شعار قسم مدونات

الاكتئاب.. عندما تُقتل النفس بصمت!

blogs - sad2

إن من أصعب المواقف التي يمكن أن يمر بها الإنسان هي أن يقف مُكَبَّل اليدين أمام ما يحصل له، حيث يحس المرء أنه غير قادر على تشخيص ما به وتكوين رؤية واضحة لما يجري داخل رأسه. أفكار كثيرة وغير مرتبة، منها ما هو منطقي ومنها ما لا يمت للواقع بصلة. يعاني الإنسان من الإرهاق النفسي الدائم كأنه داخل دوامة تدور، يحاول إيقافها جاهدا ولكن بدون جدوى. يَشعر وكأنما الدنيا تَتَقَزَّمُ في عينيه، يحاول مقاومة الأمر لكن الحزن يتغلب عليه والأفكار السوداء تَجُرُّهُ إلى حيث لا يدري. تروي لي صديقة عاشت هذه التجربة الصعبة وعانت منها الأمرين، حيث إنها كادت تُخطَف روحها وتزهق في صمت وهي تحاول الخروج من موجة الحزن التي غطتها وأدخلتها في معاناة مريرة.

فبعد وفاة فرد من عائلتها كان من الصعب عليها بل من المستحيل أن تتقبل الأمر بسهولة فهي لم تعش تجربة فقدان شخص قريب وعزيز من قبل. بل حتى أن فكرة الموت بصفة عامة لم تكن تراودها وتؤمن بها مائة بالمائة. فطالما ظنت أن الموت يخطف الآخرين فقط. لكن عندما طرق بابهم كفرت بالمبادئ. هذا ما أدخلها في حزن مرضي وجعلها تتجرع ألما نفسيا مريرا. فقدت صديقتي لذة كل شيء في الحياة، لجمت حيويتها وأوقفت أنشطتها. وأصبحت تُحس بالقلق والخوف من المجهول وكذا بالعدم الذي يَنْخُر داخلها كأنها مجرد بقايا جثة هامدة لا تنبض بالحياة، فقدت الأمل في كل شيء بل باتت تُحس بانعدام الجدوى من الوجود حتى أصبحت تفكر بجدية في وضع حد لحياتها لكي تُنهي تلك المأساة بصفة نهائية.

إعلان

الاكتئاب، وهو من أشهر أمراض العصر وأكثرها فتكا بحياة الإنسان، يعتبر في مثابة سرطان خطير، يأكل خلايا النفس ويقتل الحياة فيها إلى أن يلقي الإنسان نفسه لا إراديا في أحضان الموت

إنه حقا شعور متعب يجعل صاحبه يعيش بعقل مشوش وغير مستقر ذهنيا. فوضى عارمة تَعُمُّ فضاء رأسه كأن عنكبوتا أسودا اقتحم جمجمته وبات ينسج خيوطا هنا وهناك غير مبال بهندسة البيت العنكبوتي الاعتيادي بل خيوطا مبعثرة تثير ضجة بين عصبونات دماغه. يا له من إحساس مؤلم يشعر به المرء إذا ما لم يجد تفسيرا مقنعا لما يحصل له! ينعزل داخل قوقعة نفسه والحزن يخيم عليه والاكتئاب يتسرب إليه رويدا رويدا إلى أن يتمكن من اجتياح أصغر شرايين جسمه كأنه سم نفسه.

هكذا وصفت لي صديقتي شعورها، فقد كانت روحها تُسحق ببطيء. فهي لم تستطع تجاوز عتبة الألم بسهولة بل كانت كالقابضة على الجمر. وعندما لاحظ أفراد أسرتها هذه الأعراض فكروا في بادئ الأمر أنها ربما قد تكون مصابة بعمل شيطاني، إما أن يكون سحرا أو مسا أو عينا أو حسدا. وعلى الرغم من يقينهم بوجود هذه الأشياء، لكونها مذكورة في كتاب الله، إلا أنهم لم يُضَخموها كما تفعل الأغلبية. فليس كل عثرة يتعرض لها الإنسان هي بفعل الشياطين ولا كل علة تصيب المرء هي بسبب سحر أو مس. فالنفس أيضا معرضة للإصابة بوعكات مرضية مثل الجسد تماما. وعليه، تم عرضها فورا على طبيب متخصص شخص لها مرضها. فقد ابْتُلِيَت صديقتي بمرض غير معترف به "اجتماعيا" ألا وهو الاكتئاب. ولم تتخلص من وطأته إلا بعد خضوعها للعلاج الطبي، وفي نهاية المطاف حصل التعافي.

غالبا ما نرى الناس يشفقون كثيرا على المصابين بالأمراض الجسدية الفتاكة ولا يعيرون اهتمامهم للأمراض النفسية. فهي لا تقل خطورة وأهمية عن تلك الأمراض الأخرى. حيث إن الاكتئاب، وهو من أشهر أمراض العصر وأكثرها فتكا بحياة الإنسان، يعتبر في مثابة سرطان خطير، يأكل خلايا النفس ويقتل الحياة فيها إلى أن يلقي الإنسان نفسه لا إراديا في أحضان الموت.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان