تسعى الحكومة اليمنية إلى تنفيذ مزيدا من مشاريع محطات توليد الكهرباء في البلاد كمشروع محطة كهرباء وادي حضر موت، ومشروع كهرباء محافظة لحج، وهي كلها مشاريع تعتمد على الوقود الإحفوري والذي يعد المصدر الأساسي للطاقة في البلاد. لا تدرك الحكومة تبعات الاعتماد الكلي على الوقود الإحفوري، ولم تدرس حجم الكوارث المترتبة عليه، وكان همها الرئيسي تغطية العجز الكبير في الطاقة، وتلبية احتياجات السكان من الكهرباء خصوصا أن هناك 70 بالمئة من سكان البلاد يعانون من انقطاع التيار الكهربائي عن منازلهم ومراكز عملهم منذ اندلاع الأزمة السياسية مطلع 2011 إلى اللحظة الراهنة.
بسبب العجز الكبير في الطاقة، واستمرار الاعتداء على خطوط الكهرباء والطاقة من قبل المسلحين القبليين، وتفاقم الصراع بين فرقاء السياسة، لم تعطي الحكومة اليمنية لنفسها مزيدا من الوقت لدراسة مشاريع الطاقة المزمع تنفيذها في مناطق مختلفة من البلاد، وسارعت لمواجهة ذلك العجز باعتماد مشاريع جديدة قائمة على ذات المصدر (الوقود الإحفوري) من أجل توفير متطلبات الطاقة للشعب ومؤسسات الدولة. رغم حسن نية الحكومة وسوء الأوضاع التي تعمل في ظلها إلا إنه يتوجب عليها سرعة إيقاف هذه المشاريع القائمة على الوقود الإحفوري، تجنبا للكثير من المخاطر التي تتربص بالبيئة والحياة في هذا الكوكب بشكل عام، فمعروف أن الوقود الإحفوري له مزايا محدودة مقارنة بآثاره السلبية الكارثية على البيئة والمجتمع.
تتمثل مزاياه في أنه يمتلك طاقة عالية الكثافة، ويسهل نقله وتخزينه، ومعالجته بتروكيميائيا، إضافة إلى سهولة الحصول على أنواعه المختلفة، خاصة السائل والغازي، لكن سلبياته أشد خطورة من منافعه ولها تبعات على المدى الطويل، وتتمثل أهم سلبياته في الآتي:
75 بالمئة من السكان يعانون أمراضا تتعلق بتلوث البيئة، وبالتالي على الحكومة إيقاف أية مشاريع تتعلق بالوقود الإحفوري، والإسراع في البحث عن مصادر أخرى للحصول على الطاقة |
إذ تعتبر الصناعات التي تعتمد على الوقود الإحفوري كمصدر أساسي للطاقة من أكبر الملوثات الهوائية، حيث ينطلق منها عند احتراقها كميات كبيرة جدا من الغازات والجسيمات التي تعمل من خلال تراكمها في الغلاف الجوي على إفساد تركيبة الهواء، مما يؤدي إلى خلل في نطاقه الإيكولوجي، يصبح معه الهواء مصدرا للكثير من الأضرار التي تهدد كافة صور الحياة على الأرض، وبسبب تعدد الغازات والشوائب التي تتصاعد إلى الهواء نتيجة احراق الوقود في المصانع، ومحطات الكهرباء، وفي محركات السيارات يصبح الهواء ملوثا بتلك الغازات (ثاني أكسيد الكربون ، ثاني أكسيد الكبريت، أكاسيد النيتروجين، أول أكسيد الكربون، والأوزون، كذلك تلوث بعوادم السيارات والرصاص) وهذه الغازات سامة ومهددة لمظاهر الحياة بأكملها.
وفي اليمن بالذات هناك مصادر ثابتة وأخرى متحركة تلوث الهواء، أهمها مصافي البترول في البريقة/عدن، وفي صافر/مأرب، والمحطات الحرارية في عدن، والمخا، والحديدة، ومصانع الإسمنت في محافظة عمران، والحديدة، وينتج عنها الغبار وسحب الدخان الخانقة، وكذلك من مصادر تلوث الهواء مصانع صهر الحديد الصلب، ودباغة الجلود، والمنظفات الكيمياوية والكسارات ومحطات تعبئة البنزين، ومحطات توليد الكهرباء.
والذي ينتج بدوره عن غازات تغلف المجال الجوي وتمنع الانعكاس الحراري الصادر من الأرض من انتقاله إلى خارج الكوكب، الأمر الذي يتسبب في ارتفاع درجات حرارة الأرض وزيادة التصحر والجفاف.
ويتسرب منها إلى الأحياء والنباتات البحرية ثم إلى الإنسان، وتلوث مياه البحار في اليمن ناتج عن إما تسرب الوقود من السفن وناقلات النفط، أو من مخلفات التجمعات السكانية الساحلية، هذا التلوث تعود نتائجه على حياة الكائنات البحرية كالأسماك، والتي تمثل رافدا اقتصاديا كبيرا للبلاد، وبالتالي فإن التلوث البحري يساهم في نضوب الثروة السمكية ويزعزع استقرار اقتصاد البلد.
في الحقيقة لم تعد اليمن بحاجة إلى مزيدا من المشاكل البيئية إلى جانب مشكلاتها السياسية والصحية، والاقتصادية، والوقود الإحفوري الذي أدمنت الحكومة على استخدامه في تنفيذ مزيدا من مشاريع الطاقة، سيزيد من معاناة البلد على المستوى البيئي والصحي، فقد سجلت ارتفاعا كبيرا في معدل التلوث البيئي، نتيجة للتزايد السكاني، والفقر، وسوء التخطيط، وإدارة الدولة ومؤسساتها، واستمرار الاعتماد على الوقود الإحفوري دون البحث عن بدائل تقنية لإنتاج الطاقة.
يكفي أن 75 بالمئة من السكان يعانون أمراضا تتعلق بتلوث البيئة، وبالتالي على الحكومة إيقاف أية مشاريع تتعلق بالوقود الإحفوري، والإسراع في البحث عن مصادر أخرى للحصول على الطاقة، كالطاقة المتجددة التي بوسعها الانسجام مع البيئة وتقليص مساوئ مصادر الطاقة التقليدية بدلا عن الإيغال في تدمير البيئة وتشويه مستقبل الكائنات الحية على رقعة الجغرافيا اليمنية.
تستطيع الحكومة اليمنية اليوم أن تعود إلى إعلان الاستراتيجية الوطنية للاستدامة، والتي أعدتها الهيئة العامة للبيئة ممثلة بوزارة المياه والبيئة مطلع 2013، وتضمنت رؤية واضحة ومحددة للمشكلات والألويات التي يمكن السير عليها في تأمين البيئة والحفاظ عليها، وكانت أهم القضايا التي أوردتها الاستراتيجية، تتعلق بموارد المياه، وموارد الأراضي، والتنوع الحيوي، والحياة البرية، والبيئة الساحلية، والبحرية، وإدارة المخلفات الصلبة، والسائلة، ونوعية الهواء في المناطق الحضرية، والإدارة البيئية.
وكانت هذه الاستراتيجية خلاصة تجارب استشاريين، وفنيين ومتخصصين، خلصوا إليها، وهي موجودة الآن، ولكن تنفيذها يحتاج إلى دعم مالي من خلال رفع ميزانية الهيئة أو من خلال المنظمات المانحة التي تساعد وتعمل في الجانب البيئي، وبوسع الحكومة استغلال هذه الاستراتيجية في العمل على مشاريع الطاقة المتجددة، بدلا عن مشاريع الطاقة التقليدية، بما يكفل حماية البيئة وسلامة الإنسان، وتنمية المجتمع، وإزالة المخاطر التي تتهدد الأمن البيئي، والغذائي، والاقتصادي للدولة.
حاليا لا مؤشرات تؤكد على أن الدول النامية -بما في ذلك اليمن- ستوقف اعتمادها على الوقود الإحفوري كمصدر أساسي للطاقة، بل سيتنامى هذا الاعتماد مع الأسف، كون النفط الخام يلعب الدور الأبرز في تلبية احتياجات الطاقة، نظرا لسهولة استخراجه، ومعالجته، ونقله، ورخص ثمنه كما ذكرنا سالفا، ولكن في ظل التقدم العلمي يرادونا الأمل في زوال حقبة الطاقة بمصادرها التقليدية، والولوج إلى عصر الطاقة المتجددة، التي ستضمن مستقبلا أفضل للبيئة بمختلف مكوناتها، وللكوكب برمته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.