شعار قسم مدونات

حين يتحوّل الشّريك إلى فردةِ حذاء!

blogs couple

في غمرة بشاعة هذا العالم بجميع صُوره المرهقة والمأساوية وحروبه المختلفة بين البشرية.. في غمرة قتل الإنسان للإنسان.. وتلاعب الإنسان بمشاعر أخيه الإنسان.. وكذب الإنسان على الإنسان وخيانة الإنسان للإنسان والإبداع في كسر الإنسان لروح إنسان.. في ظلّ المهازل الحياتية المضحكة المبكية وتخلي البشر عن إنسانيتهم وشعورهم وضمائرهم لتحقيق مصالحهم التي خُيّل إليهم من جبروتهم أن المصلحة التي يتم تحقيقها على حساب الآخرين قد يكون نتاجها "سعادة".. أو لنقل بمعنى أصح لإرضاء الـ "أنا" على حساب الغير. انقسمت الأرواح وباتت تحارب بعضها البعض وبات الصراع يتسرب من صراع بين الحضارات لصراع بين الرجل والمرأة وأيّهم يكون أجدر وأقدر على التسلّط على الآخر وجعله ألعوبة بين يديه أو آلة يتحكم بها بالـ "ريموت كونترول".

زرعوا في عقل المرأة فكرة المساواة المريضة وأوهموها بأن حريتها وقيمتها تكمن في المساواة بينها وبين الرجل.. فظنت هاته المجموعة الساذجة من الإناث أن الحرية والقيمة لا تكون إلا إذا أصبح شريك الحياة في مقام واحد مع أحذيتهنّ اللاتي ترتديهنّ أو حقائبهنّ اللاتي تحملنها معهن أينما ذهبن وكيفما تنقلن ثم حالما تنزعنهن تضعهنّ في أدراجهنّ الخاصة وتحكمن الإقفال عليها إلى حين أن تقررن إخراجها من الأدراج مرة أخرى حسب الحاجة طبعا.. وطبعا فردة الحذاء هذه لا يجب أن تعترض على هذه القوانين وإلا سيرمى بها في أقرب سلة مهملات.

لا تفتأ الزوجة المتسلّطة تطلب تقارير مفصّلة عن تحركات زوجها.. هي من تقرّر متى يخرج من البيت ومتى يعود.. هي من تنتقي أصحابه وصداقاته وتأمره بمصاحبة فلان وحظر فلان من حياته.. هي من تقرر مكان عمله ونوعه ومع من أيضا.. ويجب أن يكون في خدمتها متى شاءت وكيفما أرادت وهي راضية عنه مادام خادمها الخاص وبنكها المتنقل وجاريها الملبّي والمتجرّد الأول من شخصيته وكينونته.

فرحة العمر عند الفتاة أو الفتى حين تلتف الروح بالروح ويعانق القلبُ القلب تحت ظلّ ميثاق غليظ يعطي العهد بالأمان
فرحة العمر عند الفتاة أو الفتى حين تلتف الروح بالروح ويعانق القلبُ القلب تحت ظلّ ميثاق غليظ يعطي العهد بالأمان
 

مرض التسلّط هذا والأنانية المرضية التي تحطّم الأسر وتقضي على مستقبل الشريكين والأبناء لم تحتكر به الإناث وحدهنّ.. فمجموعة لا بأس بها من الذكور تظن أن الرجولة في جعل شريكة الحياة فردة حذاء أيضا تستخدم وقت الحاجة وتوضع في الدرج حسب المزاج ويرمى بها متى صارت في نظر مستخدمها غير صالحة للاستعمال. هذه العلاقات غالبا ما تكون بين طرفين مختلفين.. طرف واعٍ وحرّ يقدّر الحياة الزوجيّة ويعرف معنى المودّة والرحمة.. يرى الحياة بين زوجين شراكة مباركة في كل شيء تقوم على الثقة والاحترام.. يحترم كل طرف فيها آراء الآخر وقراراته وأحلامه ومدى طموحه.. يحترم عمق حزنه ولهفة فرحه.. يحترم خلوته بنفسه أو بربه.. يحترم لون الثياب التي يحبها ونوع العطر الذي يفضله ونوع الطعام الذي يروقه.. ويسعى لإرضائه مادام هذا الإرضاء لا يخالف ما يرتضيه الله..

 

وطرف لا يرى شيئا أمام رغباته ولا أحدا أمام نفسه.. يرتبط بشريكه ليغذي شرور مرضه القلبي والنفسي.. تنطبق عليه مقولة فولتير "حب الذات هو كرة منفوخة بالهواء تخرج منها العواصف إذا ما ثقبناها".. نعم إنها عواصف ال"أنا" التي تعصف بالأسرة فتفككها وتشردها وتحطّم وصلات الحب فيها ثم تجلس واضعة رجلا فوق رجل مستمتعة بما خلفته من خراب. والمصيبة الأعظم من هذا أن هؤلاء المرضى يطلقون على مرضهم مسمّى "الحب".. حبّ ماذا يا هذا؟.. الحبّ متى ما امتزج بالأنانية تلوّث وخرجت منه روائح نتنة تزيد ثقوب النفس ضيقا وحوّل الحياة الزوجية من نعمة إلى نقمة يُعذب بها الجاني والمجني عليه الذي لا يكون فقط الطرف الصالح ولكن يصبح الأبناء الضحية الأكبر لهذه الأمراض القلبية التي استفحلت وانتشرت كالفايروس المعدي الذي يعيث في النفوس البريئة فسادا.

الحب بريء من نواقض الحب هذه.. وقد بتّ أبحث عن تعريف للحبّ ولم أجد أرقى ولا أصدق مما كتبه الرافعي في كتابه الشيق "وحي القلم" حين قال "فرحة العمر عند الفتاة أو الفتى حين تلتف الروح بالروح ويعانق القلبُ القلب تحت ظلّ ميثاق غليظ يعطي العهد بالأمان ويجعل المرء يعيش تلك اللحظات بمشاعر تتخطى حدود الزمن وتسمو في علياء الفرح مُردّدة أن مثل هذا اليوم لا يكون من أربع وعشرين ساعة بل من أربعة وعشرين فرحا لأنه من الأيام التي تجعل الوقت يتقدّم في القلب لا في الزمن ويكون بالعواطف لا بالساعات ويتواتر على النفس بجديدها لا بقديمها".. فهلا بحثتم عن روح تلتف بالروح وقلب يعانق القلب وعهد بالأمان بدل البحث عمن يجعلكم فردة حذاء؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.