بالتزامن مع الأزمات المستعصية والكثيرة التي تعصف بلبنان، انتقل البعض دون سابق إنذار إلى كوكب آخر، وبات يفكر بذهنية متحضرة متطورة تنتمي إلى أرقى الدول الغربية المتحضرة. فنأى بنفسه عن جميع الأزمات، وتفرّغ لإصدار قانون يشرّع زراعة الحشيشة واستخدامها.
هذا البعض لم يكتفِ بالتفكير، بل بدأ باتخاذ خطوات تنفيذية جدية بهذا الاتجاه. فرئيس مجلس النواب نبيه بري طلب من لجنة اختصاصيين الإعداد لصيغة قرار لتشريع زراعة الحشيشة، وتزامن ذلك مع حملة إعلامية وشعبية واسعة مؤيدة لتشريع الحشيشة، وتشكَّل رأي عام مساند لهذا المسعى عماده جمهور حزب الله وحركة أمل المعنيان الرئيسيان بزراعة الحشيشة، نظراً إلى أن الشريحة الشعبية التي ستستفيد من تشريع الحشيشة هي جمهورهما والرافد الرئيسي للحزب في المعارك الكثيرة التي يخوضها. المستغرب، هو أن هذا الفريق لا يلقي بالاً بالحرمة الشرعية لزراعة الحشيشة، رغم أنه يحرص في كل مناسبة على الظهور بالسَمت الإسلامي، والادّعاء بأن أداءه وحركته يضبطها الشرع الحنيف!
قبل سنوات وصف الرئيس نبيه بري شتلة التبغ "الدخان" بأنها عين المقاومة في الجنوب، فبفضلها صمد الجنوبي في أرضه وقاوم "إسرائيل" |
لم يتجاوز هذا الفريق فقط عن الحرمة الشرعية للحشيشة، بل إنه تغافل عن الأضرار الصحية والاجتماعية التي يمكن أن يساهم بها تشريع الحشيشة، والانعكاسات السلبية والخطيرة التي يمكن أن تنعكس على المجتمع اللبناني لاسيما الشباب منه. فالمخدرات والحشيشة غزت جامعات لبنان ومدارسه، وباتت آفة الإدمان متفشية بين الشباب بشكل كبير. كل ذلك والحشيشة محظورة قانونياً ومُلاحق مروّجوها والمتاجرون بها، فكيف سيكون الحال حين تصبح مسموحة ومشرّعة؟!
لعلّ الانعكاس الإيجابي الوحيد الذي يروّج له الفريق المؤيد لتشريع الحشيشة هو العائد الاقتصادي. فحسب هذا الفريق، سيدرّ تشريع الحشيشة واستخدامها دخلاً مالياً مقداره 2 مليار دولار سنوياً لخزينة الدولة، وسيخلق دورة اقتصادية في المناطق التي سيُزرع بها. لكن ما أهمله المروّجون لتشريع الحشيشة، هو أنه وكما في كل القطاعات التي تدرّ أرباحاً، فإن الفساد والسرقة والنهب سيأخذ نصيبه من هذه العوائد، هذا عدا عن أن الأرض التي ستُزرع فيها بعيدة عن سلطة الدولة وهي مشرّعة على الأراضي السورية التي باتت أشبه بـ"حارة كل مين إيدو إلو".
لم يكن من يزرعون الحشيشة ينتظرون تشريعاً يسمح لهم بزراعتها. فهم لم يتوقفوا يوماً عن زراعتها. الذي سيتغير هو أن من يقومون بزراعتها سيتحوّلون من مطلوبين للقضاء ومُلاحقين، إلى رجال أعمال ووجوه اجتماعية بارزة يتحركون ببركة الدولة وحمايتها، ويقدّمون أنفسهم أمام وسائل الإعلام على أنهم أحد دعائم الاقتصاد اللبناني.
قبل سنوات وصف الرئيس نبيه بري شتلة التبغ "الدخان" بأنها عين المقاومة في الجنوب، فبفضلها صمد الجنوبي في أرضه وقاوم "إسرائيل". فهل تكون شتلة الحشيشة بعد تشريعها عين المقاومة في البقاع، وسبباً لصمود البقاعيين في مواجهة "الإرهابيين"؟!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.