يعيش الكرد السوريون حالة من الوجوم الممزوج بالإخفاقات والاحتقان، وهي حالة لا تختلف كثيراً عن بقية الشرائح السورية وإن كانت أكبر عند الكرد من غيرهم، فعمق المشكلة الكردية السورية سابقة على الحالة الراهنة، وأكثر دموية وظلماً في أكتوبر 1962، قام محمد طلب الهلال (رئيس الشعبة في الحسكة آنذاك) بإصدار (دراسة حول محافظة الحسكة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والقومية). جاء فيها جملة من الاقتراحات (الفقرة رقم 3 سحب الجنسية من الكرد ومن ثم تهجيرهم) (الفقرة 12 منع إعطاء الجنسية مطلقاً لمن يريد السكن في تلك المناطق مهما كانت جنسيته الأصلية).
استنادا إلى تقرير من منظمة مراقبة حقوق الإنسان فإنه نشأت نتيجة لإحصاء الحسكة لعام 1962 مجموعة خاصة تم اعتبارهم أجانب أو غير مسجلين يوجد 142،465 كردي من مواليد سوريا ولكنهم لا يعتبرون مواطنين سوريين ولا يمكن لهذه المجموعة السفر إلى دولة أخرى لعدم امتلاكهم لوثيقة أو جواز السفر وامتلاك أراضي أو عقارات ولا يمكنهم العمل في مؤسسات حكومية ولا يمكنهم دخول كليات الطب والهندسة ولا يمكنهم الزواج من مواطن سوري.
لم يقف التاريخ عند تلك السنة بل حتى في السبعينيات وعلى يد الرئيس حافظ الأسد ما أسموه سياسة التعريب ومن الأمثلة على هذه السياسة منع الأكراد من تسمية حديثي الولادة بأسماء كردية ومنع إطلاق أسماء كردية على المحلات التجارية. في 12 مارس 2004 وأثناء مباراة لكرة القدم في ملعب القامشلي قتل في ذلك ال يوم13 شخصاً كان من وراء الحدث كله هو النظام والمنتفعين. وانتشرت أعمال العنف وسرقة ضد ممتلكات الكرد وصلت حتى حلب ودمشق وتمت حملة اعتقالات في المنطقة واستنادا إلى منظمة العفو الدولية فإنه تم اعتقال ما يقارب 2000 شخص كانوا من الأكراد وكان من بينهم نساء وأطفال بعمر 12 سنة، وتم فصل العديد من الطلاب الأكراد من الجامعات وفي عام 2008 قتل 3 أولاد أعمارهم ما بين 17 و22 سنة في عيد النيروز ومع ذلك الماضي ومآسيه تطل اليوم الأزمة الكردية السورية بوجع جراء مناطحتها برأسين اثنين: (النظام والمعارضة).
الجهل بالمكونات السورية الكردية والعربية وحتى الطائفية تخلق مشاكل، فما زالت الكثير من الزعامات السورية المعارضة يجهلون الكرد وأحزابهم، ويحصرونهم بين خيارين إما معنا ووفق رؤيتنا أو أنت انفصالي |
الأول- السلطة – والتي سبق وتم توصيف فعلها. والثاني – المعارضة – التي اشتهرت في غالبها بخذلانها للكرد وتحالفاتها التي عمقت الشرخ بينها وبين الكرد بل وعملت في بعض مواقفها على محاكاة النظام في معاملته المزرية للكرد. ولا ينكر أن للكرد أيضاً تحالفاتهم التي تتجاوز الخارطة السورية، والتي سببت لهم مشاكل ثنائية فيما بين الكرد وبين الكرد والمكونات الأخرى. تتعمق المسألة الكردية في تعقيدات المشهد السياسي السوري فبينما يتحاشى البعض من الزعامات السورية المرهونة لأجندات خارجية التحدث عن الكرد بلغة تراحميه إنصافيه، يشتغل آخرون من المعارضة بالعمل على تراكم الأحقاد وتعميق الخلافات.
وبينما يتعامى آخرون عن أي كلمة ترطيب للكرد بحكمة خلبية كاذبة وتبريرات مفادها أننا منن السوريين؛ وكلنا من المصابين يصر البعض على تقزيم صورة الكرد ونسبتهم إلى كل خراب وعمالة. لقد بات من الضروري التكلم عن خصائص المجتمع السوري وتسخيرها لتحقيق فريضة السلم الأهلي، ولا يصح باسم المواطنة وباسم سوريا منع أي مكون من التحدث عن مأساته، فالوطن اليوم تشظى وليس ثمة محور ناظم للهويات، ولا ضير في أن لكل مكون أن يشرح أمله ويوضح ألمه للآخرين، شريطة أن يلتزم بسقف المواطنة وتحت القانون. عموما لكل مجتمع خصائصه المتميزة، ويفترض الانتباه إليها ما سيسهل مهمة الخبراء ويساعد في تبني السياسات المناسبة والمخططات الناجعة.
إن الجهل بالمكونات السورية الكردية والعربية وحتى الطائفية تخلق مشاكل، مازالت الكثير من الزعامات السورية المعارضة يجهلون الكرد وأحزابهم، ويحصرونهم بين خيارين إما معنا ووفق رؤيتنا أو أنت انفصالي ومشروع إلحاد ومستباح الملك والكرامة والتاريخ والرموز، لابد من تكثيف الخطوات وتأسيس ما يمكن توصيفه بميثاق شرف للتلاقي الكردي العربي، والذي يتجلى في: تكوين ذائقة سياسية واعلامية وثقافية تدعو للتقارب وتسيد لغة القانون وحقوق الإنسان.
التوافق على القضايا الكبرى بناء سوريا الديمقراطية تحييد أي توصيف على أي حزب وراية كوردية او عربية مادامت تعلن انتمائها للوطن السوري. احترام تجربة الادارة الذاتية وتقييم مجهودها ونقده ضمن الثوابت الاخلاقية والسياسية. الدعوة لانفتاح الإدارة الذاتية على المكونات السورية. التزام الكرد والعرب بلغة توافقية تدعو إلى التكامل لا التفاضل. بناء جسور حقيقية تنتمي إلى الوطن السوري بعيدا عن أي أجندة خارجية.
التوافق على وحدة تراب سوريا واختيار طريقة الحكم التي تضمن حماية كل المكونات السورية… قد يعترض معترض فيؤكد أن الاحتقان سيد المواقف حتى إن كاتب هذه السطور لم يسلم من قذف الطرفين ونيران المحتقنين منهم، فثمة طرف كوردي يصفني بأني من (الإخوان المسلمين) وذلك لتفعيلي مفردات القاموس الديني مع أني حكمت في تعاملي مع الخطاب الديني العقل وشرعة حقوق الإنسان والتزمت قضايا الحرية والمجتمع المدني والدستور واحترام العقائد والقوميات، وهذه إحدى مصائب الكرد والتي تتجلى ب(الحساسية المفرطة من الدين)، ثلاثة أصناف كوردية تتحسس من الدين:
كرد من بعض الايزيديين بسبب ما لحقهم من تنكيل وتجهير على يد الدواعش ومن سار على دربهم من الفصائل الرديكالية. كرد من بعض المسلمين أيضاً وذلك للعنت الذي حل بهم والتهديد واحتلال ممتلكاتهم تحت رايات دينية بعد اتهامهم بالمروق والكفر. العلمانيون الكرد: وهم لم يفهموا من العلمانية إلا النموذج العربي المقصي للدين و من الدين إلا النموذج الداعشي فكان هذا الصنف العلماني بعثياً داعشياً حتى وإن رفع الراية العلمانية، والواجب على الايزيديين الارتقاء بمشاعرهم وعدم اعتبار كل خطاب ديني داعشي، وكل عربي بعثي وكل سني إرهابي.
وعلى الكرد السنة التوسع في مداركهم والتمييز بين الدين والحزب وبين السياسات الخاطئة والدين، وفصل القومية العربية وأنظمتها عن الدين فليس كل نظام يمثل الدين حتى وإن رفع رايته ولا يمكن تحميل الدين مهازل تصرف أحد، وشخصياً تعرضت أيضاً لبعض التصغير والتقليل من جهدي بحجة جهلي باللغة الكردية، فأنا شامي من أصول كوردية، وهذا غير مقنع فإجادة اللغة لا تمنح عبقرية ولا تعمقاً في الشأن الكردي ولم أسلم من الأذى من بعض السوريين العرب لعمليات حيث قاموا بعمليات اغتيال معنوي فأنا كردي انفصالي وملحد وعلماني وضد الوحدة الوطنية والأمن القومي واكتشفت أني كردي مؤخراً كما يزعمون، ويبالغ هؤلاء أيضاً في تجاوزاتهم غير الأخلاقية في التعامل مع الكرد وتاريخهم، فيستهينون، بعراقة الكرد وبتضحياتهم، ويفضلون نوعاً من الذمية السياسية فأهلا بك كوردياً نرعاك كأخ صغير أو نجتمع معك في الدين وهذه الروابط لم تعد ملفتة للكرد نتيجة تجارب وغدر حل به وذاكرة مثخنة بالجراح …وهذا ما يعمق المشكلة أيضاً .
لابد من الخروج من نفق الاحتقان ووضع خطة وطنية شاملة واستراتيجية سياسية واقتصادية متكاملة زمنيا وجغرافيا وتأمين الموارد اللازمة والعاجلة لإقامة شبكات الأمان الاجتماعي على مستوى الدولة والوطن، كما أن غياب الأمان والضمان الاجتماعي والعدالة أمراض تدفع لنقص مناعة المجتمع، ويفتك بأي مشروع وسيحرف العلاقات عن مسارها الصحيح. وأن يعلم الجميع أن المواطن الآمن المحتمي بالقانون والمكتفي اقتصادياً والواثق بحاضره ومستقبل أطفاله هو المواطن المستقر والمشارك بفاعلية في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية في سوريا ما بعد بشار.
(تحديدا في عام 1919 إبان الانتداب الفرنسي على سوريا قام الكرد بانتفاضات متتالية ضد الوجود الفرنسي في سوريا. كما كان لهم شرف نيل إطلاق أول رصاصة في المعركة التي جرت في منطقة سهل العمق حيث كان (محمد أيبوش اشو الكردي) وهو من مواليد كرداغ أول رصاصة في مسلسل الثورات السورية. وانتفاضة (إبراهيم هنانو) 1920 في شمال سوريا في منطقة ادلب وأريحا ورفض عرض إقامة دولة كردية في شمال شرق سوريا، إذا كانت مقابل تخليه عن محاربة الفرنسيين في سوريا. فقد كان الكرد يؤثرون مصالح البلد عامة عن مصالحهم الشخصية رغم الاضطهاد الذي كان يمارس ضدهم في كثير من الحقب الزمنية) وثورة بياندور ضد الفرنسيين وهي ضيعة بمحاذاة ضيعة تل شعير شارك فيها جميع القبائل الكردية التي تسكن المنطقة ورفضوا عرضا فرنسيا بإقامة اقليم مستقل في منطقة الجزيرة.. بينما سعى أجداد حافظ أسد للتنصل من سوريا بأي طريقة عبر مراسلاتهم للفرنسيين. كان الكرد وما زالوا جزء من الحل فهل سيتعامل معهم غيرهم بإنصاف وأنهم ليسوا هم المشكلة؟ وهل سيتعامل الكرد مع غيرهم بأنهم شركاء في الحل؟ وليسوا جزء من المشكلة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.