٌعجيزِ والاستخفاف بحججٍ تغَطي حقيقتَهم الدفينة التي هي السجّان الأعظم لها، فهم بذلك يقتلونها فيهم ويقتلون أنفسَهم بقتلِها.
شعورٌ يتولّد من مواقف مررت بها في حياتك، يتكدّس شيئا فشيئا ويتضخّم فيك دون أن تشعر، بدايةً من طفولتك، عندما كانت أقصى أمنياتِك أن تتفوَّق بعلامة على زميلك في مادة الرياضيات، ولكنّه كان أحسن منك فانهزَمت وخبّأت هاته الخيبة في محجر مخاوفك، ثم تذهب لوالديك وتحدّثهم برغبتك في أن تطير فيضحكان على خيالك الواسعِ ضَحِك استحالةٍ، وتنقلب ثقةً في العجز، تأوي إلى مكانها المظلم في نفسك ،ثم تكبر فيحكي لك أستاذك عن انهزامِه أمام حلمه الحقيقي وتحويله قسرًا إلى هاته المهنة التي لم يكن يرغب بها، لكن أجبرته ضرورةُ الكسب المعيشي على اعتناقِها، وهكذا تتوالى المواقف وتتكاثر الخيبات ويتفاقم الدّاء، حتى إذا ما حدَّثَتك نفسُك بغايةٍ ترنو لها ظهرت أعراضُه وأَوَت بحلمك إلى فراش الموت يحتضرُ خوفَا.
الحبّ والرغبة في تحقيق هدفك لا يمكن أن تسمو إليهِما إلا إذا اغترَفت من ينبوع الثّقة شَربَةً، ثقةً في الله وحسن ظنِّ به، من أودع فيك أمانةَ الحُلُمِ قادرٌ حتما بقدرته أن يعينك على تحقيقه |
جديرٌ بالحلم من استطاع أن يتوصَّل إلى دوائه الذي يشفط جميع مخاوِفِه فيحرِّر أحلامَه من داخله، لتحاول شقَّ طريق التَحقُّقِ وتسعى فيه، من لم يرفع لدفائنه الحالِكة أبيضَا، وأنار عتمتَه بخيط نورٍ حمَلَ حلُمَه إلى خارجه، من لم يكتف بأنه مع الحالمين بل أقبل نحو هدفه مع المطبِّقين، فسقاه ثقةً، غذاه جُهدًا وحصده فرحًا ونجاحَا، ذلك فقط من انضمَّ بحلُمه إلى زمرة الأحياء حقا.
إن أعياك الحلُم، واكتسَح نفسَك الخوف وأظلم في سرداب أمانِيكَ الأمل، فاستعن بالحب، إذا أحببت حلُمَك حقا فإما تُحييه وتعيش معه أو تموت في سبيل ألا يموتَ فيك. إن أرهقَك الدَّرب واستسلمت وخارت قِواك فانهض مجدَّدا وواصل لتصل إلى نقطة يستطيع فيها اسمك أن يجاور حلمك -الذي حَمَلته على جناح حُبِّك- طوال حياتك وربما حتى بعد موتك، إن أحببت شيئًا أخلصت له أواصرَك ووهبتَه نفَسَك وعمرَك وكلَّ جهُودِك لكي تحقِّقه، فقط إن كان حلمك حبًّا ستستطيع رغم كلّ شيء إطلاق عنانه إلى سماء الواقع.
ثق في أن طريقَ النجاح محفوفة بالحواجز، مُلغّمة بالعثرات مليئةٌ بالمنعرجات، فلا تجعل خوفك من كلّ هذا يحول بينك وبين رغبتك في تحقيق ما تريد، لأن الرغبة هي الوحيدة التي تزيل الحواجز والعثرات وتحيل طريقك مستقيما، الرغبة المغذاة بالحب تصنع منك نسرا كَسِير الجناح يحطّ بثقةٍ على نهاية طريقك، أين يُفترَض أن تكون مع حلمك.
إن الحبّ والرغبة في تحقيق هدفك لا يمكن أن تسمو إليهِما إلا إذا اغترَفت من ينبوع الثّقة شَربَةً، ثقةً في الله وحسن ظنِّ به، من أودع فيك أمانةَ الحُلُمِ قادرٌ حتما بقدرته أن يعينك على تحقيقه، فلا يُكَلِّف الله نفسا إلا وسعها، ثم ثقةً في نفسك بقدرتك على تجاوز جميع المخاوف والارتقاء بهدفك إلى المقامِ الذي يليق بكما وأيضا ثقةً في حلمك الذي إن أفرغت عليه طاقتَك سيُنقَشُ على بلاط الواقعِ لا محالة. فالثّقة هي السّلاح الذي تستطيع به إلغاء كل وساوسِك ومخاوفِك التي تنخر في روحك عجزًا وركودَا. ثق يا صديق أنّك تستحقّ حلمك، فلا تحاربه بمخاوِفِك، فيركد ويختفي، لا تقيّد روحَك بروحِك، ولا تخمد شعلة طموحِك بنفثةِ خيباتِ أمسٍ سيطرت على كيانِك، لك حقّ الحلُم وعليكَ واجِبُ التَّحقيق وفي يدِكَ الوسيلةُ فلا تكبَح فيكَ عزيمتكَ وانتفض له.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.