شعار قسم مدونات

المنظومة الاجتماعية الفعالة.. الضامن الوحيد لاستمرارية الشعب!

blogs تونس

المنظومة الاجتماعية ليست مؤسسات أو هياكل إدارية تسير الحياة الاجتماعية للمواطنين، لكن في منظوري هي ديناميكية اجتماعية تخلق من الأفراد قوة فعالة وخلاقة. ما تحتاجه الأمة لضمان استمراريتها هي تلك المنظومة الاجتماعية التي بها يتجدد الفكر والتوجه العام للمواطنين في مختلف المراحل التاريخية للأمة. هذا ليس له علاقة بحكومة أو أجهزة الدول بل هو التزام ضمني بين جميع أفراد المجتمع بالحفاظ على الموروث الثقافي والقيم الإنسانية والتعاون بين مكونات المجتمع. هذه المنظومة لا توجد إن لم توجد وحدة حقيقة، وحدة الهدف والحلم الوطني. لذلك فإن وجود شقوق بين المجتمع على أساس أيديولوجي أو عرقي سيعطل هذه المنظومة مما سيخلق عدم توازن في تركيبة المجتمع وخلق حساسيات ونعرات تطرف وكره، فالمولد الحقيقي للتطرف هي عدم وجود ذلك التوازن الذي يخلق مجتمع متضامن وواعي بما يدور به.

عديد من الأطراف التي تحاول ضمان مصالحها تعمل بأن تعمق هذه الشقوق أو تخلقها إن لم توجد، وإن البلبلة والضبابية سيفسحان المجال لهم لاستنزاف خيرات البلاد لأن الشعب غارق في نزاعات مفتعلة لغايات معينة. وحدة الشعب مصدر قوة وإذا كانت الأرضية ملائمة لتفعيل هذه الوحدة سيكون المجتمع كالحاسوب الذي لا يخطأ ويتميز بذاتية لا تتأثر بغياب قدوة أو مؤسسات بل بالعكس سيكون هو خزان النخبة والمواهب. إن المنظومة الاجتماعية ترتكز على عمادين، الوحدة والتضامن، هتان الركيزتان ستخلقان حاجز رادعا لأي محاولة تفرقة. إن الوحدة ليست مبنية على أسس أيديولوجية أو عرقية بل على أسس الثقافة المشتركة، المواطنة والقيم الإنسانية التي هي متشاركة بين كل أفراد المجتمع مهما اختلفوا في ظاهرهم. وجود هذه المنظومة أمر واجب لاستمرارية الأمة لأن الأزمات والتحديات التي تواجهها لا يمكن تجاوزها إذا كانت هناك تشققات في تركيبة المجتمع.

رحلة تحرير العقول لتوحيد الصفوف ما زالت في بدايتها في تونس لكن وعي المواطن في ازدياد كل يوم وسيأتي ذلك الوقت الذي سيقتنع فيه بمدى سخافة تلك الحدود التي كان يتبناها لإقصاء الآخر

إن الضامن الوحيد لاستمرارية شعب، هي تلك المنظومة الاجتماعية التي في ظلها لا فرق بين معلم وعامل نظافة لأن كل منهما يرى في نفسه خادما لمصلحة الأمة وأن كل وظيفة هي أساسية لضمان تلك الديناميكية. يجب على كل الأفراد أن يكونوا واعيين أن العيش على نفس الأرض والتشارك في نفس التاريخ يعني أيضا مصيرا مشترك وواقعا مشترك، إذا اقنع الأفراد بهذه الحتمية فإنهم سيتوحدون تحت نفس الراية وهي راية الوطن. أي صوت تفرقة عن المنظومة يعتبر تهديدا لاستقرار المجتمع ويصير كل مروج لذلك الفكر عدوا للشعب وللاستمراريته، لذلك وجب التصدي له قبل أن ينشر فكره في عقول الأفراد الذي يمكن أن يهدد تلك الديناميكية. يجب على كل فرد اليوم أن يعلم الأجيال القادمة احترام الغير مهما كانت مكانته الاجتماعية أو خلفيته لأن القاسم المشترك أكبر من كل ذلك وهو بأننا تونسيون وأن الوحدة هي مصدر القوة.

شعب فعال هو شعب مبدع، خلاق ووطني، إذا كانت للأفراد هذه القناعة فلا خوف على مصير الأمة لأن هذه المنظومة ستكون حزام الأمان لكل عدو. تعتبر هذه المنظومة اليوم، خصوصا في هذه المرحلة من تاريخنا أمرا حتميا في ظل غياب رؤية واضحة أو قيادة ذات تصور توحيدي وطني بحت. إن التخلي عن فكر الإقصاء في عقل المواطن أمر صعب خصوصا أنه نشأ في مجتمع يقصي من يختلف عنه وكان يحكمه العرف والمعتقد. رحلة تحرير العقول لتوحيد الصفوف ما زالت في بدايتها في تونس لكن وعي المواطن في ازدياد كل يوم وسيأتي ذلك الوقت الذي سيقتنع فيه بمدى سخافة تلك الحدود التي كان يتبناها لإقصاء الآخر ويكتشف مدى قرب المواطنين لبعضهم البعض. يجب العمل على ترسيخ فكر الوحدة والانفتاح لبناء مجتمع متضامن بالتالي يكتمل العمادان لخلق تلك المنظومة الفعالة التي ستبني وطنا متفتحا وحرا من كل خلفيات ساذجة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.