شعار قسم مدونات

كيف استطاع "التوك شو" السوري مواجهة الاستبداد (2)؟

blogs برنامج شلونكم

في الجزء الأول من هذه المدونة والذي دون تحت نفس العنوان تحدثنا عن تاريخ عروض التوك شو وبعض الخصائص لعروض معينة ولكي تتضح الصورة بشكل أفضل نتائج في ذكر خصائص رئيسية أخرى مع ملاحظة التطور السريع لهذه العروض والتغيير الكبير المتزامن في خصائصها:

الكلمات المفتاحية

بكل تأكيد يريد فريق العمل أن يسوق العمل بشكل أكبر من خلال هذه الكلمات التي تعتبر محببة للسوريين والتي يتم استعارتها إما من الحياة الشعبية السورية أو من أحد الأعمال الدرامية الحديثة مثل مقولة تيم حسن الشهيرة في مسلسل الهيبة العام المنصرم "لا تهكلو للهم" حيث تحولت هذه الكلمة إلى أداة لتربط هذه العروض بالواقع الشعبي النمطي للناس وبالأحاديث المتداولة بين الشباب وبالفعل نجحت في تسخير هذه الكلمات بشكل مناسب.

عامل المبادرة

بالرغم من أن هذه العروض جاءت للرد على السياسة الإعلامية والتسويقية الرسمية إلا أن لها فضل السبق في هذا الشكل من الطرح الجذاب ولم تكن رداً على عروض مكافئة لدى الطرف الآخر كما في الدول العربية الأخرى بل على العكس أصبح إعلام النظام يتمنى أن يستطيع إنتاج عروض بكفاءة عروض المعارضة يتمكن من خلالها جذب جانب من جمهورها ويشكك المتلقي في رواياتها وتحليلاتها ولو افترضنا أن النظام سينجح في إنتاج نسخ معادية لهذه العروض فإنها ستفتقد للكثير من مقومات النجاح أهمها هامش الحرية المتاح لفريق العمل.

فرصة للوجوه الجديدة
تجلى بشكل واضح أن نجاح الحلقات مرتبط بشكل كبير بالمقدم وهذا يعتبر حالة صحية بالنسبة لعروض التوك شو التي يكون المقدم هو عمودها

فكما هو معروف كان العمل الإعلامي في سورية ما قبل الثورة محصور في شخصيات لها جينات بعثية معينة ولا يسمح لكل من رغب أو امتلك الخبرة والإبداع أن ينضم إلى فرق العمل الإعلامية وبنفس الوقت كان العمل ذا طابع محافظ لا يؤمن كثيراً بقدرات الشباب أو ملاحقة آخر أشكال الفنون الإعلامية ولكن في الضفة الأخرى فالأمر على النقيض منه تماماً فمنذ بداية الثورة كانت ظاهرة إعلام الشباب محط انتباه ودارسة حيث استطاعوا خلال فترة قصيرة تطوير مهاراتهم وإمكانياتهم والارتقاء إلى مستويات مهنية وطنية عالية.

 

وتعتبر عروض التوك شو دليلاً صارخاً على عجز المؤسسة الإعلامية الرسمية في استثمار طاقات الشباب أو استيعابها وبنفس الوقت فقد نجح رهان إعلام المعارضة على الوجوه الجديدة وأحسن فيها الاستثمار.

غلبة أثر الأداء مقابل النص

وقد تجلى بشكل واضح أن نجاح الحلقات مرتبط بشكل كبير بالمقدم وهذا يعتبر حالة صحية بالنسبة لعروض التوك شو التي يكون المقدم هو عمودها إلا أن ذلك جعل مستوى الحلقات متموج في نجاحاته وسقطاته تبعاً لخبرة المقدم وهذا بلا شك يؤثر بشكل مباشر على نسبة المشاهدة واهتمام المشاهد ولعل المعادل الموضوعي المفقود هنا هو النص المحكم الذي يعتمد على قوة التقديم تزامناً مع قوة الفكرة حيث يعطي هامشاً محدداً لأسلوب المقدم ولكنه لا يعلق نجاحه بشكل مطلق عليه وبذلك تصل هذه العروض على حالة من الاستقرار النسبي المقبولة.

قليل من الحيادية كثير من الصدق

بدقة يعبر هذا الشعار عن حقيقتها فهي لا تأخذ الدور التقليدي للإعلام المحايد بل على العكس تماماً يعبر المقدمون في كل فرصة تتاح لهم عن مواقفهم السياسية والإنسانية من النظام السوري ويعلنون اصطفافهم لصالح الثورة ولا تخلو حلقة دون أن يتحين المقدم الحدث المناسب لارتجال بعض الكلمات المؤنبة لنظام الأسد والمجرمة له.

غياب الجمهور الحي

تعتمد معظم هذه العروض على التقديم أمام الكاميرا بعيدا عن أعين الجمهور بشكل مباشر وهذا بكل تأكيد يضمن عدم حدوث المفاجآت أمام الجمهور ويساعد المقدمين ليكونوا أقل توتراً وأكثر هدوءاً ويعطي المقدم فرصة للتكرار والمحاولة والتجريب وأظن أن هذه المرحلة ستكون مؤقتة ولن تطول فبمجرد تمرس المقدمين وازدياد خبرتهم سيبدأ التوجه إلى العرض المباشر أمام الجمهور الذي بدوره يضفي طابعاً لطيفاً ومتفاعلاً مع الكلمة والموقف ولكن بالمقابل اعتمدت هذه العروض على عمليات المونتاج بكثرة وذلك بتوليد الأغاني وتكرار المعاني كنتيجة للعروض غير الحية وربما سنفتقد في العروض المباشرة أمام الجمهور لمتعة عمليات المونتاج الناجحة.

الحرية المطلقة

أهم ما يميز هذا العروض هو الحرية الواسعة والمساحة المفتوحة للإبداع بعيداً عن القيود التقليدية المفروضة حتى وصل بالبعض إلى الطعن بقضايا طالما اعتبرت في الإعلام التقليدي خطوط حمراء وانتهاكها خطيئة وطنية وإعلامية كبرى مثل انتقاد مشهد العناق بين الصليب والهلال في إعلان زين الأخير أو استحضار أقبح آراء علماء السلطان وأغربها.

 

وكما أسلفنا سابقاً فإن هذه العروض تعتبر ذات أهداف سياسية ثورية لذلك تجد أن جوانب انتقاد رجال وسلوكيات وإعلام المعارضة ضيق تبعاً لترتيب أولويات المرحلة السياسية وخشية جر المشاهد إلى المقارنة بين أخطاء الثورة وفظاعات النظام وإني أعتقد أن الوصول لأي اتفاق سياسي في سورية سيضع هذه العروض أمام تغيرات كبيرة في أغلبها التي ستتخذ مسالكاً حزبياً إديولوجياً.

أخيراً

فإنه من الجدير مراقبة هذه العروض وملاحظة تطورها السريع مع الزمن فهي تعتبر ناشئة محدثة تكتسب خبراتها من كثرة الإنجاز وتصوب أخطائها من ردات فعل الجمهور كما أن أي نجاح تحصده العروض الحالية سيشجع الشباب السوري على خوض التجربة المشابهة وخاصة بوجود قنوات اليوتيوب وصفحات الفيس بوك المجانية والتي أعطت لكل مغامر شجاع إعلاماً بديلاً يتميز بسهولة الوصول وكثافة التواصل وشفافية النقد والتغذية الراجعة.

 

وهذا سيساهم بلا شك بجعل صوت المواطن السوري مسموعاً سواء كان نازحاً في خيمته أو لاجئاً في غربته أو مهاجراً في منفاه وسيزيد من ترابط آراء السوريين المبعثرين تحت نجوم السماء ويشكل رأياً عاماً يؤثر على أي قرار أو قضية تعني السوريين وتبقى آفاق هذه الفنون تنتظر أن تولج من قبل كل مبدع حرر تجربته الخاصة وأطلق لأجنحتها الفرصة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.