شعار قسم مدونات

700 قطعة فرعونية اختفت!

blogs حريق متحف ريو دي جانيرو بالبرازيل

في حادثة عالمية تكاد تكون الأولى من نوعها؛ استيقظ العالم منذ أيام على حريق ضخم دمّر متحف البرازيل في "ريو دى جانيرو" عن آخره؛ فقضى على جميع محتوياته التي تربو على 20 مليون قطعة أثرية؛ منها ما يقرب من 700 قطعة آثار مصرية فريدة؛ مثل المومياوات والتوابيت والتماثيل والمنحوتات الحجرية؛ والتي تعتبر من أكبر المجموعات التي تعود للحضارة المصرية في أمريكا اللاتينية.

 

كان الإمبراطور البرازيلي "بيدروم الثاني" يمتلك عددًا من تلك القطع المصرية؛ منها خمسة  مومياوات كان قد أهداها له الخديوي إسماعيل أثناء زيارته لمصر خلال القرن التاسع عشر، وكانت لا تزال إحداها موجودة داخل تابوت خشبي متعدد الألوان – لم يُفتح من قبل – لمنشد المعبود آمون الذي يُدعى "شا آمون ان سو" والذي يعود لعصر الأسرة الثالثة والعشرين وهي الأسرة التي لا يوجد لها آثار كثيرة تدل عليه، كما كان المتحف يضم ثلاثة توابيت لكهنة آمون، هي: حوري وبستجيف وحارسيس، ومن القطع النادرة بالمتحف أيضًا مومياء الأميرة خريمة "أميرة الشمس"؛ التي تنتمي للعصر الروماني؛ وهي مومياء نادرة جدًا في صنعتها؛ حيث لا يوجد لها في العالم أجمع غير 8 أمثلة مشابهة.  

 

وكان المتحف المُحترق يحتوي أيضًا على عدد من التماثيل المصرية، منها؛ تمثال برونزي للمعبودة "إيزيس" وهي تُرضع ابنها حورس في وضع الجلوس، وتمثال آخر للمعبود "بس" على شكل قزم يُخرج لسانه، وتمثال آخر نادر للملك "سيتى الأول" من الأسرة التاسعة عشر، هذا فضلًا عن وجود 58 تمثالًا من تماثيل "الأوشابتي" التي كانت تُوضع مع الميت في قبره من أجل خدمته وهي تعود إلى عصر الأسرة الحادية والعشرين، كما كان يحتوي على أواني كانوبية تمثل أبناء حورس الأربعة؛ تم استخدامهما لتخزين الأحشاء المحنطة، واشتمل المتحف أيضًا على عدد من المومياوات والتوابيت الخاصة ببعض الحيوانات كالقطط، والأسماك، والتماسيح.

 

الآثار المصرية المُحترقة بمتحف البرازيل، هي آثار مصرية اسمًا ومضمونًا؛ ولكنها ليست مصرية مِلكية ولا إشرافًا؛ فمعظم هذه القطع خرجت من مصر خلال القرن التاسع عشر بطرق الإهداء أو من خلال ناهبي الآثار الأجانب

ومن المُحزن أن القائمين على المتحف كانوا قد شكوا عدة مرات من مشكلات تأمين المعبد، وميزانيته الضئيلة التي كانت لا تزيد 0.01 دولار لكل قطعة أثرية، ولكن المسئولين تجاهلوا تلك الشكاوى، كما رفضوا عرض البنك الدولي لهم بمنح المتحف 80 مليون دولار، حتى أن نائب مدير المتحف "لويز دوارتي" حمّل الحكومة مسؤولية الكارثة، قائلًا بحسرة: لقد بذلنا جهودًا كبيرة مع حكومات أجنبية مختلفة من أجل الحصول على الحد الأدنى من الموارد، للحفاظ على ما تم تدميره بالكامل الآن!

 

يُذكر أن المتحف البرازيلي تم تشييده في السادس من أغسطس عام 1818 بواسطة "دوم جواو السادس" عند وصوله إلى "ريو دي جانيرو"، وكان يضم أكبر متحف للتاريخ الطبيعي في أميركا اللاتينية، فقد كان يحتوي على عدة أقسام، مثل: الأنثروبولوجيا البيولوجية، وعلم الآثار، وعلم الأعراق، والجيولوجيا، وعلم الحفريات، وعلم الحيوان، حيث كان يحتفظ بأقدم حفرية بشرية في البرازيل وأمريكا اللاتينية المسماه "لوزيا" والتي يتجاوز عمرها 12 ألف عام، كما كان يحتوي على حفريات لديناصورات وقطع من نيازك، تم العثور عليها في عام 1784.

 

وقد يتسائل البعض، كيف وصلت قطع الآثار المصرية إلى متحف البرازيل؟ ولماذا لم تقم مصر بإعادتها؟ وهل لمصر الآن الحق في التعويض عن آثارها المحترقة؟ ودعني أكون أكثر صراحة معك – أيها القارىء العزيز – حين أقول إن الآثار المصرية المُحترقة بمتحف البرازيل، هي آثار مصرية اسمًا ومضمونًا؛ ولكنها ليست مصرية مِلكية ولا إشرافًا؛ فمعظم هذه القطع خرجت من مصر خلال القرن التاسع عشر بطرق الإهداء أو من خلال ناهبي الآثار الأجانب؛ الذين جاءوا إلى مصر فحملوا معهم عند مغادرتها كل ثمين؛ وذلك بموافقة السلطات الحاكمة حينها؛ سواءً في فترة حكم أسرة محمد على أو فترة الاحتلال الإنجليزي.

 

من الممكن أن تستغل السلطة الحاكمة في مصر - حريق متحف البرازيل - وتُطالب منظمة اليونسكو وتلك الدول التي تكتنز آثار مصر بأحقيتها الأدبية في الإشراف عليها ومتابعتها
من الممكن أن تستغل السلطة الحاكمة في مصر – حريق متحف البرازيل – وتُطالب منظمة اليونسكو وتلك الدول التي تكتنز آثار مصر بأحقيتها الأدبية في الإشراف عليها ومتابعتها
 

وشبيه بذلك قطع الآثار المصرية الأخرى التي وصلت إلى متاحف العالم بطرق مشروعة أيضًا وذلك قبل اصدار قانون 117 لسنة 1983 الذي منع الاتجار في الاثار؛ فقد كانت مصر تُقام بها تجارة الآثار بطريقة طبيعية قبل اصدار هذا القانون، كما منع هذا القانون أيضًا نسبة الـ 50% التي كانت تُمنح للبعثات الأجنبية في مصر من حصيلة اكتشافاتهم، هذا بالرغم من أن القانون المذكور لا يزال – رغم تعديلاته – يُعطي تلك البعثات التي يتجاوز عددها في مصر 250 بعثة أجنبية نسبة 10% من حصيلة ما يتم العثور عليه.

 

وبتلك الاهداءات والمزادات والقوانين أصبحت معظم آثار مصر التي تزين متاحف العالم ملكًا لتلك الدول؛ ومن الصعب أن تطالب مصر بعودتها؛ وإن كان من الممكن أن تستغل السلطة الحاكمة في مصر – حريق متحف البرازيل – وتُطالب منظمة اليونسكو وتلك الدول التي تكتنز آثار مصر بأحقيتها الأدبية في الإشراف عليها ومتابعتها، أو المطالبة بإعادة ما لا تستطيع تلك الدول تأمينه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.