شعار قسم مدونات

هل خسرت حماس وفصائل المقاومة معركة الوقت؟

blogs هنية

شكلت مسيرات العودة الكبرى رافعة أساسية من روافع النضال الفلسطيني الوحدوي الذي نجح في حشد أكبر شريحة من أطياف الشعب تحت علم فلسطين، وقدمت هذه المسيرة نموذجاً متطورا في طبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا سيما في إطار المقاومة الشعبية والتي تعتبر استحداث نوع جديد من أنواع المقاومة. أدخلت الجماهير الفلسطينية المشاركة في مسيرات العودة مجموعة من الأدوات والأساليب إلى معترك المقاومة الشعبية من أجل ازعاج الاحتلال الإسرائيلي وإرهاب جنوده المنتشرين خلف السواتر الترابية على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، وكانت مجموعات قص السلك ومجموعات الكاوتشوك ومجموعات الاسناد والاسعاف والطائرات الورقية وغيرها من الأساليب والطرق المبتكرة من مجموعة الشباب الثائر الذي يشعل جذوة هذه المسيرات.

لكن في المقابل لم يرق للمحتل الإسرائيلي متابعة المشهد دون الإمعان في منظومة القتل، فكان الاستهداف المباشر لمجموعات مطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، في الوقت الذي جعل الاحتلال الإسرائيلي لهذه البالونات بالغ الأثر في إحداث الحرائق على طول الحدود، وتهويل النتائج المترتبة على هذه البالونات حتى يتمكن من تمرير فكرته بالقتل والاستهداف للمواطنين العزل. ولم تكن المقاومة المسلحة بعيدة عن الميدان حتى ينفرد جيش الاحتلال بالمتظاهرين السلمين، وأوجدت منظومة جديدة لقاعدة الردع وتعزيز قواعد الاشتباك، كانت رسائل المقاومة واضحة من خلال قادتها، وبعد ذلك شوهدت النتائج على الأرض. فغابت تجمعات الجنود التي كانت ظاهرة للعيان وتحولت الجيبات إلى دبابات وارتفعت الحواجز الإسمنتية والسواتر العازلة حفاظاً على الجنود، وخوفاً من استهداف قناصة المقاومة لهم.


الدور الدولي والإقليمي

هذا الأمر لم يدوم طويلاً حتى تشتعل المنطقة بالاعتداء والرد المقابل على الاعتداءات التي نفذها جيش الاحتلال ويتحول الميدان لمعركة قامت. الأمر الذي استدعى المقاومة للقيام بإطلاق مجموعة من رشقات الصواريخ على البلدات المجاورة لقطاع غزة، الوقت الذي كان الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف مبنى المكتبة العامة لوزارة الثقافة ويقتل الأطفال ومبنى مؤسسة المسحال للثقافة والفنون، حيث استدعي الأمر تدخل دولي وبطلب إسرائيلي، ليصبح المبعوث الأممي نيكولاي ملادينوف وسيطا ما بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، ويصل لنقطة لتهدئة الأوضاع المشتعلة في القطاع ليتطور الأمر بعد ذلك إلى دعوة الفصائل لمصر للبحث في ورقة مقدمة من المبعوث الأممي تتضمن مساراً للتهدئة، في الوقت الذي لم يكن أمام الفصائل إلا أن ترحب وتطرح شروطها من جانب والاحتلال من جانب أخر مع العلم أنه من طرح الفكرة ولكن بتحفظاته وشروطه.

كثير من المعطيات من الممكن أن تجعل الاحتلال الإسرائيلي غير راغب بالمواجهة في هذه الفترة، فهو يحاول أن ينجح في استعمال الأطراف الدولية لكسب الوقت

والمختلف هذه المرة أن هذه المفاوضات لم تشترط وقف تطوير سلاح المقاومة ولا التوقيع على شروط مسبقة للتفاوض، الأمر الذي يعطي المقاومة عامل قوة قد تنطلق منه لتحقق مطالبها والتي تمثلت بعد ذلك برفع الحصار عن غزة بداية ثم العودة لتفاهمات القاهرة 2014م والتي جاءت على أثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في ذلك العام. لكن ما كان يستحق الوقف عنده في هذه الجولة هو الغياب الواضح والمعلن للسلطة الوطنية وحركة فتح وهو ما يختلف عن محادثات القاهرة والتي كان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد رئيسا للوفد الفلسطيني فيها، إضافة لموجة الاتهامات والتشويه التي قادتها السلطة ضد حماس وفصائل المقاومة في حال تمرير هذه التهدئة كونها تكرس الانقسام، وتعزز تنفيذ صفقة القرن على حد زعمهم.

والحديث هنا عن تهدئة إنسانية اشترطت فيها إسرائيل على الفصائل وقف البالونات الحارقة والطائرات الورقية حتى يتم رفع الحصار عن غزة بشكل تدرجي إضافة لرواتب الموظفين والمعابر وحركة التنقل للبضائع، ويجدر الإشارة إلى أن كل هذه الجولات كانت تسير بعيداً عن مشاركة السلطة وحركة فتح، وذهبت مصر بعيداً مع حماس، وكان الحديث عن أن المشروعات الدولية التي ستنفذ في قطاع غزة كفيلة برفع الحصار الاقتصادي وتنشيط عجلة الاقتصاد والحديث عن رواتب الموظفين في غزة سواء موظفين الحكومة، الذي عينتهم حماس أو موظفين السلطة، كان الحديث يدور عن أنه في حال رفض أبو مازن الانصياع للشروط التي سوف تتنج عن هذه التفاهمات سيتم تحويل المقاصة لطرف ثالث وهو يتكفل بالدفع لغزة سواء رواتب أو تشغيل للمرافق الحكومية وغيرها.

هل أصبح التهدئة حلماً؟

كل هذه المعطيات تحصل ومفاوضات تدور رحاها في القاهرة، وترجع نشوتها لغزة، على أمل وطمعاً بالحلم أن يرفع هذا الحصار وتدور عجلة الحياة الكريمة في غزة، لكن الأهم في مجموعة اللاعبين في هذه المعركة هو الاحتلال الإسرائيلي، الذي ظل صامتاً طول الفترة السابقة ويراقب الأحداث بحذر وهو يعلم جيداً أن حماس وفصائل المقاومة بغزة قد أعدت العدة من جديد لمواجهة قد تحصل في أي وقت، هو لا يردها الآن فهو يلعب على عامل الوقت فيمرر ما يرد من خلال الوسيط الأممي تارة أو من خلال القاهرة تارةً أخرى وهو يعلم جيداً أن الأطراف جميها لن تنجح اتفاقاً مع حماس إضافة إلى أنه يسعى للوصول لدرجة كبيرة من الهدوء على الحدود، والانتهاء من قضية الحرائق التي انتشرت في الجنوب، في وقت هو لا يرغب بالتصعيد فيه أصلاً، وذلك من خلال قراءات مختلفة.

 undefined

فهو من جانب يقوم ببناء جدار عازل على طول الشريط الحدودي لقطاع غزة لمحاربة الأنفاق، ومن جهة أخرى هو يقوم ببناء سد مائي أعلن عنه مؤخرا لمحاربة التسلل من البحر على غرار ما حدث في الحرب الأخيرة عام 2014 عندما تسلل مجموعة من كوماندوز القسام لموقع زيكيم العسكري، إضافة الى أن الجبهة الشمالية ساخنة هذه الأيام وأضف الى ذلك أن الجبهة الداخلية غير مهيأة للحرب لأن نتنياهو يصارع عوائل الجنود الأسرى لدى المقاومة من ناحية، والانتخابات من ناحية أخرى، والعلاقة مع إيران وحزب الله من ناحية أخرى.

كل هذه العوامل والمعطيات التي من الممكن أن تجعل الاحتلال الإسرائيلي غير راغب بالمواجهة في هذه الفترة، هو ينجح في استعمال الأطراف الدولية لكسب الوقت، والحديث هنا عن الوقت بانقضاء فصل الصيف ودخول الشتاء يتعذر على النشطاء والشبان المشاركين في مسيرات العودة المشاركة الفاعلة بهذه القوة وهذا الحشد الجماهيري، إضافة لإعاقة عمل الطائرات الوقية والبالونات خصوصاً في فصل الشتاء.

والسؤال هنا أين هي الوعود والأحلام الوردية التي رسمتها مصر لحماس وفصائل المقاومة خلال الفترة السابقة؟ وهل تحقق من هذه الوعود أي شيء على أرض الواقع؟ وهل كانت مصر جادة باستثناء أبو مازن وحركة فتح أم انها شاركت الأطراف الأخرى في اللعب على عامل الوقت حتى تخسر حماس وفصائل المقاومة هذه الجولة من المفاوضات وترجعهم صفرا كبيراً؟

ولكن ماذا خسرت حماس من هذه الجولة من المفاوضات؟ وماذا كسبت إسرائيل والأطراف الأخرى المشاركة في حصار غزة؟ وهل الأيام القادمة تحمل بين طياتها الكثير أم أن الدعوة التي وجهت للفصائل هذه المرة قد تكون صادقة؟ احتمالات متعددة ومتنوعة ولكن الأهم في هذه المرحلة هي مسيرة العودة ومدي المشاركة الفاعلة فيها، في الوقت الذي يتم الإعلان فيه عن العودة للبالونات الحارقة والطائرات الورقية في تكرار للمشهد من جديد والعودة من حيث انتهى سلفاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.