شعار قسم مدونات

مصر.. المراسلون الأجانب في مهمة مستحيلة

blogs الصحافيين الأجانب بمصر

في سياق كلمة ألقاها ستيف ادلير Stephen Adler رئيس ومدير تحرير وكالة رويترز بالقمة العالمية لمحرري المنصات الإلكترونية GEN 2018 والتي أقيمت في الفترة من 30 مايو – 1 يونيو بالعاصمة البرتغالية لشبونة. أشار إلى الحالة المصرية وما يواجهه الصحفيون بها معتبرا إياها كمناطق النزاعات والحروب من حيث مواجهة المخاطر ومشاكل السلامة المهنية.

 

بمصر نظام واضح ومعلن لاعتماد المراسلين الأجانب وهو الحصول على بطاقة صحفية تجدد سنوياً من المركز الصحفي التابع للهيئة العامة للاستعلامات، وبزعم وجود ظروف فنية، تأخر تسليم بطاقة عام 2018 لكل المراسلين الأجانب وتم استخراج بطاقات مؤقتة للجميع لحين استخراج البطاقات الدائمة.

مشاكل ومعوقات وانتهاكات إذا يواجهها مئات الصحفيين الذين يعملون بمصر سواء كان عملهم في مواقع وصحف ووكالات ومحطات إذاعية وتلفزيونية جميعهم عاجزين عن التأقلم مع واقع يفرض عليهم رواية واحدة يحتكرها النظام متمثلا في بيانات جاهزة يتلقونها من مؤسساته.

وكالات محظورة
آليات العمل الصحفي في مصر تغيرت كثيراً خلال حكم عبد الفتاح السيسي، حيث أصبحت المعلومة أشبه بسر قومي ليس من السهل الحصول عليه

أحمد صبحي، مراسل لوكالة الأناضول، اضطر للاستغناء عن اسمه الحقيقي ليعمل باسم مستعار كما أنه يتجنب ذكر اسم وكالته عند التواصل مع المصادر الرسمية لرفصهم التعامل مع الأناضول لكونها تابعة لدولة تركيا. ويستطرد أحمد: "بعد عام من الإطاحة بالرئيس "محمد مرسي" تلقيت إنذارا وتهديدا واضحا من أحد المصادر القضائية المصرية باتخاذ إجراءات ضدي في حالة استمرار حصولي علي تصريحات للوكالة التي أغلق مكتبها بالقاهرة في 30 مايو عام 2015، ورفضت حكومة المهندس إبراهيم محلب، آنذاك تجديد ترخيصها لينتهي بذلك نشاط مقر إقليمي للوكالة يغطي 30 دولة بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا".

منع تداول المعلومات

وفقا لمراسل شبكة بلومبرج العالمية، فإن آليات العمل الصحفي في مصر تغيرت كثيراً خلال حكم عبد الفتاح السيسي، حيث أصبحت المعلومة أشبه بسر قومي ليس من السهل الحصول عليه، مشيرا إلى لجوء المحررين لوسائل ملتوية للحصول على المعلومات اللازمة للتقارير من داخل الوزارات والهيئات، ولا يذكرون اسم المصدر خوفا لتعرضه للمسائلة، وفي أحيان كثيرة تتم الإشارة بأن المصدر المسؤول رفض الإجابة.

الصحف الخليجية غير مستثناه

"س. ب" يعمل مديرا لمكتب أحد الصحف الخليجية في مصر، قال لنا "إن كافة الجرائد والوكالات الأجنبية باتت إجراءاتها أكثر تعقيدا خلال الأربع سنوات الماضية، قديما كان الأمر مجرد وثيقتان هما خطاب توثيق من الدولة صاحبة الوكالة وخطاب بطلب الموافقة من السلطات المصرية للاعتماد، الآن لا توجد تراخيص جديدة بل يتم محاصرة أصحاب التراخيص الممنوحة واتخاذ الذرائع لسحبها.

ويتابع: تطلب السلطات ملفات كافة الإعلاميين لدينا مصحوبة بتقارير تفصيلية عن طبيعة ما ينشرونه من مواد وتقارير، مع التأكيد الأمني على كافة المؤسسات الصحفية باعتماد الرواية الرسمية كمرجع أساسي للقصص والأخبار الصحفية الخاصة بمصر والتغاضي عما سواها.

ووفقا لبيانات جمعية المراسلين الأجانب بالقاهرة وتصريحات رئيسها "فولكهارد فيندفور" – فإن قرابة 200 وسيلة إعلامية أجنبية موزعة بين إذاعات وجرائد ووكالات أنباء ومحطات تليفزيونية لها مكاتب بمصر.

undefined

الرواية واحدة

الدكتور أيمن منصور، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة قال إن تعامل السلطات في مصر مع الإعلام سواء الأجنبي أو المحلي بات يعتمد على المواد التي يتم نشرها وهل تتوافق مع رؤية النظام أم تخالفه، لافتا إلى ما أصبح واضحا للجميع من التضييق الذي يواجهه العمل الإعلامي في مصر خلال السنوات الأخيرة.

أضاف منصور "الشكاوى من حجب المواقع أو ترهيب الصحفيين بالاعتقال أو التهديد تزايدت خلال السنوات الأخيرة، مما يعطي إشارة بأن السلطات في مصر لا تريد إلا صوتا واحدا فقط، وحتى الإعلام الأجنبي باتت عليه قيود وإن أنكرتها الحكومة، مشيرا إلى أن عناصر الأمن في مصر هي التي زادت الأزمة من خلال شكوكها المستمرة في كل من يحمل كاميرا أو يجري مناقشات مع المواطنين.

ولفت منصور إلى واقعة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي تم العثور على جثته بإحدى الطرق وعليها آثار تعذيب، والتي كشفت عدة روايات أنه تم إلقاء القبض عليه نظرا لتواجده المستمر في الاعتصامات العمالية وكتابته تقارير عن مصر.

بيل ترو.. اختطاف ثم ترحيل

تعد حالة بيل ترو التي أجبرت على مغادرة القاهرة، واحدة من بين 9 مراسلين أجانب في مصر تلقوا تهديدات من قبل سلطات النظام، بالخروج من مصر أو الالتزام بما يصلهم من بيانات رسمية.

كتبت ترو مقالا في "التايمز" بعنوان "أعشق مصر ولا أستطيع العودة.. ولا أحد يستطيع أن يقول السبب". وقالت ترو إن السلطات المصرية اعتقلتها عقب إجراء "مقابلة مع رجل فقير تعرض ابن أخيه المراهق للغرق، أثناء محاولته السفر على أحد قوارب المهاجرين إلى إيطاليا قبل عامين".

من الحالات الصارخة على هذه الانتهاكات هو اضطرار وكالة رويترز للأنباء إلى سحب تقرير لها عن الانتخابات الرئاسية المصرية

وأضافت:" إن مصر بلد يخشى المراسلين الأجانب، ولا تتسامح سلطاته مع من ينشر الأخبار السلبية، واعتاد الصحفيون على سحبهم جانبا كي يوضحوا موقفهم، سيما مع الانتخابات الرئاسية التي أجريت أخيرا بمصر، وكذلك العملية العسكرية الشاملة في سيناء ودلتا النيل، إضافة إلى ملف الحقوق والحريات، بزعم أن قوات الأمن على أهبة الاستعداد، والبلد في حالة من القلق والتوتر".

تحت التهديد

وفقا لرئيس المرصد العربي لحرية الإعلام قطب العربي هناك 600 مراسل أجنبي في مصر وأشار الى الانتهاكات التي يواجهونها من خلال التضييق على عملهم وتهديدهم وضرب مثالا بذلك لحالة الصحفية الهولندية "رينا نيتجيس" والتي غادرت القاهرة عام 2014 عندما أبلغتها سفارتها أنها متهمة في قضية صحافيي الجزيرة الإنجليزية المعروفة إعلاميا باسم "خلية ماريوت"، ومن المضحك أن الاتهامات التي وجهت إليها هي الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين رغم كونها مسيحية متدينة وتحافظ على الصلاة بكنيسة الدوبارة كل أحد، وأنها جددت تصريحها الصحفي قبل عشر أيام من توجيه التهم لها، وفقا لحديثها مع الإعلامي أحمد منصور برنامج بلا حدود في قناة الجزيرة.

كذلك الصحفي الإسباني ريكارد غونزاليس، بعدما أبلغته السفارة الإسبانية أنه مهدد بخطر الاعتقال الوشيك. وكان غونزاليس قد اتهم الحكومة المصرية، في مقال نشر في موقع "إلباييس" بترهيب المراسلين الأجانب عبر اعتقالهم لبضع ساعات من دون دافع واضح. وتطرق في مقاله إلى الصحافيين المصريين، وقال إنهم "مهددون بالطرد والاعتقال والملاحقة أمام القضاء، وأحيانا التعذيب، إذا لم يلتزموا السياسة الرسمية".

ومن الحالات الصارخة على هذه الانتهاكات هو اضطرار وكالة رويترز للأنباء إلى سحب تقرير لها عن الانتخابات الرئاسية المصرية والتي جاء فيه إنه يتم شراء أصوات الناخبين مقابل 50 جنيهاً مصرياً، في أعقاب شكوى حكومية ضد الوكالة، بحسب صحيفة الأندبندنت البريطانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.