شعار قسم مدونات

إضعاف الأونروا.. هل تمهد أميركا لصفقة القرن؟

blogs الأنروا

غني عن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه، وتحول النظام العالمي إلى نظام القطب الواحد، ومن ثم النظام العالمي الجديد الذي ابتدعته أمريكان وبسطت سيطرتها على العالم من خلاله. وغني عن القول أيضًا أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أداة من أدوات المجتمع الدولي- الذي يقوده الولايات المتحدة- تُستخدم للعبث بالقضية الفلسطينية، خاصة في ظل اعتماد موازناتها المالية السنوية على التبرعات والهبات التي تتحكم فيها الولايات المتحدة بوصفها أكبر الجهات المانحة دوليًا لموازنات وأنشطة الأونروا.

 

فكيف تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الأونروا وأزماتها المالية التي بدأت تظهر على السطح، وباتت تهدد الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في أرزاقهم وأقوات عائلاتهم. يمكن القول أن أمريكا تتعامل مع هذه الأزمة وفق المحددات التالية: صناعة الأزمة.. إدارة الأزمة.. حل الأزمة، ونشير إليها بما يلي:

 

صناعة الأزمة:

كانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر جهة مانحة في عام 2013، وتجاوزت مساهماتها مبلغ 130 مليون دولار، ويأتي بعدها الاتحاد الأوروبي الذي منح أكثر من 106 مليون دولار. وشكلت تلك التبرعات حوالي 45 في المئة من إجمالي الواردات التي حصلت عليه الأونروا. في عام 2018 جمدت الولايات المتحدة الامريكية تقديم 125 مليون دولار، من مساهمتها في ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).

 

فيما تقف الأطراف المعنية عاجزة عن فهم ما يحدث، وعاجزة عن التفكير في طرق مواجهة هذه الأزمة، تبدأ الولايات المتحدة بإدارة هذه الأزمة عبر تقديم بعض التوجيهات للأونروا

ونقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين أن إدارة الرئيس ترامب أبلغت الأمم المتحدة أنها جمدت مبلغ 125 مليون دولار كان من المقرر دفعها في الأول من الشهر الجاري، إلا أنها قد جمدت. ووفق المسؤولين الثلاثة الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم نظرا للحساسية السياسية، فإن الأمر مرهون بموقف السلطة الفلسطينية، حيث إن رفض السلطة استئناف المفاوضات سيدفع إلى عقوبات مالية عليها من جانب واشنطن، ومن ضمن العقوبات وقف المساهمة في ميزانية الأونروا.

 

ناهيك عن سطوة الولايات المتحدة التي تجعلها تفرض على بعض الدول تقليص دعمها السنوي لميزانية الأونروا، وهنا تكون الولايات المتحدة الأمريكية صنعت الأزمة وجعلت الأطراف المستفيدة من خدمات الأونروا في حيرة من أمرها، وتنتظر ماذا سيحدث؟

إدارة الأزمة:

فيما تقف الأطراف المعنية عاجزة عن فهم ما يحدث، وعاجزة عن التفكير في طرق مواجهة هذه الأزمة، تبدأ الولايات المتحدة بإدارة هذه الأزمة عبر تقديم بعض التوجيهات للأونروا، أو لأطراف أخرى، على شاكلة تأجيل قرار تجميد مساهماتها إلى إشعار آخر شريطة أن توجد الأونروا حلولًا جذرية لنفقاتها التي تتصاعد.

هنا سيخرج من يوحي للأونروا بالعمل على تقليص النفقات سواء عبر تقليص عدد الموظفين، أو تخفيض كمية المساعدات التي توزع شهريًا للاجئين الفلسطينيين في أماكن عمل الأونروا الخمسة، وتحديدًا في غزة، -وهو للعلم فقط ليس وليد الأعوام الثلاثة الأخيرة، بل هو عمل مستمر منذ أكثر من 35 عامًا- وهذا بالطبع ما سيزيد الأمور تعقيدًا وتتصاعد الأزمة وفق رغبة الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى.

عند هذه اللحظة بالذات وحسب المخطط الأمريكي، سينتقل التفكير لدى المتضررين من تقليص خدمات الأونروا إلى أسلوب وضع الحلول والخيارات والسيناريوهات، والانشغال بما هو آت. وسيستغرق منهم ذلك وقتًا كبيرًا مزيدًا من الاحتجاجات والإضرابات التي لن تضر إلا بهم وبأبنائهم وحدهم، قبل أن تصدمهم الولايات المتحدة الأمريكية بأفكار أخرى جديدة لم تكن تخطر على بال أحد منهم، وهو ما يسمى بحل الأزمة، وذلك بإعلان مجلس الشيوخ الأمريكي عزمه إعداد قانون يعمل على إعادة تعريف وتحديد اللاجئ الفلسطيني وفق الرؤية الأمريكية، والذي سيتم الترويج له على أساس ضمان استمرار عمل الأونروا، فيقع المتضررون بين خياري استمرار الأونروا بأقل الإمكانات- وهو ما يعني الرضا بالتضحيات والخسائر التي ستطالهم في أرزاقهم وأقواتهم- أو غيابها إلى الأبد.

يبقى حق العودة حقًا مقدسًا للفلسطينيين، وهو حق يورث في الفكر السياسي الفلسطيني الجمعي، ولن يغير هذا الحق قرار أممي أو أمريكي هنا أو هناك ما دام الفلسطينيون متمسكون بهذا الحق
يبقى حق العودة حقًا مقدسًا للفلسطينيين، وهو حق يورث في الفكر السياسي الفلسطيني الجمعي، ولن يغير هذا الحق قرار أممي أو أمريكي هنا أو هناك ما دام الفلسطينيون متمسكون بهذا الحق
 

نشير هنا إلى أن تعريف الأونروا نفسها للاجئ الفلسطيني كان: "اللاجئون الفلسطينيون هم أولئك الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران/ يونيو 1946، حتى أيار/ مايو 1948، والذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948″، دون إشارة إلى ذرياتهم، وهو ما سيستند إليه قانون مجلس الشيوخ الأمريكي الجديد.

 

حل الأزمة:

الحل الذي تعرضه الإدارة الأمريكية إذن هو الرضا والقبول بتقليصات الأونروا في كافة الاتجاهات، وإلا فإن الأونروا ستتوقف عن العمل، وهو ما يعني –حسب الترويج الأمريكي والصهيوني وبعض المغيبين العرب- غياب الشاهد الوحيد على النكبة، وبالتالي الخشية على حق العودة وعلى إنهاء قضية اللاجئين بتغييب الأونروا.

تُرى: هل يضيع حق العودة أو يغيب إن غابت الأونروا؟ وهل الأونروا وحدها هي الشاهد على النكبة؟ فأين اللاجئون إذن وأين قراهم ومدنهم التي هُجروا منها، وأين مفاتيح بيوتهم التي بقيت شاهدة على إخراجهم عنوة، وأين ذكرياتهم وأحاديثهم عن بلداتهم التي ولدوا فيها، وعاشوا فيها أجمل أيام العمر. يبقى حق العودة حقًا مقدسًا للفلسطينيين، وهو حق يورث في الفكر السياسي الفلسطيني الجمعي، ولن يغير هذا الحق قرار أممي أو أمريكي هنا أو هناك ما دام الفلسطينيون متمسكون بهذا الحق الذي يؤمنون بتحقيقه ولو بعد حين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.