شعار قسم مدونات

تأملات(2).. حول الشباب والزواج و"الخلق الجديد"

blogs زواج

كل واحد يحاول التغيير، لكن هل سألنا أنفسنا ما هو التغيير؟ ولماذا التغيير؟ هل هو لعام "يغاث" فيه الناس وبعدها تأتي سنين "عجاف"؟ أم هو "لأجيال".. ثم ماذا نغير، الساسة أم المجتمع؟ وهل تغيير الساسة يغير المجتمع؟ هذا حتما "صعب" للغاية إن لم أقل مستحيل، وحتى إن تحقق فهو لفترة وجيزة.. ومن ناحية أخرى هل تغير المجتمع يغير الساسة والسياسة؟ ربما.. ولكن ما السبيل لتغيير المجتمع.. وما علاقة هذا بالزواج.. الذي أحاول في سطوري هذه توقيفك عنه قليلا، لكي تقرأ فقراتي.. والتي هي عبارة عن خطاب موجه لي وللكل.

بغض النظر أكان زواجكَ وزواجكِ مبنيا على "الحب" أو "تقليديا" كما يقال، وبعيدا عن "الرغبات البيولوجية" لكلا الجنسين والتي لا يمكن أن ينكرها أحد، أقول لكما.. تمهلا قليلا.. أنتما تفكران في الزواج والإنجاب.. لكن هل سألتما أنفسكما الأسئلة الكبرى التي يجب أن تطرح حول الموضوع، والتي أعلن بعضها "نيتشه" في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، هل أنتما تستحقان الزواج والإنجاب؟ هل الرغبة في الزواج مبنية على الحاجة إلى "النكاح" و"الأنسة" و"الخلف" وحدهم… أم أنها أعمق من ذلك وأبعد؟ لست أقول لا للزواج ولكن لماذا؟ لا داع له إن كان في خدمة مصلحة فردية "حيوانية".. إن لم يكن لبنة جديدة في بناء مستقبل مشرق.. لأن من يدعو للتغيير ولا يشارك فيه لا يستحقه.

نعم تزوج ولكن ب"أهداف سامية".. من أجل صناعة إنسان "يفوق منزلتك"، كما قال "صاحب الإنجيل الخامس"، لا أقصد هنا يفوقها "جسدا".. بل معرفة.. وعلما.. و"أخلاقا".. أم أن العبارة الأخيرة لا تروقك؟ لا شك أنها نظريا تعجبك، لكنها عمليا قد لا تخدمك. سئل رجل الأخلاق الإنجليزي "ماندفيل" عن أهمية الأخلاق في تقدم المجتمع وتطوره الحضاري، وأجاب: "لا شيء بل لعلها تكون ضارة"، لأنها قد لا تخدم مصالحك المادية، ولا حتى العلمية.. ولكن "ماندفيل" يرى أن جميع ما يمكن أن يكون آثما هو أبرز محفز للتطور، وهو الأمر الذي يعبر عنه الفيلسوف البوسني، "علي عزت بيغوفيتش"، بقوله: "إن ما يزعم بأنها شرور أخلاقية ومادية في هذا العالم، هي القوى الأساسية المحركة التي تجعل منا كائنات اجتماعية"، لكن ماذا ترى أنت؟

يجب أن تتغير نظرة أطفالنا عن نظرتنا نحن، "الحب" ليس حراما، و"الفن" بشتى ألوانه ليس من الشيطان، إنهما أعظم تعبير عن وجود عالم آخر، نحن لا نعرفه ولم نتوصل إليه بالعلم

"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.."، بمعنى أن لديك "ورقة بيضاء"، الفطرة فيها هي تلك "الأسطر".. والباقي كله يدور حولك.. أنت مسؤول عن رعيتك.. مسؤول عن هذا "الخلق الجديد" الذي وهبه الله لك، هل تريد أن يكون مثلك؟ أنت ترى نفسك كاملا ليكون مثلك؟ تعتقد أنك حققت كل شيء وتريده أن يصبح شبيها بأبيه؟ أو تؤمن بالمثل القائل "تبع حرفت بوك لا يغلبوك"، أي "اتبع حرفة أبيك ولن يهزموك"؟ أترى في شخصك أنه يملك "الحقيقة"؟ عرف الله وعرف كيف يعبده وكيف يكون "صالحا"؟ لا أعتقد أن جرأتك المعرفية أوصلتك لذلك؟ وإن لم تكن تعتقد ما سبق، يجب عليك أن تملأ تلك الورقة التي بين يديك بما يناسب، ليس بكل شيء لكن الأرضية التي يبني عليها الباقي.. ب"القيم النبيلة للدين".

ما هي هذه القيم؟ تعليم الأطفال "الإيمان" و"أركان الإسلام" وحدهما مثلا؟ لا أظن.. فالشيء الوحيد الذي حافظ عليه المسلمون طوال أربعة عشر قرنا بما فيها قرون الركود هي أركان الإسلام، ورغم ذلك لم تشفع لهم في "التطور المادي" ولا "الأخلاقي".. "ربما" يجب أن يتعلموا "قيم" الدين: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"؛ الحب، الاحترام، الجمال، التسامح، "وجادلهم بالتي هي أحسن".. "إقرأ".. "الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها"؛ البحث عن المعرفة، حب الحكمة، دراسة العلوم الطبيعية والإنسانية.. أو باختصار شديد، لقن ولدك حكمة معلم البشرية "كونفوشيوس": "ما لا أريد أن أفعله بنفسي لا أفعله بالآخرين".

تتكرر عبارة "الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" عشرات المرات في القرآن الكريم، لأنها تعالج مسألة مهمة للغاية، وهي العلاقة بين الإيمان والعمل، الأول الرابط بين الشخص وربه، والثاني حول علاقته بالخلق الذي يجاورهم؛ نباتات حيوانات وإنسان.. تعليم الأبناء الإيمان دون العمل الصالح، والذي أساسه الأخلاق، لا يساوي شيئا.. إلى جانب هذا يقول "بيغوفيتش": "يكشف لنا القرآن عن علاقة أخرى عكسية بين الأخلاق والدين، فيوجه نظرنا إلى أن الممارسة الأخلاقية قد تكون حافزا قويا على التدين: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" فمعنى الآية هنا لا يقول "آمن لتصبح خيرا، وإنما على العكس، افعل الخير تصبح مؤمنا. وفي هذه النقطة إجابة عن سؤال كيف يمكن للإنسان أن يقوي إيمانه؟ الإجابة هي: افعل الخير تجد الله أمامك".

هذه المعاني ليست غائبة عن الوالدين، ولا شك أنكم تتذكرون يا من ينحدر آباؤكم من أرياف بلدان العالم الثالث، كيف كانا يسعيان لتدريسنا إلى النهاية.. لكن السؤال لماذا؟ يجيب عنه البعض بصريح العبارة: نريدكم أن تتعلموا لأننا لم نتعلم، هذا الأمر تأكيد على أن جزء ليس بيسير مما كان يقصده "نيتشه"، موجود بالفطرة في الإنسان، فالنظر للابن على أساس أنه مشروع المستقبل لا يغيب عن أي أب.. ولكنه من ناحية أخرى لا يختلف عن تظاهر أنثى "أبي الحناء" بأنها مصابة وتعريض نفسها للخطر من أجل إبعاد الأخير عن عش فراخها، إن الطفل بالنسبة لنا يجب أن يكون: ذلك الجوهر الذي نريد منه أن يتم ما عجزنا نحن عن فعله "معرفيا"، أو ما لم يسعفنا الوقت والعمر لإتمامه.. لا أن يكرر تجربتنا، كما تفعل "الحيوانات"، بل ليكون أفضل منا في كل شيء، لكي يواصل إنجاب الأفضل.. وطبعا الأمر ليس قاعدة مطلقة فهناك استثناءات.. إن هذه الأمور، وفق نظري المتواضع، هي التي يجب أن تستحضر قبل الزواج وأثناءه.

على أمل ألا يكون
على أمل ألا يكون "الخلق الجديد"، تكرارا لما نحن عليه، من فهم "سطحي"، و"استعلاء وتكبر"، و"احتكار للخلاص"، نتمنى أن نعمل ليولد "إنسان" أفضل من سلفه، وأعقل منه
 

يجب أن تتغير نظرة أطفالنا عن نظرتنا نحن، "الحب" ليس حراما، و"الفن" بشتى ألوانه ليس من الشيطان، إنهما أعظم تعبير عن وجود عالم آخر، نحن لا نعرفه ولم نتوصل إليه بالعلم ولا يمكن ذلك، ولكننا نستشعره بداخلنا، نحس به بقلوبنا، تماما كما ابتكر الإنسان الأول، "السحر" و"الفن" و"التدين"، ربما تبريرا لعجزه كما "قالوا"، ولكن هذا العجز هو افتقار إلى شيء آخر غير محسوس. يجب أن يعلموا أن حال آبائهم كان "مزريا".. وأن حل واقعهم يبدأ من فهمه، وتحليل الأمور.. وليس بالعودة إلى ما كتب في القرون السالفة، الحل ليس في الماضي بل في الحاضر.. نعم القرآن أعطانا منظورا وقواعد عامة.. ولكنه ترك لنا المجال مفتوحا لنتعلم.. ولهذا يجب أن نلقنهم أن "التطور" لا يبدأ بالحفاظ على "الصلاة" و"التمسك بالدين".. الأخير مسألة فردية تتعلق بمصير أبدي.. لنيل الجنة بعد الموت.. ولكن قبل الموت لا تنفعك إلا "حنكتك" في التعامل مع الواقع ومستجداته.

على أمل ألا يكون "الخلق الجديد"، تكرارا لما نحن عليه، من فهم "سطحي"، و"استعلاء وتكبر"، و"احتكار للخلاص"، نتمنى أن نعمل ليولد "إنسان" أفضل من سلفه، وأعقل منه، ليكون تلك التربة التي تنمو عليها "الحضارة الجديدة" بعد عشرات السنين وربما المئات، فازدهار الغرب جاء كزهرة نبتت على "إنسان" أوروبا في "القرون الوسطى"، عصر الظلمات كما يسمى، والذي أطلق عليه هذا اللفظ وصفا للوضع المادي، أما الواقع الأخلاقي والإنساني الذي ربما يخفى على كثير منا، فقد كان أفضل مما نتخيل، لقد أنتجت لنا تلك العصور أخلاقا مميزة، وفنونا عظيمة، عبرت عن الكيان "الجواني" للأفراد في تلك الفترة، وحرصوا على أن يكون أبناؤهم أفضل منهم.. وهكذا جيلا بعد جيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.