شعار قسم مدونات

فَاتَّبِعُونِي يُحْببْكُمُ اللّهُ..

blogs - قرآن

"قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" آل عمران: 31

لا أظنُّ أنّ اللّهَ أنزلَ في كتابه شيئًا يُذْكر فيه الحبّ أقوى مِن هذا المعنى، ربما لأنه إرشادٌ واضح ليس فيه مشقة الفهم أو عناء التدبر، ليس فيه إلا الاتباع فَحسبْ، فهذا كل ما في الأمر، فقط اتبعوا أمر هذا النبي لتنالوا الحب. ولم أرَ – في الحب والإيمان- أجمل مِن هذا الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه رسول الرحمة والحب صلى الله عليه وسلم في حديثٍ عن أنس: "لا يُؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه مِن والده وولده والناس أجمعين" رواه البخاري (15) ومسلم (44). إنه حبٌّ لم يفرضهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كانت النفس الرحيمة في أغواره الشريفة تضطرنا لِأنْ نحبه ونتبعه، لعلمه بأنّ اتباعه وحبه هما أسباب سعادتنا في الدنيا وأسباب نجاتنا في الآخرة.

"فَاتَّبِعُونِي"
هذا اتباعٌ يعطيك حباً، وعلامة صِدق المُحبّ هي حُسن اتباع المَحبوب، وإنّهُ لَيمنحُك حياةً نقية مِن بَعد ما فقدتَ مِنَ النقاءِ، ومِن بعد ما خَسرت رصيدًا مِنَ الصفاءِ، فَتَعود النفس – باتباعها – إلى هُدوءها وهِدايتها، وتستجم الروح – مِن جديدٍ – بهناءتها. وذلك الحبّ هو إيثارٌ وتمييزٌ للنفس المُتّبعة، وهذه هي الحياة الحقّة المَرْجوة التي سَتعيد إلينا روحنا، مهما تَلوثت الفطرة وانتكست وتعثّرت، ومهما زلّت الأقدام ووَهنت النفوس وانكسرت القلوب وضَعفت العزيمة في أنفسنا، ومهما نسينا عهود الله التي عاهدناه فيها، فهي – أي النفس – بمجرد اتباعها واستقامتها لهذا الحبّ تعود إليها الحياة مِن جديد، تعود إليها الثقة والقوة والهدوء، فالذي يطيع أمر الرسول ويَصدق في اتباعه ويداوم على سنته، تتكَون القوة في قلبه ويرى عودة الهمة في نفسه. "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" النساء/80. كأنّه عرضٌ للشراء يعرضه رب العرش الكريم على عباده في سوق الحياة، فهو جل وعلا يُرّغبنا في حبه إذا اشترينا اتباع النبي لا اتباع غيره، ويرشدنا إلى الأمان رغم رفضنا وعصيان قلوبنا، ويهدينا رغم إصرارنا على البُعدِ عنه وعن سُنّة رسوله! "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".

"قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي"

إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي بمواقفه – كل مواقفه – والتباهي بأعماله والمداومة على ما كان عليه، ودراسة سيرته النقية الطاهرة، كل أولئك كان سبباً في تحقيق حبنا لله ولرسوله.

لم يَقل في هذا التنزيل العظيم "قل للمؤمنين" فعلى الرغم مِن أنّ المؤمنين هم أول البشر استجابةً وانقياداً وتسليماً لأوامر الله إلا أنّ رحمة الله في توجيه الخطاب لم تختصْ المؤمنين وحدهم واشتمل الأمر جميع البشر. قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني، إنها دعوة أيضاً لِمَن كانَ على غير الإسلام ويَنطق قلبه بالحب ويَرغب في أنْ يكون مِن أحباب الله، فليس عليه إلا أنْ يتبع كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤمن به وبرسالته الصادقة الشريفة، ذلك أنه في زمن الرسول كان ذلك يعد اختباراً يختبر به صِدق مَن بايع النبي واتبعه!  قال الحسن، وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله، فقالوا: يا محمد إنّا نحب ربنا. فَأنزل الله تعالى هذه الآية.

"وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"
الاتباع وحده سببٌ في خلق الحب، الاتباع وحده سبب في غفران الذنوب، سببٌ في محو الخطايا وتبديل السيئات وتفريج الهموم، الاتباع وحده يجعل الإنسان يكف عن الذنوب، وبتجربة الأمر على أتم وجه تتيقن أن الذنوب لم تكن يومًا لتعيق الحالة الروحانية بين العبد المذنب وبين ربه، فَحين تُسيطر حالة الحب على قلبٍ ما فإنها لا تسمح له بذكر الذنوب والهفوات والزلات، وهذا ما أراده الله في اتباعنا للنبي الكريم، فبينما يذكر لنا ويرشدنا إلى سبيل حبه، فإنه – بِحكمته – لا يجعل مَن اقترف الذنوب يخشى مِن أنْ لا يكون له نصيبٌ مِن هذا الإرشاد وهذا الحب! وإنه سبحانه وتعالى بحكمته ورأفته بِنا يُرّغِبنا في حبه رغم ذنوبنا، ولِكيلا نشعر بالضيق والحزن فيما اقترفناه! ولنعلم أن اقتراف الذنوب لا ينفي الحبَّ من قلوبنا ما دمنا ننتهي عما قد سلف ونرجع إليه ونتبع رسوله، وأنهما _أي الحب والذنوب_ ذُكِرا في آيةٍ واحدة، مما يدل على جمال أمر الله الذي اشتمل حتى حال المذنبين، وهو بلا شك حالنا جميعاً. وادعاء مَحبته دون اتباعه ليس نفاقًا في النفس ولا هو كره لهذا النبي! ولكن هذه مشاعر شبه كاذبة وحب خاطئ، حب خاطئ كالذي يدّعي حب والديه وهو عاق لهم، يحبهم بطريقة خاطئة شاقة متعبة، وهو – للأسف – حب خطير في خطئه هذا، لأنه يقترب كل القرب – دون أن نشعر- مِن عصيان النبي ومِن ثم عصيان الله! يقول الامام الشافعي:

تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ

هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ

إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ.

فَلا جرم إذن أنّ إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي بمواقفه – كل مواقفه – والتباهي بأعماله والمداومة على ما كان عليه، ودراسة سيرته النقية الطاهرة، كل أولئك كان سبباً في تحقيق حبنا لله ولرسوله، وكذلك تحقيق حب الله لنا. اللهُمّ إنّا نُحبكَ ونُحبّ مَن يُحبكَ ونُحبّ كل عملٍ يُقربنا إلى حُبكَ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.