إن الخيال صنع الحب كأسطورة عمياء في القصص والراويات، لكن يظل مخلوق شعوري واقعي يحدث للناس، وربما هو أفضل هيبة يهديها الله للبشر لاستخراج السلام والاطمئنان منهم والتسامح، لكن طالما يوجد خير وشر وجنة ونار، يوجد للحب جهة معاكسة تسمى الحزن، وهذا ربما لاستمرارية قاعدة البحث عن النفس المطمئنة، فيظل الحب حادثة واقعية مفرحة وفي نفس الوقت نكتة حزينة مبكية، التاريخ هو من صنع استغلاليو الحب، وروائيين هم من صنعوا أشرار الحب، لهذا استفاد الواقعيين الحاليين الحديثين، من التاريخ والروايات ليضعوا الحب كأحد أسلحتهم التمثيلية حينما يقدموا على أساليب قذرة في حروبهم.
كل هذه الأمور لم تمنع المذابح اليومية للحب التي صارت تقع في العلاقات الغرامية، تبدأ بإعجاب العين لتكمل سعيها إلى حب من القلب، لتصل إلى العشق الذي ينحي له العقل والقلب، لتحدث المذبحة بخيانة عظمى، فتكشف الأيام أن أحد الطرفين في العلاقة الغرامية مزيف يبحث عن مصلحة فردية عمياء، والطرف الأخر كان يطبق في تراث الرومانسي بكل حذافيره، فسالب والموجب لا يتلقيان أبدا، وإن حدث وثم جمعهم تحدث شرارة كهربائية رومانسية تقتل طرف العاشق، وتقوي الطرف المزيف وكأنه مجرد عميل استخباراتي يؤدي بتمثيلية من أجل وطن نفسه، لكن يظل القدر الحاكم الفعلي لاستمرارية الحب بين الطرفين.
إذا أردنا بداية حياة بالحب علينا أن نؤمن أن القدر هو الحاكم الفعلي، وأن الثقة هي القانون الصحيح، وأن خلق الإيمان مع طرف الأخر ضرورة حتمية، وإلا تحولت العلاقة إلى استعباد |
أحدهم ترك عائلته بعد أن أوهمته عدوة عائلته بالحب، والأخرى تركت زوجها وعائلتها وأولادها بعد أن عاد حب شبابها، وتلك التي وقعت عقد حياتها مع التسول في شوارع بعد أن أوهمت بالحب من شخص أراد جسدها، وذلك الذي سلبته أمواله وثروته باسم الحب ، لم يعد للحب تعريف صحيح مثالي مزيج من رجولة رجل ومن كلمة امرأة، ففي عالمنا العربي إذا تركت البنت الولد وتزوجت، بعثت له رسالة بأنه قدر ومكتوب علينا، وإذا تركها وتزوج بعثت له رسالة، تخبره فيها بأنه خائن، نفس الحكاية تتكرر بأسلوب قديم وأبطال جدد وموضوع واحد، الحب يعيش الخلود في الكون، لكنه فترة إقامته في العلاقات محدودة، كون أن الشهوة والحزن والعذاب والرحيل يزاحمونه في هذه الإقامة، لكنه بشهادة الشهود مرات يقاوم الجميع ليعيد المرأة والرجل من محاكم الحزن ليعيشوا الحب، ومرات يظهر أنه مجرد وهم صنعه أحد الطرفين ليمشي بالعلاقة التمثيلية إلى بر الأمان باسم الحب.
لهذا حينما يكون موجود يحدث بين طرفين إيمان وكفر، كلما ارتفع إيمانهم يبعضهم البعض ارتفع سهم الحب في بورصة الرومانسية إلى أعلى الأرباح، وكلما انعدمت الثقة وقل الإيمان سقط سهمهم في بورصة الرومانسية، وحينما يصلون إلى عتبة الإفلاس يستقبلهم الحزن بترحيب اسود ليس فيه نقطة نور، وحينما يجالسون أرصفة الحزن متفرقين عن بعضهم البعض ، يبدءون في إعادة بوصلة الماضي، ودموعهم تتساقط قائلين في أنفسهم ما أحلى الحب يبكينا حتى في لحظات الفرح والحزن. ويعم الندم على علاقات أخرى عاطفية، كان الحب فيها أوهم بذرة زرعت من اجل الاستمرارية، إلا أنها لم تثمر رغم مطار رومانسية عليها.
للحب حاكم فعلي هو القدر، وللحب دستور اسمه الثقة، وللحب مؤسسة تسمى زواج ، لكن التعامل بينن طرفين مرات ينجح ولو بغير الحب، ممكن بحكم الدهنيات، فمثلا الرجل الأوربي يؤمن أن للعلاقة نهاية، والرجل العربي يؤمن أن نهاية العلاقة كانت بفعل فاعل شيطاني، تزوجت امرأة فرنسية بعد حب كبير من صديقها البريطاني، فلم يتفقوا بعض الزواج، فأنهوا العلاقة الزوجية بقرار حضاري منهم، وصلتهم بها الجرأة إلى أخد سلفي وعقد حفلة لطلاق.
وعند العرب أخر الأخبار في جريدة عربية تؤكد أن الفتى لم يتحمل فراقها فقتلها أمام أعين عائلتها، رغم أن الحب كتب عنه العرب ولم يطبقوه، وكتب الغرب عنه فتستمتعوا به، يعتقد الرجل الشرقي أنه إذا أحب فتاة امتلكها شعوريا وجسديا، وإذا حاولت الرحيل طبق عليه مبدأ الإقطاعيين وحبسها كعبيدة له، لهذا إذا أردنا بداية حياة بالحب علينا أن نؤمن أن القدر هو الحاكم الفعلي، وأن الثقة هي القانون الصحيح، وأن خلق الإيمان مع طرف الأخر ضرورة حتمية، وإلا تحولت العلاقة إلى استعباد، يكون فيها الجسد مثل الصنم الذي يعبد، وحتى لا تنتهي علاقاتنا كلها بنكت مبكية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.