شعار قسم مدونات

واشنطن وأنقرة.. أفتونا في أصل الخلاف

blogs تركيا

ليس المهم أن نصدق كل ما ينطق به الساسة يوميا، فهناك قاعدة أولية تقتضيها اللعبة السياسية على القادة وهي الادعاء أو الكذب بعبارة أفصح، لكن من يحاول أن يفهم.

 

هذه الأيام أسباب الخلاف الأمريكي التركي من خلال متابعة تصريحات الرئيس الامريكي فستعمى بصيرته خاصة أن ترمب برع في سرد تفاصيل ومبررات متناقضة بخصوص الخلاف مع أنقرة في لحظات زمنية متقاربة، وبعيدا عما نشرته بيانات مدققي الوقائع التابعة لصحيفة واشنطن بوست بأن الرئيس الأمريكي بلغ رقما خياليا في الكذب. فلا ريب أن تصرفات هذا الاخير التي تتعدى حدود المنطق   باتت تأذن بقرب تفتت ليس فقط في أسس السياسة الداخلية الأمريكية ’ بل الخارجية أولا، وصارت تهدد تاريخ صورة الزعيمة القطبية أمريكا أمام العالم ’ والدليل ما شوهد مؤخرا من تأرجح بين روايتين متناقضتين حول الأسباب الحقيقة التي دعت لفرض العقوبات الاقتصادية على حليفته في الناتو تركيا.

 

ما يمكن استشرافه في المرحلة القادمة أن تركيا ورغم تضرر الليرة بصفة كبيرة إلا أنها كسبت في هذه المعركة قبل نهايتها، فهي مازالت تبعث برسالة أنها لن تذعن لاستفزازات ترمب وكل المؤشرات تؤكد ذلك

فترمب برر منذ يومين فقط بأن الحرب الاقتصادية المعلنة ليست ذات دواع سياسية بل هي متعلقة بالحفاظ على الأمن القومي الأمريكي ولإنقاذ اسقاط المنتجات الأمريكية المحلية أمام البضائع الوافدة، لكن سرعان ما استأنف بكلام مغاير تماما ليقول إنه لا تراجع عن العقوبات والمزيد منها قادم إذا لم تفرج تركيا عن القس الأمريكي المحتجز لديها منذ ألفين وستة عشر.

 

زد على ذلك ما نقلته للعالم المتحدثة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز من مشاعر إحباط للرئيس بعد تلقي أول رد من تركيا يفيد بعدم الاذعان ورفضها مساومة البيت الأبيض، وهو يؤكد صحة التخمينات القائلة بأن الحرب التجارية القائمة أسبابها سياسية بحتة وحتى وإن اختلفت جوانبها ولم تكن أسبابها مجتمعة في قضية برانسون. فأين أصل الخلاف الحقيقي اذن؟

 

قد تكون الأسباب الحقيقة ليست متعلقة بالإفراج عن القس من عدمه ولكن كما يرجح البعض في الغالب أن التقارب الروسي التركي الإيراني في عدة قضايا هو مرد سخط ترمب على تركيا، خاصة أن هذا الأخير هدد في وقت سابق قادة الاتحاد الأوروبي بأن لعنته ستحل على من يقبل التعاون مع إيران من دون أن يأتي على ذكر تركيا أو يوجه لها تهديد استثنائي خاصة أنها ليست عضوا في الاتحاد الاوروبي بعد.

 

ومن هذه النقطة بالذات ثمة من يرجح إمكانية أن تشمل النقمة الترمبية هذه الدول في قادم المراحل لكن وقد يكون مستبعدا أيضا، فترمب مهزوم حاليا خاصة أنه تلقى صفعة بعد أن تحدث الرئيس أردوعان عن بوادر اتفاقات وحلفاء اقتصاديين جدد عززت ذلك برلين التي صدقت قول أردوغان وتأكيد مستشارتها أنغيلا ميركل على أهمية استقرار الاقتصاد التركي بالنسبة لبلادها إضافة إلى رجل الاقتصاد الرئيس الفرنسي ايمانيول ماكرون أيضا بأن بلاده تعتبر اقتصاد تركيا ذا أهمية واعتبار لباريس.

 

فما يمكن استشرافه في المرحلة القادمة أن تركيا ورغم تضرر الليرة بصفة كبيرة إلا أنها كسبت في هذه المعركة قبل نهايتها، فهي مازالت تبعث برسالة أنها لن تذعن لاستفزازات ترمب وكل المؤشرات تؤكد ذلك، فالرئيس التركي عرف بالثبات في قراراته واعتبار آخر وهو الشعب التركي الذي له تاريخ سابق في الفزع والتصدي لكل من يمس من بلاده كي لا نقول حكومته.

 

على عكس تناقضات ترمب في التصريحات العليلة التي لا ريب أنها ستؤول لهزيمته خاصة أن هذا الأخير ربما لحد كتابة هذا المقال مازال يتلقى ضغوطا من قبل التجار الأمريكيين الذين تضررت مبيعاتهم بسبب تعجرف قائدهم الأهم من ذلك تلقيه رسالة مفادها أن تركيا بعد أيام قليلة من عقوباته كسبت وتكسب دعما دول عدة غربية وعربية’ في وقت تلقت فيه إداراته هو رسالة شفهية فصيحة وصريحة من الرئيس أردوغان " بأن من يفكر أن تركيا ستركع هو غبي وأحمق "

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.