المرأة كما يجب أن تكون في عالمهم.. ناضلي، اصبري، ضحّي من أجل عائلتك ولا تغمضي جفنيك إلا وكل أفرادها نيام في هدوء وطمأنينة، أجّلي طموحاتك وآمالك وأحلامك من أجل زوجك وابنك البارّ وغضي النظر عن تلميحات حماتك ولا تحركي ساكنا لاستفزازات أخوات ربّ منزلك ثم لملمي شظاياك وابتسمي ولو كنت معنَّفة. تجاهلي تلك التفاصيل التي لا ترى بالعين المجردة، ما الذي سينقصك لو قدّم مصروفك اليومي الى أخيك هذا الصباح؟ وما الذي يزعجك في تركك رهينة المنزل أن لم تتوفقِ في الدراسة؟ فمشروع أخاك العاشر من نوعه أهم وأبلغ قيمة من مستقبلك. لما أنت أنانية؟ هل تأبين غسل أطباقه المستعملة؟ هل ترفضين مناولته ذلك الكأس الذي يكاد يصطدم بشفتيه لدرجة قربه؟ لا تتذمري أرجوك فقد بلغ أوج تعبه، أرهقه الجلوس في المقاهي والتعويل على والده المريض، خارت قواه من كثرة الوعود الوردية التي يزرعها داخل خطيبته، باتت الراحة تزعجه وبدأ التفكير ينهشه.
مازلنا للأسف نعالج مدى استحقاق المرأة لتفاصيل بسيطة لعلّ ذكرها في مجالس الغرب مهزلة، وها هي إلى حد الساعة تحارب وتقاوم وتجادل من أجل فرض ذاتها في مجتمعها |
عالم المرأة كما يجب أن يكون
ما سبق نقطة في بحر ترهات كثيرة نسمعها كل يوم، نعيشها منذ ولدنا إناثا، تأقلمت معه الكثيرات، الملايين من النساء وصارت حياتهن تمضي على هذه الشاكلة، لم ترضخ آلافهن وصرن شوكة في حلق كل مظاهر التمييز بين الجنسين أو المجتمع الذكوري بأصح العبارة، مازلن يجادلن ويتخبّطن داخل محيط صعب المراس، محيط يتطاول فيه الشاب العشرينيّ على سمعة بنات وطنه، ينشر تغريدات ويعلّق وينسخ ويلصق لمزيد التأكيد على بشاعتها شكلا ومضمونا وفي المقابل يتهافتون على العجوز الأوروبية ذات الثمانين عاما غير آبهين بصورة مثيرة للإشمئزاز رسموها لأنفسهم وباركها أولياؤهم.
ما الذي يجعلك ترضين بتقاضي أجر يقل عن أجره ولو مليما طالما أنكما تعملان سويّا؟ من أين لك بالهدوء الذي يجعلك تتمالكين نفسك في الحافلات وفي الشوارع والمحلات ومحطات القطار وحتى في الشركات المحترمة والمكاتب الأنيقة عند تعرضك للتحرش؟ كيف تنسحبن في خجل وتردّد عندما تتلامس أجسادكم، عندما تقترب منكن أنفاسهم الكريهة؟ كيف تمنعن أنفسكن عن الغضب والصراخ وتتبعهم قانونيا مادام القانون يحميكن؟ لا شكّ أن كل هذه التساؤلات تجول مرارا وتكرارا في رأس عديد النساء اللائي لا يحترمن أنصاف الرجال ولا يخضعن إلى قواعد المجتمع البالية، قواعد حالت دون الإعلاء من شأن المرأة مهما تشبثت بالعلم بكلتا يديها، مهما نحتت معالم مشرفة ومهما اتخذت أظافرها معولا تطيح به احكام اللامساواة. مازلنا للأسف نعالج مدى استحقاق المرأة لتفاصيل بسيطة لعلّ ذكرها في مجالس الغرب مهزلة، وها هي إلى حد الساعة تحارب وتقاوم وتجادل من أجل فرض ذاتها في مجتمعها وها هي الأجيال النابعة من الفكر الذكوري تولد وتترعرع كل يوم.
أليست معادلة جدّ صعبة أن تكون على يقين بتلك المكانة المهولة التي يحتكرها شخص ما داخل عالمك الصغير ولكنك تصرّ بعناد على تجاهله والتقليل من شأنه؟ هل من العدل أن تلعب هي يومياً دور الأخطبوط دون سماع كلمة ثناء واحدة؟ من الأرجح أنّكَ في هذه النقطة ستتوقف برهة، ثم ستنتصر كعادتك لذلك الإرث البالي الذي يتناقله مجتمك على حساب الأنثى كائنا من كانت.
ستفكر وتفكر ثم تهتدي الى قوله تعالى:”الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ولتدعّم فكرتك أكثر ستضيف: ”ناقصات عقل ودين". ثم ستتطرق الى “وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ” من سورة البقرة لتمر بسورة النساء في قوله تعالى: ”وَاضْرِبُوهُنَّ..” دون أن تنسى “إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ". عدد لا بأس به من الرجال في وطننا العربي يلجأ إلى استحضار آيات قرآنية محددة عندما يعجز عن الإقناع بقدراته الجبارة والغريب في الأمر أن كمّا كبيرا من النساء مقتنعات بذات المبدأ. ما يحزّ في النفس أن هؤلاء ينسون أو يتناسون الدين وتعاليمه وأوامره ونواهيه في ممارساتهم اليومية، إذ تجده يتذمر ويسب ويلعن ويتطاول على الناس متجاهلا أن الكتاب المقدس الذي يقتطف منه ما يتماشى مع مصالحه الذكورية – دون فهم او تعمق- هو نفس الكتاب الذي أمره أن يتقي الله ويعامِل الناس كما يريد أن يعامَل ويؤسفني القول ألف مرة أن عدوّ المرأة نفسها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.