لو أغلقت صفحة الفيس بوك للحظة ثم توجهت إلى العم غوغل وكتبت عبارة "لغات البرمجة العربية" ستأتيك عشرات النتائج وكالعادة ستنقر على أول نتيجة، طبعاً لأنها تحمل عنوان مشوق "قائمة لغات برمجة عربية – ويكيبيديا الموسوعة الحرة" ليس لشيء سوى أنَّ ويكيبيديا أصبحت ذات مصداقية ووثوقية – على حد زعم من يدافعون عنها- ولن تغضب من قراءتك لمعلومة تكون عكس ما تعلمته في المدارس والجامعات مما يدخلك في دوامة الشك بالكثير مما تعلمته حتى وإن كان على يدي أفضل معلميك، وأنا طبعاً مثل غيري ممن يمشون مع التيار أينما ذهب، نقرت على ذلك العنوان لأجد موضوعاً أرجو أنه يستحق تسليط الضوء وطرح التساؤلات التي هي من مهمة الأدب قبل كل شيء.
لقد ذَكَرت ويكيبيديا في مقالها المروَّس بترويستها الشهيرة "إن هذه المقالة تحتاج إلى استشهاد ومراجع" ما يقارب تسع لغات برمجة عربية لا يعرف منها الطالب العربي أي شيء ولم يسمع بها حتى الدارسون في مجال الاختصاص وإليكم ما ذكر في القائمة من اللغات العربية:
* عمورية – لغة عربية مفتوحة المصدر، غرضية التوجه.
* لوغو العربي – لغة برمجة عربية مبنية على لغة لوغو.
* ج – لغة برمجة عربية تعتمد على صياغة مشابهة للغة C مع إمكانيات رسومية.
* لغتي لغة برمجة عربية متعددة الأهداف لها نسقها الخاص.
* العنقاء – لغة برمجة عربية إجرائية مشابهة للغة C.
* كلمات – لغة برمجة عربية مشابهة للغة C.
* لغة زاي – بيئة برمجة عربية لتعليم المبتدئين البرمجة بلغة زاي.
* قلب.
* لغة إبداع.
هيمنة اللغة الإنجليزية على تكنولوجيا صناعة الحاسوب وفرضت على المستخدمين أن يتجهوا نحو لغات البرمجة التي تخاطب الحاسوب بكلمات ومسميات إنجليزية مثل جافا وسي وباسكال وغيرها |
وبعد البحث الدقيق والتجول في صفحات الانترنت في الأسابيع الماضية وجدت أنها بالفعل لغات برمجة ابتكرها مبرمجين عرب ولهم جهودهم ومحاولاتهم الفردية منذ العام 1978 لكن الحقيقة المرة أنك عندما تثبّت إحدى تلك اللغات على حاسوبك من باب الفضول تكتشف والحزن يعتصر قلبك أنها لا تجدي نفعاً لا من قريب ولا من بعيد للمستخدم العربي وغيره، فتسارع إلى حذفها فورا لأن أصحابها اكتفوا بابتكارها ثم توقفوا عن تطويرها حتى أصبحت عقيمة لا تُجاري التطور الحاسوبي السائد ولا ألومهم في ذلك أبداً. لكن السؤال الذي يفرض نفسه على كل من ينطق بالعربية لماذا توقف هؤلاء الباحثون عن تطوير لغاتهم ماعدا بعض المحاولات الخجولة التي مازالت تتنفس بصعوبة؟ طبعا الموضوع متشعب وله أسباب كثيرة سوف أحاول الإيجاز بما يلي:
1- هيمنة اللغة الإنكليزية على تكنولوجيا صناعة الحاسوب فرضت على المستخدمين أن يتجهوا نحو لغات البرمجة التي تخاطب الحاسوب بكلمات ومسميات إنكليزية مثل جافا وسي وباسكال وغيرها.
2- الفجوة العلمية الكبيرة وضعف الترجمة بين الدول المتطورة والدول النامية – والعرب من بينهم- تجعل وصول المعلومة في وقتها صعباً جداً للباحث العربي الذي لا يتقن الإنكليزية.
3- عدم توفر البنية التحتية والتمويل اللازم للباحثين العرب لمساعدتهم في تطوير لغاتهم البرمجية.
4- فقر المحتوى العربي على الانترنت جعل اللغة العربية تنحسر لصالح اللغات ذات المحتوى الأكثر نفعاً.
5- إعراض المبرمجين العرب أنفسهم عن البحث في هذا المجال بسبب عدم جدواه الاقتصادية أو بسبب التسهيلات التي بدأت تقدمها شركات البرمجة المتطورة للمستخدم العربي بما فيها دعم اللغة العربية.
من وجهة نظر مهنية بعيدة عن العواطف أعتقد أن وجود لغة برمجة عربية متطورة يحتاج إلى طاقات حكومية كبيرة لأنه حتى لو طورنا لغات برمجة عربية بمجهودات تطوعية فردية ستبقى غير ناضجة ولن تستطيع اللحاق بركب اللغات العالمية المتطورة مثل جافا أو سويفت أو سي شارب أو دلفي وغيرهم، ما لم يتم دعمها حكومياً باستثمارات مساهمة طويلة الأجل لا تنتظر المردود الفوري، وريثما يتم هذا الأمر فإن السؤال الموجه لكل الحكومات العربية هو:
هل ستتمكن اللغة العربية بعد 25 سنة من الآن من حماية كلماتها البالغة 10 ملايين كلمة من التقلص والانصهار في قاموس غوغل ومايكروسوفت اللذان يعتمدان اللغة الإنكليزية التي لا تتجاوز مفردات قاموسها أكثر من 500 ألف كلمة؟ وأين سيصبح تراثنا اللغوي في عصر مخيف تصبح فيه برمجة الروبوتات وإنترنت الأشياء بقيادة كورتانا وغيرها ممن لا يفهمون إلا بالإنكليزية هم من يسيطرون على العالم؟ كان الله بعون أحفادنا وأبنائهم!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.