شعار قسم مدونات

هل نحن بحاجة لمزيد من المقاومة لإفشال صفقة القرن؟

blogs مسيرات العودة

لقد مثل سن قانون الدولة القومية لليهود حصادا طبيعيا لمسارات التنازل على مدى عقدين ونصف من الزمن غيرت خلالها النخبة السياسية الفلسطينية الحاملة لمشروع التحرير وجهتها وطريقها فتخلت عن سلاح المقاومة وحملت بدلا عنها محافظ التفاوض، في الوقت الذي كانت إسرائيل تربح الوقت وتفرض واقعا متصاعدا لا يضاهيه إلا خطوات إبليس في غواية ابن آدم من حيث اغتصاب حقوق الفلسطينيين بداية من تحويل القضية الصراعية العقائدية الوجودية إلى مجرد نزاع بين الفلسطينيين واليهود وعزل العرب والمسلمين وإبعادهم عنها، إلى الخفض الرهيب في مطالب الفلسطينيين وقصرها على دولة حدود 67 مقسّمة بين الضفة والقطاع بمساحة ضئيلة جدا.

 

من ثم أحالها الاستيطان اليهودي إلى خريطة افتراضية موبوءة بالمستوطنات السرطانية، وعاصمة تنحصر في القدس الشرقية والتي سقطت بعدما نقل ترامب سفارة دولته إلى القدس باعتبارها حسب زعمه عاصمة موحدة لإسرائيل، وعودة اللاجئين الذين يبدو أن قضيتهم لن تجد لها حلا في المدى المنظور في إطار ما يسمى بمسار التسوية، وصولا إلى بناء الجدار العازل الذي قبر واقعيا حلم بناء دولة فلسطينية في إطار نظرية حل الدولتين التي تبين بأنها مجرد أداة للإلهاء ليس إلا.

 

وانتهاءً إلى قانون يهودية الدولة الذي لم يزد عن كونه وضعا للممارسات الواقعية الإسرائيلية في حيز القانون الجنائي الإسرائيلي حتى يتمكن القضاة من إصدار أحكام في صالح اليهود الهدف منها حماية مشاريع صهيونية أصبحت تشكل صداعا للساسة الإسرائيليين داخليا من خلال معارضة الفلسطينيين لها وخارجيا عبر الإدانة الدولية على غرار الاستيطان وتهويد القدس وتعزيز القومية اليهودية وجعل باقي الأعراق مواطنين درجة ثانية أو مجرد لاجئين ورعايا.

لقد حدث كل هذا وغيره كثير من الممارسات بعدما تخلى ثوار التحرير الفلسطينيين عن سلاح مقاومتهم الذي كان يصنع واقعا على الأرض يكف الواقع الصهيوني عن غيه ويقمع شره ويرد عدوانه، فأصبح الواقع الصهيوني وفقا لمخرجات مسار التسوية شرعيا وبات واقع الفلسطينيين حالة طارئة تحتاج إلى حل وجب عليها انتظار أوانه المجهول وأجله غير المسمى وتحمل أمزجة الساسة الإسرائيليين على مدار ربع قرن، ولا تلوح في الأفق إمكانية للتوصل إلى أي شيء ملموس في صالح الفلسطينيين كان الإسرائيليون قد وعدوا به أو أبدوا حياله تنازلا ؛ سواء كان ذلك بشكل طوعي أو تحت ضغط "الراعي الأمريكي"، بل على العكس من ذلك وخصوصا في ظل الحكومات اليمينية المتطرفة التي أبانت عن عقلية الصهيوني المماطلة والمخادعة ونواياها الماكرة المبيتة طوال تاريخ تفاوضهم مع الفلسطينيين.

تبين أن الفرس والعرب قدسهما في القصير وفلسطينهما في سورية فأضحى ما دون الحدود الجنوبية الغربية مستباحا إلى القنيطرة وما وراءها منيع الحصون ممنوع الاجتياز إلى الجولان المحتل

وبعدما تأكد للصهاينة تمكنهم من الزج بالجزء الأكبر من القضية الفلسطينية في سراديب مساراتت التسوية المظلمة اتجهت أنظارهم إلى الجهة العصية على التدجين في غزة الصامدة حيث لا يزال الواقع الفلسطيني متشبثا بالبقاء وملتزما بحقوق الفلسطينيين، متمترسا خلف سلاح المقاومة الذي لا يفرض توازنا للقوى بقدر ما يرجح كفة الرعب لصالح أصحاب الحق التاريخي فيصنع واقعا يستنشق الفلسطينيون من خلاله نسائم الحرية والنصر على عدوهم الغاصب، ضاربا بجذوره في عمق تاريخ القضية الفلسطينية وشاهرا في وجه جلاديه لواء عدالتها وأحقيتها، لا يهادن ولا يتنازل.

 

وبدأ اليهود في اللعب على المتغيرات الهشة في الداخل الفلسطيني المستندة إلى حصيلة التنازل ومغبة الثقة العمياء في مزاعم المفاوض اليهودي ؛ بدءا بمسألة المصالحة بين الفلسطينيين والعمل على تأبيد الانقسام وتأزيم القضايا العالقة كحل الدولتين والقدس واللاجئين، والتأرجح على معطيات العمالة في المحيط الإقليمي العربي حيث يرتقي في الحضيض مستوى الخدمات على محور الشر العربي "السعودية – الإمارات – مصر" ويروج لعلاقات بينية مستقبلية مع إسرائيل أساسها مزيد من التنازل تُتوِّجه على مؤخرة المذلة صفقة مهينة تبيع فلسطين وما وراءها بغبار المال، لا بل تتطاول دول هذا المحور الآثم مشرئبة أعناقها إلى سلاح المقاومة تريد اختطافه بحيل صبيانية تارة عبر تصنيف حماس ونعتها بالإرهابية وأخرى من خلال ترهيب الفلسطينيين وتوعدهم بالويل والثبور إن هم رفضوا مقتضيات صفقة العار بالتنازل عن أرضهم لليهود والقبول بالتهجير الطوعي إلى وجهة تشير المصادر المطلعة على وثائق الخيانة أنها ستكون باتجاه سيناء التي لا يكل الممعن في التنازل عن الأرض عن تهجير أهلها وقتلتهم واستباحة حرماتهم باستخدام مسوغ القرن ومبرر العصر "محاربة الإرهاب" التهمة الجاهزة.

وفي الجهة الشمالية الشرقية من فلسطين يبدو أن مدعي المقاومة وأسدها المنقض على شعبه وزعيم الممانعة وبشارها الفخور بإباحة سوريا العروبة للمحتلين من روس وفـرس؛ لا يتقدم قيد أنملة باتجاه مهوى كل مقاومة ومهبط كل ممانعة فأصبح يقاوم المقاومة بتهجيره لشعبه وقتاله إياه وخذلانه للقضية المركزية التي صدع الرؤوس بخطبه العصماء التي لا يكل فيها عن ترديد قصص بطولات جيشه الورقي وهو يخوض معاركه الخرافية لنصرتها.

في الوقت الذي أدار ظهره للمقاومة في غزة بعد موقفها المناصر لإرادة الشعب السوري في الحرية والكرامة، وفي آخر معاركه الحاسمة ها هو ينال رضى نتنياهو عنه بوصفه جارا مثاليا لم يشهد منه ما يضير الضمير أو يكدر الخاطر، فباتت الممانعة ممنوعة، وكذا فعل حليفاه من الفرس والعرب اللذان تبين أن قدسهما في القصير وفلسطينهما في سورية فأضحى ما دون الحدود الجنوبية الغربية مستباحا إلى القنيطرة وما وراءها منيع الحصون ممنوع الاجتياز إلى الجولان المحتل الذي تصر ضمائر مانعي المقاومة أن يظل في حيازة المحتل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.