شعار قسم مدونات

لم تعلم أنها أيقظت ميتا!

blogs سيارة على الطريق

قالت لي أمي الوقت متأخر وسفر الليل غير آمن تعال ونم هنا وفي الصباح تخرج باكراً، كرر كلامها أخواي معن وبشير، سمعت نغمة الواتس فتحت الرسالة وإذ هي من صلاح يكتب لي هل تعلم أن الذهاب إلى روسيا للأتراك لا يحتاج إلى فيزا؟! في مستهل نقاش بدأناه قبل ساعتين عن المونديال في روسيا وعن فرصنا بالحصول على الجنسية التركية وميزات السفر بالباسبور التركي..

 

قاطعت صلاح بعبارة تمني سريعة ثم أبلغته أنني في أنطاكيا الآن وعازم على القدوم إلى عنتاب، كان لي غاية من إبلاغه بهذه النية تحسباً لأي طارئ يحدث معي في الطريق، فصلاح صديق تجده وقت الضيق ويجيد اللغة التركية أستعين به عند أي طارئ قد يحدث معي في سفري ولن أتردد بالاتصال به في أي وقت حتى لو كان متأخرا، كان رد صلاح بنفس النصيحة من أمي أن أؤجل السفر حتى صباح الغد ولكن سرعان ما أقنعته أن سفر الليل جميل وهادئ بالنسبة لي، كتب صلاح "توكل على الله" ولا زالت أمي تحاول إقناعي بالبقاء، ترددت قليلا قبل أن أعزم السفر، حسم الأمر استخارة سريعة دعوتها، ودّعت أمي، ركبت السيارة وانطلقت مسافرا إلى مدينة غازي عنتاب.

الواحدة والنصف كانت الساعة بعد منتصف الليل، خرجت ولم أربط حزام الأمان متكاسلا عنه وكنت قد اعتدت ربطه فور مغادرتي أطراف المدينة، كنت متعبا فعلا وأحاول إقناع نفسي عكس ذلك لكن النعاس لم يصدق محاولاتي، فتحت الراديو محاولا البحث عن إذاعة تنطق بالعربية أو أي شيء بالتركي يسليني أثناء القيادة، توقفت موجات الراديو على إذاعة تركية تقرأ القرآن بآيات قصار من سورة البقرة يقاطعها معلقٌ يشرح بالتركية هذه الآيات، قطعت كيلومترات قليلة قبل أن أرى في الأفق حاجز للجندرما، تذكرت حزام الأمان، سارعت لربطه وأخفضت صوت الراديو قبل أن أقترب من الحاجز الذي أشار لي بركن السيارة جانبا واقترب مني الضابط الأربعيني بعد أن ألقى السلام طالبا مني بطاقة الإقامة، نظر إليها وإلي وطلب مني المتابعة بعد أن اطمأن الرجل وعرف مهنتي المكتوبة على البطاقة.

ها هي السيارة تسلك طريقها إلى حواف الطريق لأعود بها إليه، حتى سمعت صوت الهاتف يرن في نغمة كأنني أسمعها لأول مرة

دقائق قليلة ثم بدأت أنوار الطريق تختفي تدريجيا تنذر بأنني خارج حدود المدينة، هنا كانت الساعة حوالي الثانية والنصف، رجعت إلى الراديو محاولا إشغال نفسي كي أبقى متنبها فالطريق لا تزال طويلة وتكاد تخلو من السيارات. استقرت موجة الراديو على إحدى الإذاعات التركية وتابعت السير.

بدأ السكون يطغى على الطريق والنعاس يتسلل إلى جسدي، صرت استرجع دقائق الحديث بيني وبين أمي وبيني وبين صلاح ونصائح معن وبشير ثم دخلت في صراع مع الذاكرة عن الحديث الذي دار بيني وبينهم وعنادي على السفر في هذا الوقت المتأخر، أنا الآن في وسط الطريق وخيار المتابعة مشابه لخيار العودة، بدأت أفكر جديا بالوقوف على طرف الطريق ملبيا رغبة جفناي بالإغلاق لدقائق، استجبت لهذه الرغبة وخففت السرعة حتى قاربت السيارة على التوقف لكن ظلمة المكان وخلوه من العابرين بددا عندي هذه الرغبة فتابعت السير ولم أتوقف، فبدأت السيارة تتمايل كأنها هي الأخرى شعرت بالنعاس، مددت يدي إلى المقعد وأخذت عبوة الماء ومسحت على وجهي ثم نظرت إلى الساعة كانت الثالثة والنصف .

شعرت بالسرور عندما صادفتني لوحة على طرف الطريق تنبهني بوجود محطة على بعد عشرة كيلو مترات، ضاعفت السرعة حتى وصلت إليها، أوقفت السيارة ولم أنزل منها لأن المكان بدا وكأنه مهجور لكنه لم يكن كذلك، يبدو أنها استراحة لسائقي الشاحنات التي كانت مركونة في باحة الاستراحة يتخللها ضوء قادم من بقالة قريبة لكنها كانت مغلقة، ترددت من وحشة المكان بين النوم والمتابعة فقررت المتابعة خصوصا أن المسافة للوصول أصبحت قريبة، تابعت السير متجاهلا جموح عيناي بالإطباق عنوة في محاولة لإقناعي بالبقاء لكنني لم أكن معهما أقل عنادا من عنادي مع أمي وصلاح.

ها أنا ألمح لافتة على طرف الطريق كتب عليها (غازي عنتاب ٦٠ كم) دفعتني لزيادة السرعة ثم تراجعت خوفا من هزيمة مفاجئة أمام النعاس الشديد وأنا أقاوم دون جدوى، وها هي السيارة تسلك طريقها إلى حواف الطريق لأعود بها إليه، حتى سمعت صوت الهاتف يرن في نغمة كأنني أسمعها لأول مرة، فتحت عيناي المغلقتين مرتبكا عند رؤيتي السيارة تتجه إلى منحدر بجانب الطريق أرجعتها إلى المسار بصعوبة حيث كادت تودي بي، حينها أيقنت أنني غفوت لثوان..

 

ولا يزال الهاتف يرن ولا زلت لم أعرف من المتصل، خففت السرعة وتوقفت بجانب الطريق وحمدت الله ثم أمسكت الهاتف لأرى من المتصل.. لقد كانت أمي، سألتني بصوت هادئ، أجبتها بأنني اقتربت من الوصول وأوصيتها بالنوم والاطمئنان وعدم القلق لأن الطريق مريحة ووعدتها بالاتصال بها فور وصولي، أغلقت السماعة وتابعت السير بعد أن غادرني النوم ولم أخبرها بأنها أيقظت ميتا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.