شعار قسم مدونات

إياكم وفتنة أيقونة "عهد التميمي"!

blogs عهد التميمي

لم يكن مستغربا هذا السجال الذي عصف في الساحة الفلسطينية من خلال منصات التواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى، الذي انفجر بعد الإفراج عن الطفلة الأسيرة عهد التميمي من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهي واحدة من 350 طفلا فلسطينيا يغيبهم الاحتلال خلف قضبانه دون مراعاة لحقوق الطفل في مخالفة واضحة للقوانين الدولية الإنسانية واتفاقيات حقوق الطفل. لست هنا بمعرض الحديث عن معاناة أطفال فلسطين في سجون الاحتلال وما يتعرضون له من انتهاكات جسدية ونفسية، في محاولة إسرائيلية لضرب روح الانتفاضة والنضال لدى الأجيال الفلسطينية، التي أثبتت السنوات فشل هذه السياسة الإسرائيلية في قتل حب فلسطين في أفئدة أطفالها.

 

لكني استشعرت خطرا داهما على "فلسطينيتنا" لم أشعر به من قبل، بوادر فتنة وطنية كادت تضرب سفينة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي فتغرقها، هذه السفينة التي تحمل كل ألوان ومسميات العمل الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال. الصورة التي سوقت في ذلك اليوم أن الاحتلال الإسرائيلي يفرج عن الأسيرة عهد التميمي بحضور وسائل الإعلام واستقبال رسمي وشعبي تكريما لها، وفي المقابل الأسيرة المحررة إيناس أبو سرور يفرج عنها في ذات الوقت بحضور والديها فقط، وللعلم الكثير من الأسرى والأسيرات يعتقلهم الاحتلال ويفرج عنهم ولا يسمع بهم أحد، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا التسويق لخبر الإفراج عن الأسيرتين بهذا الشكل؟

 

خلال الأيام الماضية تابعت التعليقات في مختلف منصات التواصل الاجتماعي حول الإفراج عن الأسيرة عهد التميمي، خطابان لا ثالث لهما:

الخطاب الأول: حافظ على نفسه متضامن مع الطفلة التي صفعت الجندي الإسرائيلي وكسرت هيبته، طفلة غيبها الاحتلال في سجونه، تفاعل معها الألاف حول العالم، دعمتها مواقف رسمية وشعبية محلية ودولية، صحافة عالمية أفردت لها الصفحة الأولى، شوارع في مدن أوروبية سميت "عهد التميمي"، صور الطفلة الشقراء عجت بها صفحات الإعلام الجديد وأقيمت لأجلها حملات التضامن وغدت أيقونة في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.

 

موقف مشرف يسجل للمحررة أبو سرور التي ظهرت في تسجيل توجه الشكر للمحررة عهد وتؤكد أنه لا فرق بينهما، وأنهما تحملان رسالة الأسيرات في سجون الاحتلال

أما الخطاب الثاني: الذي كان جزء منه محافظا على الصورة التي رسمها لعهد التميمي وهي معتقلة في سجون الاحتلال معتبرا إياها أيقونة للثورة الفلسطينية، لكن الصورة انقلبت تماما بعد الإفراج عنها عندما مررت أمام هذا الجمهور مشاهد استقبال التميمي الحاشدة، والربط مع صورة الإفراج عن المحررة إيناس أبو سرور بلا وسائل إعلام ولا حشود فقط صورة يتيمة بكاميرا الجوال، وهنا كانت القشة التي كادت أن تقصم لولا..

 

لولا موقف مشرف يسجل للمحررة أبو سرور التي ظهرت في تسجيل توجه الشكر للمحررة عهد وتؤكد أنه لا فرق بينهما، وأنهما تحملان رسالة الأسيرات في سجون الاحتلال، هذا الفعل أسكت كل من حاول اللعب على وتر الفتنة الفلسطينية الداخلية في ملف الأسرى، هذه الفتنة التي لا تخدم سوى الاحتلال وتضر بقضية الأسرى والأسيرات. ذات الموقف أكدت عليه عهد التميمي في كلمتها أمام الحشود رسالة نصرة للأسيرات في سجون الاحتلال، ودعم لمسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة.

 

لا شك أن حجم التفاعل كان كبيرا مع قضية التميمي وصلت إلى التدويل، وتدويل قضية الأسرى مطلب مهم ودائما ما عملت المؤسسات الفلسطينية على هذا الأمر، فلماذا هذا التفاعل الكبير مع التميمي دون سواها من الأسيرات سؤال غير بريء ويراد به فتنة. لكن عهد التميمي ليست الأسيرة الأولى التي تصل قضيتها إلى العالمية، الأسيرة المحررة أحلام التميمي حظيت من قبل بتفاعل دولي، واليوم يجري العمل على حملة تضامنية مع الأسيرة الإعلامية الزميلة لمى خاطر التي اعتقلها الاحتلال الصهيوني في الضفة قبل أيام.

 

من غير المقبول سكب الزيت على نار الفتنة التي لا تصب في صالح الشعب الفلسطيني بل هي خدمة مجانية للاحتلال الصهيوني، وبين أيقونة ومسرحية قد نخسر أنفسنا أمام محبي فلسطين
من غير المقبول سكب الزيت على نار الفتنة التي لا تصب في صالح الشعب الفلسطيني بل هي خدمة مجانية للاحتلال الصهيوني، وبين أيقونة ومسرحية قد نخسر أنفسنا أمام محبي فلسطين
 

لماذا نعيب على عهد التميمي هذا التضامن الدولي معها، لنسأل أنفسنا كيف يمكن أن نجعل قضية كل أسيرة داخل معتقلات الاحتلال تحظى بهذا الدعم العالمي، لا بد من مراجعة دقيقة لأسباب نجاح حملة التضامن مع عهد، والسجون الصهيونية تغيب أسيرات أوضاعهن الصحية في غاية السوء كالأسيرة إسراء الجعابيص.

 

ومن المؤكد أن وسائل الإعلام الغربية تعاملت بعنصرية في قضية عهد التميمي فكان هذا التفاعل الكبير والتغطية والمتابعة المستمرة كون الفتاة الفلسطينية شقراء وقريبة من الشكل الغربي منه إلى العربي، لذا علينا التفكير جديا في اختراق هذا النوع من وسائل الإعلام بمختلف الرموز والأيقونات الفلسطينية، لا أن نوجه اللوم لمن ينجح في ذلك ونحرف البوصلة عن الطريق. من غير المعقول أن نقدم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي باللعب على وتر الفتنة الوطنية، لأن قضية الأسرى تحظى بإجماع وطني فلسطيني، ومن مصلحة الاحتلال تضخيم الخلاف في قضية عهد التميمي فلا تسمحوا له بذلك. من المؤسف هذه الحرب التي استعرت بين جنبات الفيس بوك ومجموعات الواتس أب، بين من يرى في عهد التميمي أيقونة للثورة الفلسطينية، ومن يعتبر صفعتها للجندي الإسرائيلي واعتقالها مسرحية وهذا أقل وصف هجومي، تعدت أثارها إلى أبعد من المجتمع الفلسطيني إلى الشعوب الصديقة لفلسطين.

 

عندما يسأل شخص تركي محب لفلسطين لماذا لا تعتبرون عهد أيقونة نضالية، ما هو موقفنا كشعب فلسطيني عندما نثير هذه التساؤلات لدى من يدعم قضيتنا، مؤكد أن هذه السجالات الداخلية ستضعف من قدرتنا على كسب المزيد من التأييد للحق الفلسطيني وبل الحفاظ على ما هو موجود. بالمقابل شاب سوري داعم لفلسطين يعترض على وصف عهد بالأيقونة انطلاقا من موقف عائلة التميمي من الأزمة السورية وتأييد النظام السوري.

 

بكل تأكيد عهد التميمي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في هذه المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني التي تعج بالرموز والأيقونات من الشهداء والأسرى، ومن غير المقبول سكب الزيت على نار الفتنة التي لا تصب في صالح الشعب الفلسطيني بل هي خدمة مجانية للاحتلال الصهيوني، وبين أيقونة ومسرحية قد نخسر أنفسنا أمام محبي فلسطين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.