زار الأمير البريطاني ويليام دوق كامبريدج الأراضي الفلسطينية في زيارة رسمية شملت عدة مواقع، وبغض النظر عن الأهداف السياسية من الزيارة، والتي تأتي في ظل الترتيبات المتسارعة لصفقة القرن، إلا أنني أود أن أتكلم عن المعاناة الاقتصادية التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتي قد لا يمكن للأمير أن يتصورها.
لقد لفت انتباهي وجبة الفلافل التي أكلها الأمير في رام الله، وفكرت قليلاً وتساءلت: كم يمكن أن يتكلف المواطن الفلسطيني إن رغب أن يعيش هو وأطفاله على الفلافل فقط؟ وبدأت أجري بعض الحسابات لأسرة مكونة من خمسة أطفال والأب والأم بما مجموعه سبعة أشخاص يودوا أن يعيشوا على الفلافل، فيحتاج الأب أن يشتري 21 ساندويش فلافل لثلاثة وجبات، إن ضربنا هذا الرقم في (4) شواكل سعر الساندويش وضربنا الناتج في (30) يوم يصبح المبلغ المطلوب (2520) شيكل، وهو المبلغ الذي يحتاجه مواطن فلسطيني ليطعم أبناءه فلافل فقط طوال الشهر. إن سمحنا لهذا المواطن أن يشتري قارورة صغيرة من الماء مع كل ساندويش فلافل سعرها (2) شيكل فسيحتاج هذا المواطن الى مبلغ (1260 شيكل) شهرياً ليشرب هو وأبناؤه الماء وليس الكولا مع الفلافل، وعند جمع الأرقام يصبح الناتج (3780 شيكل) وهو المبلغ المطلوب في فلسطين لأسرة تود العيش على الفلافل والماء فقط، لم نتحدث عن تكاليف المدارس والمواصلات والجامعات والعلاج والرفاهية إن بقي هناك مجال لشخص حالم يفكر أن يرفه أبناءه.
للأمير ويليام أن يتخيل مع هذه الأرقام كيف يعيش الناس في فلسطين، لكي تحصل على راتب يؤهلك لأكل الفلافل فقط تحتاج أن تكون حامل لشهادة لا تقل عن البكالوريوس وتعمل في مؤسسة محترمة، لك أن تتخيل يا سعادة الأمير حجم المعاناة التي تعيشها العائلات التي تحصل على دخل أقل من 3 آلاف شيكل؛ وهي النسبة العظمى من دخل مواطني فلسطين، ناهيك عن تلك العائلات التي تعاني من البطالة أو التي حرمت من الدخل نهائيا بسبب إصابة أو مرض معيل العائلة.
المواطن الفلسطيني اليوم أرهق بتكاليف الحياة وأصبح لا يستطيع أن يؤمن المتطلبات الأساسية، لم يعد بإمكان نسبة كبيرة من المواطنين الحديث عن الرفاهية والتنزه وحق أطفالهم باللعب ودخول المطاعم والمنتزهات، لا بل اضطر المواطن الفلسطيني أن يتحمل آلام مرضه لأنه لا يملك ثمن كشفية الطبيب والدواء، إن لم تصدقوني اذهبوا إلى مراكز الطوارئ في المستشفيات الحكومية وشاهدوا طوابير المواطنين التي تنتظر العلاج البائس لأنها لا تستطيع أن تحصل على فرصتها في العلاج وزيارة العيادات الخاصة كميسوري الحال، كثير من المواطنين يذهب أبناؤهم إلى المدرسة مشياً على الأقدام حتى في الشتاء لأنهم لا يملكوا ثمن المواصلات.
هذا يا سعادة الأمير في الضفة فكيف إن أردنا أن نصف الحال في غزة! ثم كيف سيكون الحال عند الحديث عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة والدول العربية! عندها ستدركون الأسباب التي دفعت أهل غزة أن يخرجوا للحدود بصدورهم العارية ليطلبوا حقهم في الحياة.
ثم قبل الحديث عن السلام وحل الصراع، تحدثوا عن حقوق الإنسان، عن حق العيش بكرامة، عن الحق بالعلاج، عن حق أطفالنا بالحصول على الغذاء والعلاج المناسب، عن حقهم في التنزه والرفاهية، عن حقوقنا كشعب فلسطيني في خيرات بلادنا المنهوبة، عن حق ذلك اللاجئ بالعودة لكي يجني محصول القمح من أرضه التي هجّر منها.
وقبل الحديث عن السلام الاقتصادي الذي تتفضلون علينا به، أعيدوا لنا حقوقنا ونحن سنتفضل على كل المانحين حينها بفائض أموالنا من خيرات بلادنا، ففلسطين كانت عبر التاريخ دولة مزدهرة بخيراتها وثرواته إنتاج شبابها.
ستصنعون صفقة القرن في مقراتكم وقصوركم الفخمة، لكن المواطن الفلسطيني الذي يعاني الأمرين سيفضل أن يشتري رغيفا من الخبز يسد جوع أطفاله بدل أن يشتري جريدة كتبت بها بنود صفقتكم، ستصنعون صفقة مبتورة لا تعلم عن حقيقة الواقع شيء لأنكم تلبسون أغلى الثياب وتتنقلون في أجمل الأوتيلات ويعيش أبناؤكم أروع حياة ولم تجربوا يوماً أن تعيشوا حياة البؤس تحت الاحتلال.
ستمر صفقة القرن على أوراقكم الجميلة المرصعة بأبهى حلل، لكن المواطن الفلسطيني الذي يعيش حياة الذل والهوان نتيجة نهب خيراته من الاحتلال سيثور على صفقتكم وسيفشلها، عندها ستتعلمون دروس حل الصراع، تلك الدروس التي لا يفهمها سوى أصحاب الأرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.