لست من مدمني متابعات الأفلام والمسلسلات؛ لكني من حين لآخر، يثيرني الفضول بغية الاطلاع على بعض الأعمال التي استشرت بين الناس مثل النار في الهشيم، فتجد لصداها ضجة بين المتتبعين، من نقاد، ومشاهدين من فئام الناس العاديين على حد سواء، فأجد رغبة في نفسي تلح علي وتدفعني بشكل جنوني، للبحث والاستقصاء، عن سبب انتشارها بهذا الشكل المهول، خاصة وأن معظم تلك الأفلام أو المسلسلات غالبا ما يكون هناك الكثير غيرها مما يفوقنها من حيث الصناعة الفنية، وتقييم النقاد لها.
لذلك ربما هذا الأمر يدفني كما غيري كثير، للتساؤل حول أسباب انتشارها بهذا الشكل المفزع، ثم ما السبب في تصدر العرب لمشاهدة أمثال هذه الأفلام الأجنبية، وربما أكثر من الأجانب أنفسهم؟ ولمن تنتج هذه الأفلام بالأساس؟ وما الهدف من مشاهدتها سواء للمواطن الأجنبي أو العربي؟
أسئلة كثيرة تثار في ذهننا ونحن نلاحظ هذه الظاهرة المستشرية، لا أظن أن هناك من لم يطأ سمعه صدى اسم المسلسل الأمريكي "لعبة العروش" أو "صراع العروش"، والمسلسل الإسباني الذي يحمل اسم "بيت من ورق" والمسلسل الأمريكي أيظا "اختلال ضال"، وغيرهم كثير، نلاحظ أنه ليس هناك شيء يجمع بين هذه المسلسلات غير مشاهد؛ العنف الوحشي؛ والجنس الحيواني؛ ومظاهر العري المبتذلة.
أعتقد أن إقبالنا الكبير على هاذه المسلسلات يدل على تعطشنا لمثلها، وكأنه لم يعد ينقصنا إلا مشاهد العنف، والعري، دون أن نلاحظ أننا أصبحنا نشاهده صباح مساء على نشرات الأخبار، ولا يغير فينا ذلك شيء |
مسلسل لعبة العروش المقتبس من رواية تحمل نفس الاسم للمؤلف جورج آر، الكاتب والروائي الكبير، اشتهر بسلسلة أغنية الجليد والنار؛ الملحمية والفنتازية، التي كان المسلسل أحد أجزائها، انتشر في جميع أسقاع العالم، ويعود سبب هذا الانتشار ربما لعدة أمور، حبكته المتقنة، التصوير الجيد، إختيار المواقع الأثرية، بل وربما موضوعه الجديد القديم، الصراع من أجل السلطة، وبذل كل شىء بغية الظفر بها، الفضل في نجاح المسلسل ربما يعود إلى كاتب الرواية والتي كتبت على شكل مسلسل، أي أنها كانت شبه سيناريو لمسلسل ما، وقد ساعده في ذلك مهنته السابقة كمخرج أفلام قبل أن يعتزل، فمنحته الرواية ما لم تمنحه السينما، لكن هذا لم يمنعه من تلقي ردود فعل سلبية، من طرف النقاد والمشاهدين، لما تضمنه المسلسل من عنف، ومشاهد جنسية، ربما كان في غنى عنها حتى يوصل فكرته، ورغم هذا فإن نسب المشاهدات ارتفعت بشكل كبير في المواسيم الأخيرة، كما حاز على عدة جوائز، وربما لتضمنه تلك المشاهد لم لا!
أما المسلسل الإسباني "بيت من ورق"، أو بيت المال، فهو بدوره لقي إقبالا كبيرًا لدى جمهور المشاهدين خاصة العرب، يحكي المسلسل عن أكبر سرقة وقعت في التاريخ، والتي يقوم بها رجل ذو شخصية غامضة يدعى "البروفيسور" يستعين بتجنيد ثمانية أشخاص بطريقته لأجل هاذه المهمة، ما إن تشاهد حلقة واحدة حتى تجد نفسك تترقب باقي الحلقات بحماس كبير، يستحوذ على المشاهد بشكل كبير ويجذبه؛ ربما لقلبه لعبة السرد الحكائي، حيث يصبح هنا كسب المزيد من الوقت في صالح اللص، وليس في صالح الشرطة، كما أنه يقوم على فكرة تولد الخير من داخل الشر، كما لا نغفل تسلسل الأحداث بشكل شيق، فكان ناجحا بشكل كبير إلى حد ما، حيث حصل على تقييم 8.8 على موقع IMDB.
أما المسلسل الأمريكي؛"اختلال ضال" من تأليف وإنتاج فينس غيليغان، والذي يحكي قصة "والتر وايت" معلم بالثانوية يدرس مادة الكيمياء، حيث يكتشف أنه مصاب بسرطان الرئة غير قابل للعلاج، ليفكر في مستقبل عائلته المادية ومن ثم يقرر الانتقال إلى عالم الجريمة حيث يبدأ في إنتاج وبيع منشط "الميث"، بمساعدة من تلميذه السابق، أول جزء من المسلسل أصدر سنة 2008م أما الموسم الخامس والأخير كان 2013، لقي المسلسل إشادة من طرف النقاد فاعتبره البعض أفضل مسلسل درامي على الإطلاق حيث قيم الموسم الأخير منه بنسبة 99 بالمئة .
بعد هذا السرد يمكن أن نعيد التساؤل: تر ما هو هدف منتجي هذه الأفلام؟ وهل نحن كعرب في حاجة إلى دروس جديدة في العنف والمشاهد الجنسية كي نتلقاها من مثل هاذه الأفلام؟
نبغي على منتجي الأفلام والمسلسلات أن يعالجوا هذه المواضيع بما يتوافق وقيمنا بذل التغاضي عنها أو الارتماء في أحضان الآخرين بغية إرضائهم، فلو نظرنا إلى السينيما العربية فلن نجد ما يفيد، أو يغني المشاهد العربي |
أعتقد أن إقبالنا الكبير على هاذه المسلسلات يدل على تعطشنا لمثلها، وكأنه لم يعد ينقصنا إلا مشاهد العنف، والعري، دون أن نلاحظ أننا أصبحنا نشاهده صباح مساء على نشرات الأخبار، ولا يغير فينا ذلك شيء، إخواننا يقتلون بدم بارد، ونحن كأننا نشاهد فيلما على قناة نتسلى به، ولا نطرح على أنفسنا سؤالا ماذا نستفيد من هاذه الأفلام؟ التي لا تحتوي على شيء أكثر من العنف، والجنس، وقلب للحقائق سواء فلسفية، اجتماعية، أو حتى تاريخية، والتي لا نعلم نحن عنها شيئا، لكنها تقدم لنا على طبق من سمن وعسل، فنجدها سائغة للبلع، دون التساؤل عن مدى صدقها أو كذبها.
حتى جيلنا اليوم أصبح مصدره الوحيد للمعرفة هو هاذه الأفلام، حتى في أمور الدين، فاليوم لو سألت طفلا، أو شابا عن نبي، أو حادثة ما وقعت في التاريخ الإسلامي، لا تعتقد أنه سيحيلك على كتب الطبري أو ابن كثير، بل أول شىء سيتذكره ربما هو ذاك الفيلم الأجنبي الذي شاهده يشخص هذا الموضوع، ولا يعلم أن هذا الفيلم لا يحكي من الحقيقة شيئا، وإنما هو قلب لتلك الحقائق وتزييف لها.
لكن السبب الرئيسي في هذا يعود الى ضعف الشباب العربي في البحث عن الحقيقة، من خلال القراءة التي تسجل أدنى مستوى عندنا، كما أن السبب يعود إلى العرب والمسلمين عموما، في إنتاج أفلام ذات محتوى هادف، تشخص التاريخ وتحكي الحقائق، وتقدم البديل للمشاهد العربي، وتقدم الأحداث بشكل صحيح خال من التغيير والتزييف الممزوج بنظرة الحقد والاحتقار والتي لا تخلوا منها غالب الأفلام التي يقدمها الآخر، و تحاول أن تصحح كذلك ما حرفه الغرب لمصالحه الشخصية، من طمس لماضي المسلمين وتشويه له؛ لذلك ينبغي على مفكرينا أن يضعوا هذا الأمر ربما من أولى اهتماماتهم، وكذلك ينبغي على منتجي الأفلام والمسلسلات أن يعالجوا هذه المواضيع بما يتوافق وقيمنا بذل التغاضي عنها أو الارتماء في أحضان الآخرين بغية إرضائهم، فلو نظرنا إلى السينيما العربية فلن نجد ما يفيد، أو يغني المشاهد العربي، فلذلك لا يجد بدا من متابعة هاذه المسلسلات والتي تضر أكثر مما تنفع، بل وربما هي السبب في الكثير من الجرائم التي تعاني منها المجتمعات العربية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.