شعار قسم مدونات

فيلم Snowpiercer.. نيتشه وماركس في قطار

blogs Snowpiercer

فيلم تمَّ إنتاجه وعرضه في عام 2013، وعلى الرغم من مرور خمسِ سنوات على عرضِ هذا الفيلم، ولكنْ لمْ أُشاهده أو أسمع عنه حتّى، وهذا مع ولعي الشديد في مشاهدة الأفلام! فماذا عساني أنْ أقول؟ فمهما كنتَ مهتمّاً في مجالٍ معيّن، فلا بدَّ أنْ تغيبَ عنك أشياءٌ وأشياء! ولنْ تُحيط علماً بكلِّ شيء! وهذا شكل من أشكال القصور الذي يميّزنا كبشر لا محالة.


يبدأ الفيلم بشرح عن الكارثة الطبيعية التي أدّت إلى تجمّد العالم بأسره، وكيف قضت هذه الكارثة على البشريّة جمعاء! باستثناء مجموعة من النّاس على قطار اسمه “Snowpiercer” أو قاهر الثلج، وهذا القطار مع تقدّم الأحداث في الفيلم، نرى أنّه من صنع شخص يُدعى “Wilford” والذي لعب دوره Ed Harris، وقدْ قام باختراع مُحرّك مقدّس كما أطلقوا عليه في الفيلم، وهو عبارة عن مُحرّك لا يقف عن العمل! وفي المقابل لن يقف القطار عن الحركة أيضاً.

  

بدايةً، الفيلم تجسيد لصراع ماركس الطبقي! وتجسيد أيضاً للتصنيف النيتشوي للبشر! ولكنْ في نظري كانت الماركسيّة هي سيدة الموقف في هذا الفيلم! حتّى أنّني كنت أرى أنَّ كلَّ مشهدٍ من مشاهد هذا الفيلم هي غطاء تتم إزالته لحين رؤيّة وجه ماركس في آخر مشهدٍ فيه! ومع أنَّ هذا لم يحصل بالمعنى الحرفي للوصف، ولكنْ نهاية الفيلم عبثيّة بطريقة ستوصلك لنيتشه بشكلٍ أو بآخر! ولماركس أيضاً مع أنَّ الرجل ليس عبثيّاً كما يظهر في أطروحاته! ولكنْ، صميم الاعتقاد الماركسي هو عبثي لا محالة!

   

مؤلفو الفيلم ومعهم المُخرج أيضاً، والذي شاركَ في كتابة الفيلم، استطاعوا أنْ يخلقوا هذه الحالة الطبقيّة في قالب ماركسي نيتشوي غاية في العمق، حتّى أنَّ اختيارهم أنْ تكون الأحداث في قطار هو فكرة عبقريّة للغاية، إذْ أنَّ تقسيم القطار هو طبقي حرفيّاً، ليُسقطوا بعدها هذا التصوّر على صراع ماركس الطبقي من جهة، وعلى التقسيم النيتشوي للسادة والعبيد من جهة أخرى!

  

     

يبدأ الفيلم بشرح وجيز عمّا حدثَ للعالم من تجمّد قاتل للبشريّة، وينتقل بعدها للإشارة إلى القطار وكيف تمَّ تقسيمه من قِبل Wilford صانع هذا القطار وصانع مُحرّكه المُقدّس! والآن سأستهلُّ المقال بالإشارة إلى رمزيّة الفيلم! فمُخرِجُنا هنا لم يقصدْ ظاهر الأحداث التي سينظر إليها المُشاهد! وإنّما جميع أحداث هذا الفيلم هي رمزيّة لأشياء أعمق بكثير من ظاهرها، وأوّل رمزيّة في هذا الفيلم هي القطار، فالقطار هنا يُعبّر عن الأرض التي نعيشها نحن! والذي سيبدو للمُشاهد أنّه لن يتوقّف وسيستمرّ بالحركة للأبد! ولكنْ، هذا لم يحصل بالمرّة وسأعرّج على هذه الجزئيّة لاحقاً في المقال.

 

أوّل طبقة في القطار تمَّ تسليط عليها الضوء هي ذيل القطار أو الـ Tail Section، وهذه الفئة تمثّل الطبقة المسحوقة في المجتمع، والتي تُعامل بأقسى أنواع العذاب والاضطهاد! فئة غير عاملة وإنّما مسحوقة فقط، وتأخذ معونات غاية في القذارة من صانع هذا القطار، والذي يمثّل على أرض الواقع شخصيّة أي حاكم دكتاتوري في عالمنا الحالي.

 

بعدَ هذا العرض البسيط عن هذه الفئة، تتخلل مشاهد سريعة تعرض الفئات الموجودة في هذا المجتمع المصغّر، من جنود والذي يُمثّل القوّة الضاربة للحاكم، ترينا الجواسيس والتي تعمل كمخابرات! وهناك الوزراء، ومنْ يتكلّم باسم الحاكم، أو الناطق الرسمي باسمه! كلُّ هذا موجود على قطار نهايته مأساوية، وسيدرك المُشاهد ذلك كلما دخل أكثر وأكثر في أعماق الفيلم.

 

الثورة والاحتجاج هي الذروة التي تبدأ بتصعيد الأحداث، وعندَ هذه النقطة، نلمح التأصيل الذي يريد إيصاله المُخرج، ونلمح أيضاً أنَّ هذا هو ما يحصل داخل أي مجتمع! وقدْ كانت ثورة هؤلاء المسحوقين هي الوصول إلى مقدّمة القطار، والوصول إلى الدكتاتور  Wilford، والتخلّص منه والانقلاب عليه، ومنْ ثمَّ استلام زِمام الأمور كما يحصل في أيّ ثورة نعرفها!

 

انطلق الركب نحو المقدّمة وفي أعينهم شيء واحد فقط، هو Wilford والمُحرّك المقدّس! وكانَ هذه الجَمع الثائر بقيادة Curtis والذي لعِبَ دوره الممثل الوسيم المبدع Chris Evans، ووتيرة الأحداث تبدأ بالتأزّم مع كلِّ مشهدٍ من هذا الفيلم، فيخوض معاركاً ضاريّة ضد دولة Wilford المزعومة داخل هذا القطار، وفي كلِّ قسم يواجه فئة جديدة من هذه الدولة الصغيرة! وأودُّ أنْ أشير إلى الرجل الذي قامَ بتصميم النظام الأمني للقطار والذي كان في تابوت ليصعب الوصول إليه وذلك لأهميّة رجل مثله! ولكنَّ Curtis وصلَ إليه وعقد معه صفقة مقابل كل باب يفتحه سيعطيه مخدرات مقابلها! وهذا الرجل هو ما يُمثّل ذنب السلطة والذي قام بالانقلاب عليها مقابل أي شيء مادي بغض النظر عن ماهيّته!

     undefined

  

الحربُ الضَروس كانتْ في قسم المجموعة المقنّعة حاملي السكاكين والفؤوس وكلّ شيء حادّ قاتل يخطر على بالك! كانَ هذا المشهد مُرعب ومخيف! حتّى أنَّ وجوه هؤلاء المقنعين كانت غاية في الدمويّة، وهؤلاء الذين يُمثّلون كلاب السُلطة الدمويين، ودائماً ما يكونون فِرقة خاصّة لهكذا أمور، أُسمّيهم أحياناً بمرتزقة أي طاغوت ودكتاتور!

  

تتوالى الصراعات من قسم لقسم في القطار ويسقط قتلى من كلا الطرفين، لحين بقاء Curtis فقط وابنة الرجل الذي صمّمَ النظام الأمني! يبقى Curtis يُصارع لحين وصوله لـ Wilford ويجري بينهم حوار فلسفي من وجهة نظر طاغوت طبعاً، بدأ يتحدّث عن الاتزان الذي يجب أنْ يُطبّق في أيّ مُجتمع، وأنَّ هذه الطبقيّة ضرورة لا بدَّ منها لسير الحياة على أكمل وجه! هو يتحدّث عن قطاره في ظاهر الأمر، ولكنَّ الخِطاب هو خِطاب يطرح ما يحصل على هذه الأرض! يوضّح أنّنا عالقون هنا، وفئتنا المسحوقة هذه والتي أرادت الوصول لمقدّمة القطار ما هي انعكاس لكل أُنموذج بروليتاري مسحوق يريد الوصول لكل ارستقراطي طاغي ويجلس مكانه!

 

فحوى الفيلم عميقة وشائكة بعض الشيء وخاصّة في نهايته! يريد المُخرج أنْ يقول: مهما حاولنا الوصول إلى القمّة سنبقى عالقون هنا على كوكب الأرض! يُحاول القول أنَّ الطبقيّة هذه تحصيل حاصل، وأنَّ هذا الصراع مستمرّ حتّى فناء العالم! لهذا قلتُ في بداية المقال، أنَّ وجه ماركس سيتكشّف شيئاً فشيئاً لنهاية الفيلم! ولكنْ توقعاتي فشلت عند آخر مشهد!

 

آخر مشهد في هذه الرائعة كانَ في تحطّم القطار تماماً! وخروج الفتاة التي تكلّمنا عنها سابقاً، وهذا المشهد كانَ القشّة التي قصمتْ ظهر البعير بالنسبة لي! كانَ شيئاً عدمياً، عبثيّاً، ونيشتويّاً غارق في نيتشويّته لأكثر من سبب، أولها: تصوير دبّ قطبي يقف على تلّة! ثانيها: خروج الفتاة والتي ولدت في هذا القطار ولا تعرفُ شيئاً عن هذا العالم! لتخرج وتجد هذا الحيوان المفترس، ولعلّه الأكثر افتراساً من بين الحيوانات! هذه النهاية هي ما وضعت نيتشه على عرش هذا الفيلم! فهذا المثالي هو الذي أصّل للإنسان المتفوّق وإلى عدم حاجتنا للضعفاء العبيد! والمخرج هنا وضع دبّاً قطبيّاً ليقول لنا هي سائرة للعدم، وهذه الطفلة سائرة للعدم أيضاً! فما هي فرصة نجاتها أمام وحشٍ كاسرٍ كهذا!

 

كتبتُ مقالي هذا ولنْ أُعلّق عليه كخاتمة، ولا أعلمُ لماذا؟ أردتُ فقط أنْ أبيّن اندهاشي من هذا الفيلم! واندهاشي من مُخرجه الذي استطاع أنْ يضعَ نيشته وماركس في قطار!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.