"لا يوجد شيء اسمه بلد فقير، يوجد فقط نظام فاشل في إدارة موارد البلد" مقولة للفيلسوف والعالم الأمريكي "نعوم تشومسكي" تجعلنا نطرح تساؤلات عدة حول الأوضاع الراهنة التي نعيشها، أنحن فعلا أمام أنظمة فاشلة أم فاسدة؟ فرغم تفاقم القروض على بلداننا العربية، إلا أن الأخيرة لا تكف عن تقديم طلبات الدعم المالي من البنك الأوروبي أو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي. وكما العادة، لا يبخل أي منهم عن تلبية طلبات بلداننا، لا لسواد عيون العرب، وإنما لمصالحهم، فتلقي هذه الدول للقروض يخول للمؤسسات المذكورة شرعية التدخل في سياسة البلدان عبر إصداره توصيات وشروط مجحفة تهم تدبير القطاعات الحيوية. ملايير الدولارات ضخت بشكل موسمي من طرف صندوق النقد الدولي على مدى عقود، فلما البلدان العربية لم تنتشل بعد ذاتها من غياهب الفقر والانحطاط؟ وإلى متى يظل تطورها حبيس التنظير الحكومي وتطبيل إعلامها الرسمي؟
حصلت مصر بداية شهر يوليو-تموز على دعم مالي قيمته 530 مليون دولار، حسب ما أعلنته وزيرة الاستثمار المصري، سحر نصر، وتهدف "أم الدنيا" لصرف هذا المبلغ في مجال الصحة قصد تجويد الخدمات والمرافق الصحية، وتحسين الواقع المعيشي، حيث صرحت الوزيرة المصرية لوسائل الإعلام أن هذا الدعم يعد الأكبر من نوعه، يقدمه البنك لمصر في مجال الصحة. كما قدم البنك الأوروبي لمصر، بداية شهر غشت-أغسطس، تمويلا بقيمة 205 يورو لتطوير مترو الأنفاق، إلى جانب إقراض صندوق النقد، بداية شهر يوليو، 2 مليار دولار، وبتسلم مصر هذا المبلغ تكون قيمة ما حصلت عليه من الصندوق الدولي قد وصلت ل 8 ملايير دولار من قرض يبلغ إجماله 12 مليار دولار. من جهته أوضح البنك المركزي المصري مؤخرا أن ديون مصر بلغت 88.2 مليار دولار بزيادة 19.3 في المائة مقارنة بالسنة الفارطة.
لبنان من جهته، استفاد هذا الصيف من دعم مالي بقيمة 400 مليون دولار، فهو يسعى لخلق مشاريع جديدة تهدف لضمان فرص شغل، وتقليص نسبة البطالة في صفوف الشباب، فالدعم المقدم من شأنه أن يوفر 52 ألف وظيفة دائمة، و12 ألف فرصة شغل قصيرة الأجل. كما خصص البنك الدولي مؤخرا 2.2 مليار دولار للبلد لتجاوز التعثر الاقتصادي، إلى جانب سعي لبنان الاستفادة من قرض آخر بقيمة 120 مليون دولار مخصص للرعاية الصحية. ويرى خبراء أن الوضع الاقتصادي للبلاد في تدهور، بسبب تفاقم الديون الخارجية، التي بلغت 145.94 مليون دولار نهاية 2017، حسب إحصاءات نشرتها جمعية "مصارف لبنان".
لبنان من جهته، استفاد هذا الأسبوع من دعم مالي بقيمة 400 مليون دولار، فهو يسعى لخلق مشاريع جديدة تهدف لضمان فرص شغل، وتقليص نسبة البطالة في صفوف الشباب |
المغرب هو الآخر، استفاد من دعم مالي من طرف البنك الدولي وصل إلى 125 مليون دولار، قدم له في إطار تطويره لأحد أضخم مشاريعه في مجال الطاقة الشمسية، وقد أكد البنك الدولي أن هذا المبلغ سيتيح للمغرب إمكانية إحداث محطتي نور ميدلت 1 ونور ميدلت 2 وتطويرهما، إلى جانب 172 مليون أورو كقرض منح من ذات البنك، بعد إبدائه الموافقة شهر ديسمبر المنصرم، لدعم مشاريع تنموية تهم مدينة الدار البيضاء. يشار إلى أن المغرب قد وقع اتفاقية في 8 يونيو-حزيران، مع البنك الإفريقي للتنمية، والذي أقرض الدولة 200 مليون أورو، بهدف تنمية قطاع الفلاحة. وكانت مديرية الخزينة والمالية، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، قد كشفت في بيان أن ديون الخزينة قد شهدت ارتفاعا بحيث بلغت 692 مليار درهم سنة 2017 أي 72.4 مليار دولار مقابل 657 مليار درهم سنة 2016 أي 68 مليار دولار.
كما استفادت تونس، الخميس الماضي، من 500 مليون دولار لدعم الإصلاحات التي تبنتها لتنمية اقتصادها، بعد قرض آخر استفادت منه بقيمة 100 مليون دولار في شهر ماي 2018، لدعم جهود الحكومة في الرقي بقطاع التعليم وهيكلته، إضافة لإقرار الحكومة التونسية، نهاية الشهر المنقضي، اقتراض 492 مليون دولار من البنك الدولي للإنشاء والتعمير لدعم الموازنة رغم أن أوضاع تونس الاقتصادية لا تسمح بطلب قروض جديد خاصة أن الديون العامة وصلت إلى 69.9 في المائة من الناتج القومي الإجمالي سنة 2017.
نصف مليار دولار، مبلغ قدم للأردن من أجل دعم برنامج "سياسات تنموية"، الذي يسعى لحماية الطبقة الفقيرة من الأزمات الاقتصادية وتوفير مناصب شغل ورفع البلاد من صادراتها، إلى جانب 100 مليون دولار كقرض منحته ألمانيا مؤخرا للمملكة الهاشمية لدعم اقتصادها. كما تلقت الأردن هذا الشهر من البنك الدولي الدفعة الثانية من قرض إجمالي قيمته 500 مليون دولار. يذكر أن آخر بيانات وزارة المالية الأردنية كشفت عن وصول الدين العام لـ38.7 مليار دولار نهاية فبراير 2018.
لبنان من جهته، استفاد هذا الأسبوع من دعم مالي بقيمة 400 مليون دولار، فهو يسعى لخلق مشاريع جديدة تهدف لضمان فرص شغل، وتقليص نسبة البطالة في صفوف الشباب. وبحسب الموقع "النهار" الإلكتروني، فإن الدعم المقدم من شأنه أن يوفر 52 ألف وظيفة دائمة، و12 ألف فرصة شغل قصيرة الأجل. ويرى خبراء أن الوضع الاقتصادي للبلاد في تدهور، بسبب تفاقم الديون الخارجية، التي بلغت 145.94 مليون دولار نهاية 2017، حسب إحصاءات جمعية "مصارف لبنان". البنك الدولي خصص مؤخرا ملياري دولار لتجاوز التعثر الاقتصادي.
كثرة القروض لم تمنع قط من أن تجعل البلدان العربية في مؤخرة ترتيب مؤشر التنافسية العالمية لهذا العام،فالتقرير الصادر عن مجموعة البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي ومؤسسة التمويل الدولية، أظهر جمودا اقتصاديا حادا لذا غالبية البلدان العربية، فالأردن احتلت المركز 65 عالميا بينما المغرب المركز 71، في حين جاءت الجزائر في المركز 86 عالميا، متبوعة بتونس 95 عالميا. وقد تذيل الترتيب كل من مصر التي احتلت المركز 100، ولبنان 105 إلى جانب موريطانيا واليمن. من جهة أخرى تصدرت كل من دولة الإمارات كما قطر الترتيب عربيا، بعدما احتلت الأولى المرتبة 17 عالميا، والثانية المرتبة 25.
"لم يعد الاحتلال العسكري السافر ضروريا، فقد برزت وسائل حديثة مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي" مقولة تعود لذات الفيلسوف الأمريكي الذي رأى في فقر البلدان انعكاسا لفشل أنظمته. كيف يعقل أن تعالج البلدان العربية مشاكلها بمشكل أعوص؟ منذ متى كان اقتراض ملايير الدولارات حلا للمشاكل؟ الوضع أشبه بطمر النعامة رأسها داخل حفرة ظنا منها أن كل شيء سيكون على ما يرام! أيا يكن، في النهاية وحده المواطن من يدفع ديون وطنه، أو بالأحرى تكاليف المواطنة.
لعل الاحتلال الذي تحدث عنه " نعوم تشومسكي" يتمثل في الاقتراحات التي تمليها مؤسسات كصندوق النقد الدولي على البلدان المقترضة، من قبيل رفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة وخصخصة المؤسسات والخدمات، علاوة على تعويم العملة المحلية كما هو الحال بالنسبة للدرهم المغربي الذي تم تحريره بداية العام الجاري بشكل تدريجي، والجنيه المصري الذي انهار تماما بعد التعويم، الأمر ذاته حصل مع الجنيه السوداني. بلداننا العربية باتت على شفا جرف هار بسبب تراكم ديونها ولعل ما تشهده من ارتفاع في نسب الفقر والبطالة، إضافة لغلاء المعيشة وتدهور لأوضاعها الاقتصادية، وزوال للطبقة المتوسطة، ما هو إلا نتيجة حتمية لاتبعها إملاءات صندوق النقد الدولي.
مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، كثيرا ما عبر عن موقفه المعادي سواء للبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، فالانتكاسة الاقتصادية التي عرفتها بلدان آسيا سنة 1997، دفعت مهاتير محمد للبحث عن حلول تنقد اقتصاد ماليزيا، رافضا فكرة قبول اقتراحات صندوق النقد والتي أبانت عن فشلها عقب تطبيقها في إندونيسيا وتايلاند اللتان رضختا لسياسة التقشف.
تركيا خلال أزمتها الاقتصادية الحالية لم تشأ أن تطرق باب صندوق النقد الدولي، ورفضت مساعدة البنك الدولي، بل فضلت أن تشرك مواطنيها في عملية انقاد العملة، وهمت في البحث عن مستثمرين وحلفاء جدد. حري بالذكر أن الاقتصاد التركي عان الويلات بسبب حجم الديون فما كان للدولة أن تحتل المرتبة 18 عالميا كقوة اقتصادية لولا تسديدها كافة الديون لصندوق النقد الدولي سنة 2013. وما تواجهه البلاد الآن من تخبط اقتصادي يعود في جزء منه لتضخم حجم الديون على الشركات التركية التي باتت عاجزة عن أداءها بالعملة الأجنبية.
مفكرو وسياسيو العالم على علم بالوجه الآخر لصندوق النقد والبنك الدوليين، من خلال تجارب عشرات الدول التي عان اقتصادها بشكل أو بآخر كاليونان والأرجنتين والبرازيل، كما أن الحكومات العربية على دراية بعواقب الاستدانة، فمتى تكف عن مغامراتها وتطوي صفحة الديون؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.