شعار قسم مدونات

هل سيحقق الاقتصاد والنفوذ الخليجي الاستقرار بالقرن الأفريقي؟

blogs إرتريا وإثيوبيا

يبدو للمتتابع لقضايا القرن الأفريقي بأن الرأي العام مشغول في هذه الأيام بالزيارات المتبادلة بين قادة الدول، فبينما البعض يتابع القضية بمرارة كبيرة وخوف حقيقي من المستقبل، يرى آخرون بأن حُمى الزيارات التي قام بها قادة إثيوبيا وإريتريا ومؤخراً الصومال هي ظاهرة حقيقية وواقع جميل تولّد بعد محن وآلام عاشتها المنطقة في السنوات العشر أو العشرين الماضية. فبعد شهور من التوترات المتصاعدة في أثيوبيا، نجحت موجة من النشاط الدبلوماسي في الأسابيع الأخيرة في جلب بعض الأمل في التقاء الأعداء ونشوء توافق حقيقي.

فعلى سبيل المثال، بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها أبيي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا إلى مقديشو- عاصمة الصومال- في منتصف الشهر الماضي وما تله مما قيل بإنه اتفاق على الاستثمار في الخدمات اللوجستية وفتح الموانئ الصومالية والاستفادة من العديد من الموانئ التي يمكن أن تخدم المحيط الهندي والبحر الأحمر. تم تفسير هذه النظرية من قبل الشارع العام الصومالي بأن الاهتمام في الموانئ الصومالية ليست إلا طريقة جديدة للاحتلال، خاصة بأن الزيارة أتت بعد أيام قليلة لزيارة أبيي أحمد إلى الخليج، وعلى الرغم من أن متغيرات اللعبة في المنطقة قد تغيرت بعد دخول دول منطقة الخليج العربي إلى الساحة الأفريقية فكان لابد من إعادة الحسابات وكتابة تفاصيل القصص الحقيقية والتوقف عن الحنين إلى الماضي.

ذكر دبلوماسيون في نيويورك بأن مجلس الأمن الدولي سيبحث عن رفع العقوبات ضد إريتريا في ضوء اتفاقها مع إثيوبيا لإنهاء -حالة الحرب

فمما لا يخفي عن العيان بأن الدبلوماسية الأمريكية الذكية هي التي كانت قد قامت بإنشاء قنوات دعم دبلوماسية سرية بين الإثيوبيين والإريتريين في الشهور الماضية، ففي شهر أبريل زار دونالد ياماموتو، أكبر دبلوماسي أمريكي في أفريقيا، أسمرة، عاصمة إريتريا – وهو أول مبعوث من نوعه منذ أكثر من عقد – قبل أن يسافر إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا. فبعد الاجتماع التاريخي بين أبيي أحمد وأيساياس أفورقي، أصبح هذا الرجل الممثل الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية إلى الصومال.

 

وبما أن الفضل يعود إلى هذا الرجل بإنهاء الحرب التي قيل في يوم من الأيام بأنها غير قابلة للحل، فإن ما دفع أثيوبيا إلى خوض حرب أودت بحياة 80 ألف شخص وشردت أكثر من نصف مليون مواطن من الجانبين لم يختف عن الواقع وهو السيطرة على أراضي حدودية بين البلدين والتي لم تكن أثيوبيا راضية عنه في السابق. فكيف صنع الجانبان السلام ولماذا هذا الوقت بالتحديد؟ والغريب أن دولة خليجية هي التي ادعت بأن السلام قد تحقق بسببها على لسان مسؤوليها.

من ناحية أخرى ذكر دبلوماسيون في نيويورك بأن مجلس الأمن الدولي سيبحث عن رفع العقوبات ضد إريتريا في ضوء اتفاقها مع إثيوبيا لإنهاء -حالة الحرب. وقالت دبلوماسية سويدية في العاشر من هذا الشهر بأنها تأمل بأن يتم رفع العقوبات المفروضة عن أريتريا -قريبا. فأريتريا التي أصبحت أغنى من ذي قبل بسبب تأجير دولة الإمارات العربية المتحدة ميناء عصب منذ عام 2015، وبناء قاعدة قريبة للمساعدة في حملتها العسكرية عبر البحر الأحمر في اليمن، ومساعدتها للاتحاد الأوروبي في وقف تدفق المهاجرين من القرن الأفريقي، جعلت أثيوبيا تدرك أهميتها وخاصة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي أتتْ برئيس الوزراء الأثيوبي الجديد. فأصبحت أثيوبيا تبحث عن السلام والبعد عن نظرية المؤامرة والحروب وهذا تحقق في الثامن هذا الشهر. فهل يبحث الرئيس الصومالي -محمد عبد الله فرماجو في أسمرة، الحصول على جزء من الكعكة وتحقيق رفع حظر على الأسلحة عن الصومال وعن أريتريا في آن واحد؟

لا يحتاج المتتابع لقضايا القرن الإفريقي إلى جهد كبير حتى يدرك بأن تعهد زعيمي أثيوبيا وأريتريا بتنفيذ قرارات الأمم المتحددة كجزء من السلام ليس إلا بداية لرفع العقوبات عن أريتريا التي تخضع لتلك العقوبات بسبب دعمها المزعوم لجماعة الشباب الصوماليين. هذه الخطوات الإيجابية هي سلسلة جديدة من التدابير لبناء الثقة بين الدول، وزيارة الرئيس الصومالي إلى أريتريا والتي تأتي بعد ذوبان دبلوماسي مذهل في الاسابيع الأخيرة بين إريتريا وإثيوبيا بعد أكثر من عقدين هو جزء من تلك التدابير وقد يتبلور عن هذه الزيارة بتعهد من قبل الرئيس الصومالي بأن ليس لدى الصومال أي دليل مادي أو معنوي يؤكد دعم الأخيرة للجماعة المسلحة في الصومال. وقد تحقق هذا بعد أن دعا الرئيس الصومالي من أسمرة، الذي يقوم بزيارة تاريخية إلى إريتريا، إلى رفع العقوبات المفروضة على إريتريا.

إنهاء الصراعات في القرن والتزام دول المنطقة بانتهاج سياسات تقوم على الانفتاح والاستفادة من خيرات الدول، سيعيد التوازن بين مصالح الدول الجيوستراتجية
إنهاء الصراعات في القرن والتزام دول المنطقة بانتهاج سياسات تقوم على الانفتاح والاستفادة من خيرات الدول، سيعيد التوازن بين مصالح الدول الجيوستراتجية
 

من حيث الاقتصاد فإن أريتريا التي كانت تخضع لعزلة دولية ستحتاج إلى المئات من الملايين من الدولارات لإعادة بناء الدولة والالتحاق بمواكبة متغيرات العصر، بينما كانت إثيوبيا تتمتع بنفوذ اقتصادي خلال السنوات الماضية وبناء البنية التحتية للبلد كانت أريتريا تعاني من تلك العزلة الدولية بسبب سياساتها الخارجية. والنقطة الثانية عن الاقتصاد تتمحور في رفع الأسلحة عن الدولتين مما سيدفع سماسرة الأسلحة بالاستفادة من الدولتين ومن دول المنطقة المتعطشة إلى التسلح.

الواقع أن هذا التحسن في العلاقات بين دول القرن الأفريقي يشكل أهمية واضحة، لأن السلام، والزيارات، والتصافحات، وإعادة العلاقات الدبلوماسية، هي بالدرجة الأولى عن الاقتصاد وعن العلاقات المتغيرة في منطقة القرن الأفريقي التي تهتم فيها دول الخليج والتي تتصارع على النفوذ في أفريقيا وخاصة على طول واحد من أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم بما في ذلك الصومال وأريتريا.

فإنهاء الصراعات في القرن والتزام دول المنطقة بانتهاج سياسات تقوم على الانفتاح والاستفادة من خيرات الدول، سيعيد التوازن بين مصالح الدول الجيوستراتجية. هذا وقد يكون ما يجري في القرن الأفريقي بمثابة صفقة -القرن الثانية- بسبب اختلاف ما يجري في الواقع عن الماضي الذي كان يشهد حلولاً ثنائية دون الرجوع إلى جذور الخلافات بين دول القرن. ولعل هذا الاتجاه الذي يضم كافة الدول ذوي الشأن في المنطقة هو المثال الأجدر للواقع الذي يتماشى بدقة مع اتجاهات جديدة تتبعها الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.