شعار قسم مدونات

عديمي الجنسية من منظور القانون الدولي

blogs الباسبور

يٌقدر عدد الأشخاص عديمي الجنسية في العالم بأكثر من 10 ملايين شخص حسب تقديرات الأمم المتحدة من خلال المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو عدد يبقى تقديري في غياب إحصاء دقيق لهذه الفئة من الأشخاص التي تعاني وتحرم من أبسط الحقوق.

إن الجنسية باعتبارها رابطة قانونية بين الفرد والدولة عن طريقها يصبح الفرد مواطنا يتمتع بحقوق المواطنة داخل الدولة التي يحمل جنسيتها، لها أهمية قصوى في حياة الأفراد. ولذلك تعتبر الجنسية حق من الحقوق الأساسية للإنسان، وعدم توفر الفرد على جنسية له آثار قانونية سلبية وخيمة، فالجنسية تمنح حاملها شخصية قانونية تجعله منه مواطن الدولة، له حقوق وعليه واجبات، حيث تمنح الشخصية القانونية للفرد عن طريق الجنسية ممارسة جميع الحقوق والحريات التي يكفلها دستور الدولة وقوانينها، وانعدام الجنسية لدى الفرد يؤدي إلى النقيض من ذلك، فيجرد من حقوق المواطنة، فيجد صعوبة للولوج إلى التعليم، وإلى الحصول على العلاج والتطبيب، ويحرم من الحصول على الشغل، ومن كافة الحقوق الأخرى التي تمنحها الجنسية.

إن انعدم الجنسية لدى الأشخاص هي ظاهرة عالمية، وهي في تزايد مستمر، ويرجع وجود أشخاص بدون جنسية لعدة أسباب، وعلى رأسها القوانين والتشريعات الداخلية للدول، فتوجد العديد من الدول التي تقر تشريعات تمييزية ومقتضيات تؤدي إلى وجود أشخاص بدون جنسية– مثلا لا تسمح القوانين في 27 بلد للمرأة بمنح جنسيتها لأطفالها (مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) – ووجود حالات لأطفال عديمي الجنسية في الدول التي لا تكتسب فيها الجنسية إلا على أساس النسب، كما تنص التشريعات أيضا على حالات فقدان الجنسية وتجريد الأشخاص منها، ولأسباب متعددة بما فيها الأسباب السياسية، ما يجعل هؤلاء الأشخاص ينتقلون إلى حالة عديمي الجنسية. بالإضافة إلى النزاعات والحروب التي تضطر العديد من الأشخاص للهروب والسقوط بالتالي في حالة انعدام الجنسية، وكذلك الهجرة غير القانونية وانتقال الأفراد بشكل غير شرعي بدون وثائق إثبات هوية.

لقد انتبه المنتظم الدولي مبكرا لخطورة هذه الظاهرة، وتم إقرار سنة 1954 اتفاقية دولية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية، وهي الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في يونيو 1960 وفقا لأحكام المادة 39، واعتمدت الاتفاقية مرجعا لها كل من ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من خلال التأكيد على مبدأ وجوب تمتع جميع البشر، دون تمييز، بالحقوق والحريات الأساسية.

رغبة من المنتظم الدولي لمواجهة ظاهرة عديمي الجنسية والحد من الحالات التي تؤدي لها، صدرت اتفاقية دولية أخرى سنة 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية

وعرفت الاتفاقية من خلال المادة الأولى عديمي الجنسية على أنه الشخص الذي لا تعتبره أية دولة مواطنا فيها بمقتضى تشريعها. فالمنطلق من اعتبار شخص ما عديم الجنسية حسب الاتفاقية هو التشريع الداخلي للدول، فمعلوم أن تنظيم الجنسية من حيث شروط اكتسابها يخضع للسلطان الداخلي للدول وفق نظامها القانوني الذي يحدد ضوابط تكوين الشخصية القانونية، وذلك من منطلق مبدأ السيادة الذي تتمتع به كل دولة قائمة والذي يعتبر بدوره مبدأ أساسي من المبادئ الأساسية المكرسة بمقتضى القانون الدولي.

وكما أن الاتفاقية تدقيقا في التعريف اعتبرت أن الأشخاص الذين تعتبر السلطات المختصة في البلد الذي اتخذوه مكانا لإقامتهم أن لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات ما يلازم حمل جنسية ذلك البلد، لا ينطبق عليهم التعريف وبالتالي لا تطبق عليهم الاتفاقية، ذلك أن منح الإقامة هو إطار قانوني للاعتراف بالشخصية القانونية للفرد ومنحه نفس حقوق المواطنة الممنوحة للمواطن الحامل للجنسية، بخلاف عديم الجنسية الذي لا يتمتع بأي شخصية قانونية تؤهله للتمتع بحقوق المواطنة.

ونصت مقتضيات الاتفاقية على العديد من الأحكام لفائدة عديمي الجنسية، التي يتعين على الدول الأطراف في الاتفاقية تطبيقها واحترامها دون تمييز من حيث العنصر أو الدين أو بلد المنشأ. ومنها ما يرتبط بالإقامة، وبالحقوق الاجتماعية والاقتصادية كالحق في العمل والضمان الاجتماعي، وحق ملكية الأموال المنقولة وغير المنقولة، وبالحريات الأساسية، كحرية التنقل، وحرية الانتماء للجمعيات، وحق التقاضي أمام المحاكم، وبالحقوق الفنية والملكية الصناعية. ورغبة من المنتظم الدولي لمواجهة ظاهرة عديمي الجنسية والحد من الحالات التي تؤدي لها، صدرت اتفاقية دولية أخرى سنة 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية، وهي الاتفاقية التي دخلت حيز النفاذ في ديسمبر 1975 طبق أحكام المادة 18 من الاتفاقية.

رغم أن هناك من الدول من بادرت إلى ملائمة قوانينها المتعلقة بالجنسية مع ما نص عليه القانون الدولي، فإنه في المقابل هناك العديد من البلدان التي ما تزال قوانينها وتشريعاتها تكرس التمييز ضد عديمي الجنسية
رغم أن هناك من الدول من بادرت إلى ملائمة قوانينها المتعلقة بالجنسية مع ما نص عليه القانون الدولي، فإنه في المقابل هناك العديد من البلدان التي ما تزال قوانينها وتشريعاتها تكرس التمييز ضد عديمي الجنسية
 

نصت هذه الاتفاقية على حالات قانونية عديدة كانت تصنف ضمن حالة انعدام الجنسية، وأضحت بموجب الاتفاقية خارج نطاق هذه الحالة، وأسست الاتفاقية للجنسية على أساس الرابطة الترابية. ومن المقتضيات المسجدة لهذه الرابطة ما نصت عليه المادة الأولى من الاتفاقية، من خلال التنصيص بمنح كل دولة متعاقدة (طرف في الاتفاقية) جنسيتها للشخص الذي يولد في إقليمها ويكون لولا ذلك عديم الجنسية. ومنح الطفل المولود في رباط الزواج في إقليم الدولة المتعاقدة من أم تحمل جنسيتها، هذه الجنسية لدى الولادة إذا كان سيغدو لولا ذلك عديم الجنسية. كما اعتبرت الاتفاقية الطفل المولود على متن باخرة أو طائرة مولودا في إقليم الدولة التي ترفع الباخرة علمها، أو التي تكون الطائرة مسجلة فيها.

إن هذه المعايير الدولية المكرسة في الاتفاقيتين ما هي إلا معايير دنيا لمعاملات عديمي الجنسية، من المفترض أن الدول تقرها في تشريعاتها، وخاصة منها الدول الأطراف في الاتفاقيتين. وعلى أن حق الجنسية سيتم تكريسه أيضا بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال العديد من الاتفاقيات الدولية المكونة لهذا القانون، ومنها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة 1965 التي نصت المادة الخامسة على الحق في الجنسية من بين الحقوق التي تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية بضمانها دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني. والمادة السابعة من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي نصت فقرتها الأولى على أنه يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية.

ورغم أن هناك من الدول من بادرت إلى ملائمة قوانينها المتعلقة بالجنسية مع ما نص عليه القانون الدولي، فإنه في المقابل هناك العديد من البلدان التي ما تزال قوانينها وتشريعاتها تكرس التمييز ضد عديمي الجنسية، وتساهم في توسيع حالات انعدام الجنسية، حتى هناك من الدول من تمنح وثائق تحدد وضعية الشخص القانونية على أنها بدون جنسية، وهو ما له آثار حتى على الجانب النفسي للشخص الحامل لهذه الوضعية، نهيك عما يشكله ذلك من انتهاك لحقوق الإنسان، وتنافي مع مقتضيات القانون الدولي، ومع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.