شعار قسم مدونات

شرق المُتوسط.. رواية السجين العربي

BLOGS رواية شرق المتوسط

عبد الرحمن مُنيف هو كاتب وأديب سعودي، وُلد وخُلدت كتاباته لنا ثم مات كما مات من وُلد قبله وكتب من بعده، ترك لنا رواية شرق المتوسط التي اشتهرت في أسماعنا في السنوات الأخيرة فَتَسارعنا إلى مطالعتها والبحث في كلماتها عن معنى نلمسه في وجداننا.

لماذا شرق المتوسط؟

تلك الرواية هي خير جسد لما حدث للشباب العربي المُطل على البحر المتوسط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي إلى الآن، فقد جسدت كلماتها حدث مَرَّ به آلاف الشباب العربي وهو الاعتقال السياسي لدى سجون الظلام للأنظمة الحاكمة التي لم تُهزم من ثورات الشعوب، بل استخدمت أقوى الأسلحة الفتاكة في ضرب وإذلال وقتل معارضيها، في مصر آلاف الشباب في قبٍو أسود أي مقرات الاحتجاز بتهم ملفقة تشبه تهم مئات الآلاف من شباب سوريا واليمن، الإرهاب وتعطيل الدستور وتهديد الأمن القومي للبلاد، دائما تأتي تلك الكلمات في ملفات قضايا المعتقلين، يقفون أمام وكيل النيابة لاستجوابهم والتأكد من صحة الُتهم التي نُسبت إليهم من عدمه، ولكن بعد أن أقروا واعترفوا بأنهم فعلوا أكثر من ذلك بكثير، ومن لا يعترف من المؤكد أنه مات في أول صعقة للكهرباء قبل أن تكتمل سيمفونيات التعذيب الأخرى ويسمع صدى صوتها الأصم.

كلنا رجب

تبدأ الرواية بنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تحث الجميع على أن الإنسان هو إنسان له كرامة، يتمتع بالحرية في كل شيء، يجب أن يُعامل هكذا من أخيه الإنسان. فروح العدل هي التي يجب أن تنتصر وتحقق الإنسانية. رجب هو بطل الحدث الذي تشابه مَعنا أو نحن الذين طبقنا حروف الرواية بالنصِ دون أن نعلم من رجب أو حتى نقرأ عنه، شاب تخرج من كليته، عنيد مُدرك لما حوله، بدأ الإدراك يتفاعل مع العند فثار عقله، لم تعجبه سياسة نظام الدولة فبدأ بنشاط معادٍ لها أي أنه بدأ يلمح بمبادي كرامة أو أفكار ثورة، وما أدراك منهما في بلاد شرق المتوسط، إنهما يُصبحان لعنة على من تلتصق بهم، أمه وأخته يرتعبانِ من حديثه، كانا يعرفان أنه سَيقتل أو سيذهب في رحلة بلا عودة، فجاءت الثانية رحلة في سرداب مظلم عودتها بعد عدة سنوات ولكن الإياب غير الذهاب أو اتركني أقول دخول المعتقل ليس كخروجه.

أنظمةِ بلدان شرق المتوسط تحكُم على شبابها بالموت حتى لا تترك لهم فرصة اختيار كيفية الموت، فإن كان وطنك هو شرق المتوسط، فاقرأ الرواية حتى تتذكر ما حدث لك

الكلام القبيح، أصبحت الأم زانية وعاهرة والأب قواد لها ورجب ابنهما في نظر المحقق وعبده، عبد المحقق الذي يجلد بلا رحمة ويعلق ويضرب بضميِر حيوانٍ قد هوت نفسه السادية والتعذيب، هو كذلك يحب تلك الأفعال لو كان لا يحبها ما فعلها، ولكنه يعتقد أن ساديته تعزز من قيمة وطنيته، فالوطن في نظره كرباج على ظهر رجب أو صاعق كهربائي في خصية رجب، أو رأسه عائمة تختنق في مياه ملوثة. انتهى التحقيق بصمت الجسد الذي قُطعت أشلائه، لم يعترف بأي شيء قد ذلوه بأفواههم وذلهم بصمته، جاء دور الزنزانة مكان الإقامة الجديد للشاب العربي بمصاحبة رفقائه من الإنس وبعض الصراصير التي تؤنس السجين غالبا، الخبز الملوث المختلط بالفول هو الطعام، وهنا ألوح أنه لا يعطيك الطعام كي تأكل، كلا لكي لا تموت، فهو يَحتاجك فقط لبعض الوقت ولكن إن نفذ الاحتياج ستلاحظ أن أنفاسك ستنفذ قريبا.

خرج من المعتقل حدثته أخته "أنيسة" عن شيئين رئيسين الأول سبب وفاة والدته وهو أن في إحدى الزيارات دفعها الحارس وسبها بأفظع السبابِ مما تسبب في تعب شديد أدى إلى الموت، والثاني لماذا تركته حبيبته هدى؟ وضحت له أن أهلها لم يُطيقوا أن تنتظر زوجها السجين المحكوم عليه بإحدى عشر سنة فقاومت حتى خضعت وتزوجت وأنجبت. قد خرج بعد خمس سنوات فقط، شعر بالاغتراب في كل شيء، بدا عليه الصمت، التعجب، التِيه، سافر إلى بلاد ما بعد المتوسط، وصل إلى مارسيليا، قابل دكتور الفحص الطبي، سرد له ما حدث، قرر أن يكتب ويدون ويذهب بالأوراق إلى جنيف كي يحكي عن السراديب المظلمة هنا في شرق المتوسط، يريد أن يساعد من تركهم في القبو تحت الأرض، يريد أن ينقذ أشلاء شاب معلق الآن قد تموت أمه بعد قليل.

 

هكذا كان يرى أنه بذلك سيخفف من وطأة الظلم، قبل أن يسافر عاد إلى وطنه مرة أخرى، عاد إلى الظلم مرة أخرى، عرف أن زوج أخته قد اعتقلوه بسببه وأنهم يريدون القبض عليه، رجع معللًا أنه إن مات أو سجن أقل ضررًا من موت زوج أخته الأرملة وأولادها اليتامى من بعد زوجها، رجع إلى الوطن أي إلى السجن مرة أخرى، وقد كان توقعه صحيحا في أنهم أفقدوُه بصره بعد القبض عليه قبل الموت، وأخطأ لأنهم لم يخرجوا زوج أخته من سرداب كان فيه من قبل.

"سقوط الإنسان مثل سقوط أبنية، تهتز في الظلمة، ترتجف، ثم تهوي وتسقط، ويرافق سقوطها ذلك الضجيج الأخاذ، ويعقبه الغبار والموت واللعنة"

– "شرق المتوسط- ص149"


فلذلك كُل الشباب العربي رَجَب ذاقوا ما ذاقهُ من إدراك وغضب وثورة وذُل وَتعذيب وسِجن، من حسرة أمٍ وبكاء اُختٍ وفقدان زوجة أو حبيبة ضاق بها الحال، من تيهٍ وغربة ومقاومة ثُم موت في النهاية، لا مفر فأنظمةِ بلدان شرق المتوسط تحكُم على شبابها بالموت حتى لا تترك لهم فرصة اختيار كيفية الموت، فإن كان وطنك هو شرق المتوسط، فاقرأ الرواية حتى تتذكر ما حدث لك، أو تنتظرهُ فهو قادم لا مفر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان