شعار قسم مدونات

قبل التخرج.. كان لا بدَّ بالمرور من المقصلة!

blogs مشروع تخرج

بدى الأمر بهياً في أوله وكرغبة أي طالب يطمح في التخرُج مع كل ذلك الاندفاع والحماس الذي يؤذن بميلاد مرحلة جديدةٍ في حياتك، كان الطموح بترك بصمة قبل الوداع الأخير للمكان الذي قضيت فيه أربع سنين من عمرك إحدى متطلبات النفس، مع كل الشوق لتقديم شيء يفيدك وتُفيد به غيرك، فماذا إن جاءتك الفرصة لتُفيد به بلدك.

كان جلّ الطموح فكرة لمشروع التخرج، فكرةُ تستحق العناء لتنفيذها، وكلية علوم الحاسوب تُلزم بأن يكون مشروع التخرج عبارة عن Software له فأئدة خصوصاً إن كنت بقسم هندسة البرمجيات، حيث تعادل درجات المشروع مادتين من مواد الفصل، ويكون المشروع هو خلاصة ما درسته على مدار الأربع سنوات حيث تُطبق كل الخبرات التي اكتسبتها من الكورسات الدراسية فيه، ولم يكن من السهل أن تجد فكرةً كي تقوم بتنفيذها، فعَمِدَت الكلية إلى وضع قائمة بالأفكار التي يمكن تنفيذها، أفكار وضعها الأساتذه وأفكارُ أخرى قدمتها الشركات علّها تجدُ من بين الطلاب القادرين على تنفيذها.

 

وفي الوقت الذي كنت فيه لازلت أبحث عن فكرة إذا بقائمة أفكار المشاريع عُلّقت في قسم هندسة البرمجيات وكنت من أوائل من رأى الورقة، وشدّني إحدى أسامي المشاريع حيث لم أكن أدرك ما معناه فعلياً ولكن بقربة وصف بسيط Mathematical model وبما أنني كنت مولعة بالرياضيات من صغري فكان بالنسبة لي لهو تحدٍ لتنجز مشروع رياضياً بصيغةٍ برمجية، وكنت قد اتخذت مع صديقتي المقربة Team لتنفيذ المشروع، حيث بعد أن بحثنا عن اسم الفكرة التي وضعت دون تفاصيل وجدنا أنّ لها شقين فيزيائي ورياضي، حاول كُثر تثبيطنا عن الإقدام على التسجيل لتنفيذ المشروع حيث أنّ المشاريع البرمجية القائمة على الرياضيات والفيزياء من أصعب المشاريع وتحتاج إلى تفكير عميق، لم تكن المشكلة هنا كان لابد لتعمل على المشروع وبما أنه تابع لشركة أن يقام interview حتى يتم اختيارك لتنفيذ المشروع.

 

كنا أنا وصديقتي متحمستين جداً وبدأنا بالدراسة والبحث اللازمين للمشروع وعملنا جاهدتين ليل نهار إلى أن كانت المناقشة المبدئية، حيث تكون بحضور ثلاثة دكاترة كي يقيموا فكرة المشروع والعمل المنجز

وبدأ اليأس يتسرب إلى صديقتي وقالت لي بأن نبحث عن فكرة أُخرى، ولكنني كلما ذهبت بأفكاري عُدتُ إليه، لا أرى أنّ هناك مشروع آخر يمكنني أن أقوم به إلا هذا، أخبرت الدكتورة المشرفة على المشاريع بأنني مصممة على تنفيذ هذا المشروع وأخبرتني بأنه ليس بالنوع السهل من المشاريع حيث يحتاج خلفيةً رياضية ناهيك عن القدرة البرمجية وكنت مصممةً عليه، فانكببنا أنا وصديقتي على مكتبة كلية علوم الفيزياء نبحث في الكتب عن أصل الفكرة، ففي البرمجة تحتاج إلى الفكرة بشكلها الخام أولاً وبعد أن تعرف كيف تنفذ عملياً في الواقع وتقوم بتحليل الفكرة حينها فقط يمكنك تحويلها لشكلٍ برمجي.

مضى أسبوعان منذ أن كنا نبحث بمكتبة الفيزياء وحان وقت الـ interview صحيح أننا كُنا قلقتين في البداية فهذه أول interview بالنسبة لنا ولم نكن نعرف كيف تُجرى أو عن ماذا سوف نُسأل، كانوا ثلاثة جلسوا قبالتنا وما كان إلا التوتر رفيقنا في تلك اللحظة، مضى الوقت ثقيلاً ورتيباً بينما ما زالت الأسئلة محصورة على التعريف الشخصي ودرجاتنا الدراسية وأي قسم ندرس فيه، ثم انتقلت الأسئلة إلى المشروع وماذا نعرف عنه، في الوقت الذي لم يُقَدّم لنا شرح عنه طلب منا نحن الشرح، لا بأس فقد قمنا بمعرفةٍ كافية عنه لذا ليس من الصعب علينا أن نقدم شرحاً بل وشرحاً وافياً، فقد أمضينا وقتاً بين كتب الفيزياء ننقب عن الفكرة، مرت المقابلة بسلام وأخطرونا أنه إذا تم اختيارنا لتنفيذ المشروع سوف يُخطرون المشرفة على المشاريع التي سوف تقوم بإخبارنا بدورها في آخر اليوم عندما ينتهون، حيث لم نكن وحدنا المقدمين لتنفيذ نفس المشروع بالإضافة إلى مشاريع أخرى تابعة للشركة يقوم بتنفيذها طلاب آخرون.

اتصلت بي زميلتي في المساء وكانت قد اتفقت هي وباقي الـ Team التابعة له أن يقوموا بخداعي وأن يخبروني بأننا لم نقبل لتنفيذ المشروع، صدقتُها وأحسستُ بالصدمة واليأس والآن ماذا سأفعل؟!، أأبحث عن فكرة أخرى وأي فكرةٍ هذه التي سوف تُرضي ذلك الطموح الذي كان بداخلي، أقفلت الخط وجلست ما يقارب العشر دقائق وأنا غارقةُ في حيرتي إلى أن رأيتُها تتصل مرةً أُخرى وكنت متوترةً لدرجة أنّ يدي كانت ترتعش، أخبرتني أنها قد خدعتني وأنه تم اختيارنا لتنفيذ المشروع، ولك أن تتخيل كيف تخرج من جو الصدمة إلى الفرحة، كنت مشتتة جداً حتى كدتُ أن لا أصدقها في المرة الثانية.

عندها كنا أنا وصديقتي متحمستين جداً وبدأنا بالدراسة والبحث اللازمين للمشروع وعملنا جاهدتين ليل نهار إلى أن كانت المناقشة المبدئية، حيث تكون بحضور ثلاثة دكاترة كي يقيموا فكرة المشروع والعمل المنجز حتى الآن والعمل المتبقي وكُنا لازلنا في بداية المشروع وحالما عرضنا اسم المشروع Bullet Path trajectory كان من بين الدكاترة، الدكتورة المشرفة على المشروع وكانت تفهمه جيداً بقى أن نوصل الفكرة للآخرَين، وبدأنا الشرح وفكرة المشروع باختصار "عمل واقع افتراضي يحاكي إطلاق الرصاص في الواقع" وكانت الشركة قد حدّدَت لنا خمسه أسلحة للعمل على برمجتها عندها بدأ الدكتور بالضحك وسألنا إن كنا سوف نستخدم هذه الأسلحة في الواقع، فأخبرناه أننا سوف نقوم بعمل محاكاةٍ لها.

 

لم يكن سهلاً قط البحث والدراسة عن المشروع ولكننا كنا نمضي قُدماً وإن كنا نمضي زحفاً، فلم نكن نقفز قفزات كبيرة أو نحقق الكثير في وقت وجيز بل كنا نحقق القليل في وقت كثير
لم يكن سهلاً قط البحث والدراسة عن المشروع ولكننا كنا نمضي قُدماً وإن كنا نمضي زحفاً، فلم نكن نقفز قفزات كبيرة أو نحقق الكثير في وقت وجيز بل كنا نحقق القليل في وقت كثير
 

فطلب منا أن نعمل على سلاح واحد حتى نستطيع تنفيذ المشروع في الوقت المحدد، وكان تعليق الدكتورة الأخرى أنّ فكرة المشروع ممتازة ولم يسبق أن تم تنفيذها كمشروع تخرج ولكنها لا تخلو من المخاطرة فهل نحن قادرتان على تنفيذها، وكنا واثقتين ومتحمستين فأخبرناها أننا نعلم جميع الاحتمالات المتوقفة على هذا المشروع وإمكانية فشله في الأخير ولا ننسى أيضاً إمكانية تنفيذه ولكننا كُنّا بهذا نغامر بتخرُجنا من الجامعة فإن فشل المشروع في آخر لحظة سنطّر لإعادة العام الدراسي ولكننا كنا مصرتين على تنفيذه.

لم يكن سهلاً قط البحث والدراسة عن المشروع ولكننا كنا نمضي قُدماً وإن كنا نمضي زحفاً، فلم نكن نقفز قفزات كبيرة أو نحقق الكثير في وقت وجيز بل كنا نحقق القليل في وقت كثير، ولكننا استطعنا في آخر الأمر من النجاح في إنجاز ما ظُنّ أننا قد لا ننجزه، وفي خضم فرحتنا تلك إذا بالشركة تطلب منا التوقيع على عقد ينص على ملكيتها الكاملة للمشروع وعدم إمكانيتنا التصرف فيه بأي شكل من الأشكال إلا بالرجوع إليها، وعقد مدته عامين ويتم تجديده فور انتهائه، نسوا ولربما تناسوا أن يكتبوا عقد احتكار أبدي، وعندما سألنا عن السبب قيل لأن المشروع تابع للتصنيع الحربي، حسناً كنا نعلم هذا منذ البدء ولكن ما لم نكن نعلمه هو تجريدنا من المشروع فور انتهائه وبدون أي عائد لمجهودنا فيه، وهكذا سنتخرج من الجامعة بمشروع لا يسمح لنا بالقول أننا من عملنا عليه ولا حتى يكون لنا حق التصرف به وكل جهدنا تأخذه الرياح فور استلام شهادة التخرج.

أن تقوم بشيء لا يحق لك القول أنك من قمت به، فحق الملكية الفكرية يعود لهم وحق التصرف به يعود لهم وعائدات المشروع تعود لهم، لم تكن الصدمة هنا بل الصدمة أن العقد ظهر بعد أن قارب المشروع على الانتهاء والتخرج بعد أشهر قليلة ويستحيل أن نعود عن الفكرة أو أن نجد مشروعاً آخر نعمل عليه، وكما قال لي صديق والدي: ليس من المنطقي أن تبني بيت ويأتي غيرك ليسكن به، ولكن يبدو الواقع غير ذلك، وتظل تُردد عسى الله أن يحدث بعد ذلك أمرا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.