شعار قسم مدونات

هل يمُوت الحبُّ حينما تُعرقله الظُّروف؟

blogs فراق

يقول الأستاذ أحمد فؤاد نجم: "وإن كان أملُ العُشَّاق القرب، أنا أملي في حبّك هو الحبُّ"، يا الله كم لهذه العبارة من وقعٍ مهيبٍ على قلوب المحبّين عن حق، أولئك الذين بات الرّضا حليفهم في طريقهم الضبابي المليء بوحشة الروح إلا أنهم في طريقهم ذاك، لم ينسوا التزود بعمود إنارة حبهم القويم! يقول فورستر: "باستطاعتك تغيير الحُبّ، تجاهله، التشويش عليه، لكنك لا تستطيع أبدًا طرده منك، أعرف من خبرتي أنّ الشّعراء على حقّ عندما قالوا إن الحُب خالد".

إنّ الذين أحبُّوا بكلّ ضعفهم يدركون تمامًا قول فورستر، فهم لا مُذلّون ولا مُهانون، أمام ذلك الحبّ الكبير الذي يتملَّكُ كل كيانهم، وهذه الفئة لا يسألون قلوبهم البتة: لِمَ أحببنا شخصًا بعينه، بغضّ النّظر عن أنّه مميزٌ أو غير ذلك، فالحبُّ أحمق، نحتاجه بكل ما فيه من تعقيدات لا مفهومة لنكون بعدها في حالة ضياعٍ مهيب، لا يسأل ولا يستأذن أحد إنه فوق الكل في علياه، فلا يتورّع في فرض كل العذابات التي تصاحب هذا الإحساس!

الحقيقة، أنّ المحبين يمضون نحو عبق الذكرى التي جمعتهم فلا تراهم محزونين ولا مبتهجين، فقط هي حالة الحبّ سكنت أوردتهم لتُخمِد الشّعور فيهم، ولتجتمع بعدها كلّ الأحاسيس والمشاعر الحلوة المعتّقة لمحبوب واحد ذلك الذي فارقه في ساعة ظرفٍ عصيّ على الفهم له وحده، ولكنه للعوام نهج الحياة الذي لا سبيل إلى الفرار منه ألا هو الفراق! الفراق وما أدراك ما الفراق، سنّةٌ من سُنن الحياة ماضٍ فينا كوحش بغيضٍ نخافهُ دائمًا في مسيرتنا الحياتيّة فلا نتورّعُ في استنكاره، ولا في المضي قُدمًا من إثباط مُحاولاته وتربّصاته بنا، فنستمد قوتنا منه، وبه تقوى شوكتنا وبسببه نقف شامخين رافعين الهامات، ونجاهد ونكابد ونسلُك كل السُّبل اشتهاءً وبرغبة جامحة في وصل ذلك المتصل، الموصول بين قلبين لا حليف لهما إلا ذلك الشعور المتأصّل فينا كبشرٍ جُبلنا على الحب!

اتخذوا من حبّكم لشخص بعينه منبع عطاء لا أخذ، إنّ هذا الحبّ هو شعورٌ خاصٌّ بكم، إنّهُ ذلك الشيء النقي الذي لا يمكن لأيّ كان أن يزايد عليه أو يَقتله بداخلكم بسكّين مثلوم

إنّ أطروحَتي هذه قد لا تُسعف أولئك الذين غُدر بهم في منتصف الطريق، أو أولئك الذين أطاحت بهم تجاوزاتهم العظيمة و ظنونهم الحسنة النابعة من بحور حبّهم العميق بالطرف المقابل، ليكون ملاكهم الوديع الذي لا يخون ولا تُخوّل له نفسه فعل الفظائع في قلوبهم، لكن مع كلّ ذلك دعوني أُعرّج بكم من براثن الانسحاق إلى أعالي الأحاسيس المنبثقة من حسّ إنسانٍ يرى في الحب مرفأ نجاةٍ، وهو السبيل الثابت إلى حبّ كل الناس، لأنّ الكره سهلٌ ميسرٌ وأيّ شخصٍ غُدر به سوف يتخذه رفيقًا، إنه ملجؤنا في الضّعف و الوهن و النّدم… ولحظة كلّ الأشياء البغيضة التي تُصادفُنا وتتنافى مع إنسانيتنا. لذلك دعونا من كل الأطراف الذين أبحرتم معهم في بحر الأحلام، ومن الخيانة والغدر وكل تلك الأشياء التي باتت الحياةُ لا تستقيم إلا بها لتغدو بعدها حياة مريرة عليلة لأفراد.

اتخذوا من حبّكم لشخص بعينه منبع عطاء لا أخذ، إنّ هذا الحبّ هو شعورٌ خاصٌّ بكم، إنّهُ ذلك الشيء النقي الذي لا يمكن لأيّ كان أن يزايد عليه أو يَقتله بداخلكم بسكّين مثلوم، لذا تشبثوا به كما كنتم على سيرتكم الأولى، أطلقوا العنان لذروة إحساسكم بالحب واهجروا كل شخصٍ قد يحاول تدنيس تلك البُقعة الطّاهرة في قلوبكم، ببساطة لأنّ لا أحد يستحقُّ أن نضحّي من أجله هذه التّضحية، ولتعلموا أنّكم أنتم فقط من تستحقون أن تبقى بذرة الحبّ تلك حيّةٌ بداخلكم، وتحتاجونها لتكونوا دائما في أعتى لحظات حياتكم وقارًا و هيبة، واحترامًا لذاتكم!

وعلى إثر كل ما ذكرته في الأعلى أستحضر هذا البيت المقمر في عيني للشاعرة الرقيقة "ميسون السويدان":

"قد كان يطرقُ بابي وهْوَ منغلقٌ 
لمّا فتحتُ فؤادي… قلبُهُ انغَلَقا 
كأنّه لم يكنْ يوماً ليَعشقني 
كأنّما، وحدَهُ، قلبي الذي عَشِقَا"

ممّا لا شكّ فيه، أنّ الاضطراب والتردد متأصلان في كل علاقة، فإمّا أن يكون نهاية ذلك التشبث الكبير أو الرحيل دون التفات، فكونوا أنتم الثابتين حتى لو رافقتكم الوحدة لأبد الدهر! ودعونا نرتقي بأنفسنا عن النظرة الدونية المستهلكة للحب ونرتفع به رتبة في عيون الجميع خلافًا للدمار المتعارف عليه الآن!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.