شعار قسم مدونات

الاستقطاب الشعبوي.. لعنة أخرى تطارد اللاجئين

blogs - لاجئين

لم تنته معاناة اللاجئين، كما يعتقد البعض، بمجرد غياب الظروف التي أجبرتهم على الرحيل، ولم تقتصر المصاعب التي يواجهونها على معوقات اللغة والتواصل أو التأقلم مع العادات الاجتماعية والخصوصيات الثقافية التي تمتاز بها مجتمعاتهم الجديدة، فضلاً عن ذكر معاناة إيجاد فرص مناسبة للعمل والتعليم بهدف الاندماج في دورة الاقتصاد الجديدة في بلد اللجوء.

 

لكن، نظراً لأن وجود معظم تلك المصاعب هو أمر طبيعي ولا مفر منه، لذلك سوف نُسلم بأنها من النمط الذي يمكن التغلب عليه، لأن ”الصدمة الثقافية“ هي حالة مؤقتة، كما أن الانسان كائن قادر على التكيف والتأقلم. ويؤكد ظهور العديد من قصص النجاح والتفوق بين صفوف اللاجئين في مختلف نواحي الحياة كلامي هذا. الأمر الذي وصل ببعضهم إلى التجنيس وهو ما يمكن اعتباره جزءاً من الحل لأزمة اللجوء، مع وجود بعض التحفظات على سياسات التجنيس لما تمثله من الداروينية الاجتماعية.

 

لكن وبالمقابل فإن ملف اللاجئين قد غدا في العديد من البلدان، ورقة فعالة للاستقطاب الشعوبي بين الأحزاب السياسية التي تسعى لنيل المزيد من الأصوات في خضام التنافس السياسي، كما أصبح اللاجئين في بلدان أخرى شماعةً يمكن أن تجد فيها أشباه الحكومات مبررات تتذرع بها لتبرير فشلها الاقتصادي والإداري.

 

الاستقطاب الشعوبي معناه والهدف من
بروباغندا الاستقطاب الشعوبي التي تحمل رسائل الاقتصادية، تكون أكثر تأثيراً في البلدان التي تشكل فيها الاعباء الاقتصادية جزءاً يومياً من حياة المواطنين

بدايةً لا بد أن نفهم أن مصطلح الشعوبية يحتمل العديد من التعريفات الأكاديمية، أما في سياقنا فالشعوبية هي نوع من الآيديولوجيا أو الفلسفة السياسية التي تُظهر تياراً أو حزباً ما بمظهر المدافع عن الشعب وحقوقه في وجه النخب السياسية الحاكمة، القوى الأجنبية، والغرباء (اللاجئين أو الأجانب المقيمين).

 

حيث يعتبر روبرت كوكس وهو أحد أهم منظري ”النظرية النقدية الدولية“ أن ظاهرة الشعوبية الاستبعادية (Exclusionary Populism) ليست إلّا مظهراً من مظاهر النظام الاجتماعي المهيمن الذي تعمد من خلاله القوى السياسية على التعبئة والاستقطاب من خلال التخويف من المختلفين الذين يمكن أن نطلق عليهم مصطلح ال ”هم“، بدعوى حماية أبناء المجتمع المتجانس المضيف أو من يطلق عليه ال ”نحن“.

 

وتتعدد أوجه تلك الحماية وتختلف باختلاف الظروف في البلدان فيمكن أن تأخذ تلك الحماية شكل بروباغندات استقطابية ذات خلفية اقتصادية مثل ” اللاجئون ينتزعون فرصكم في العمل"، "يرضون بأجور زهيدة ويخفضون بذلك معدل الرواتب“، ”وجود اللاجئين يثقل البلاد بالديون والأعباء الاقتصادية“ ”إنهم يتقاضون المعونات من الضرائب التي ندفعها ليشتروا بها أجهزة آيفون“.

 

وبشكل عام فإن بروباغندا الاستقطاب الشعوبي التي تحمل رسائل الاقتصادية، تكون أكثر تأثيراً في البلدان التي تشكل فيها الاعباء الاقتصادية جزءاً يومياً من حياة المواطنين وغالباً ما يتضاعف تأثيرها في أوقات الركود والعجز الاقتصادي.

 

أما النوع الآخر من البروباغندا فهو الأشد تأثيراً وهو الذي يُظهر اللاجئين بمظهر التهديد القومي والديني والثقافي والديموغرافي، مثل أن يقال أن اللاجئين يهدفون إلى أسلمة مجتمع مسيحي، أو تغيير ثقافة البلد أو تركيبته السكانية والاجتماعية.

 

ويعد هذا النوع من الاستقطاب الأخطر، لأنه يخلق صراعاً وجودياً ذو أبعاد متعددة يحس، أبناء المجتمع المضيف من خلاله بالتهديد المباشر الذي يطال هويتهم، مما يدفعهم للتحرك بهدف حماية تلك الهويات، ويمكن أن تأخذ تحركاتهم شكل الأفعال السلمية البسيطة كانتخاب أحزاب اليمين المتطرف المناوئ للاجئين، كما يمكن أن تأخذ شكلاً أكثر عنفيّة كمخاطبة اللاجئين بشكل عنصري، ، طردهم من مسكانهم، أو الاعتداء عليهم.

   

الاستقطاب الشعوبي وانعكاساته

يظهر تأثير ملف اللاجئين جليّاً، في أكبر دول الاتحاد الأوروبي ، فعلى الرغم من أن الانتخابات الألمانية الأخيرة قد أفرزت انتصاراً لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي حزب المستشارة الألمانية السيدة أنجيلا ميركل، إلا أن ذلك النصر كان بطعم الهزيمة نظراً للإنخفاض الملحوظ في نسبة أصوات الحزب لحساب أحزاب يمينية شعوبية، الأمر الذي عزاه محللون إلى سياسة ميركل الداعمة للاجئين والتي قامت أحزاب المعارضة باستغلالها لصناعة خطاب شعوبي استقطابي، وهو ما زاد من حدة المعارضة لوجود اللاجئين بين الأفراد، ليس داخل ألمانيا فحسب، بل وطال دولاً أوروبية عديدة ظهرت الشعوبية فيها أكثر قوةً وهيمنة مثل النمسا والمجر.

 

على الرغم من غياب الإحصائيات الرسمية فإن متابعة وتغطية وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تظهر أن لبنان الذي استقبل عدداً كبيراً من اللاجئين هو من أكثر البلدان التي يتعرض فيها اللاجئين للمضايقات، بسبب الخطابات الشعوبية

وفي النصف الغربي من الكرة الأرضية نجد أن الناخبين في الولايات المتحدة، قد نالوا نصيبهم من الخطابات الشعوبية الاستقطابية، والتي أفضت إلى انتخاب الرئيس الأمريكي الحالي السيد دونالد ترامب، صاحب الخطابات التي لا تناوئ اللاجئين فحسب، وإنما تستبعد كل ما هو مغاير للمواطن الأمريكي النمطي، فتعيد بذلك لذاكرتنا تفوّق الرجل الأبيض المسيحي الذي ساد منذ تأسيس الولايات المتحدة وحتى فترات متأخرة من القرن الماضي. وهنا لا بد من الإشارة إلى ازدياد نسب جرائم الكراهية بمختلف أنواعها في الولايات المتحدة في أعقاب كل خطاب قام به السيد ترامب.

 

أما في تركيا وهي واحدة من أكثر البلدان استقبالاً للاجئين، فيمكن أن نلحظ الخطابات الشعوبية في حملات كل من السيد محرم اينجه مرشح حزب الشعب الجمهوري أعرق الأحزاب التركية والسيدة ميرال أكشنير زعيمة حزب الخير الذي تأسس حديثاً كجناح منشق عن الحزب القومي، حيث اعتمد كلٌّ من المرشحين بشكل أساسي على ملف اللاجئين ودعوى إعادتهم فيما لو نجح في الانتخابات، ليكون الخطاب الشعوبي بديلاً عن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي وعد به الحزب الحاكم عند ترشيحه للرئيس الحالي السيد رجب طيب أردوغان.

 

ومع أن الخطاب الشعوبي لم يجد رواجاً بين صفوف الناخبين الأتراك، فإن تأثير الخطابات الشعبوية يظهر واضحاً في الاحتكاكات اليومية بين اللاجئين والمجتمع المضيف، لتظهر العديد من الحوادث الفردية هنا وهناك ويتم التركيز عليها من قبل وسائل الإعلام المعارضة، وقد يصل الأمر إلى تعمد بعض تلك المنافذ الإعلامية الصاق بعض الحوادث باللاجئين المقيمين في تركيا، ليتبين في ما بعد أن الجناة من السكان المحليين، وقد تكرر هذا السيناريو أكثر من مرة، مما يدفع للتساؤل حول إمكانية مقاضاة أي وسيلة إعلام في حال تم التثبت من أنها تلفق الأخبار بهدف نشر خطاب كراهية شعوبي ممنهج.

 

وعلى الرغم من غياب الإحصائيات الرسمية فإن متابعة وتغطية وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تظهر أن لبنان الذي استقبل عدداً كبيراً من اللاجئين هو من أكثر البلدان التي يتعرض فيها اللاجئين للمضايقات، بسبب الخطابات الشعوبية وبسبب تركيبة النظام التي تعتمد على المحاصصة الطائفية أيضاً، ففي بلد يدفع سكانه ثمن وجودهم في قلب نزاعات إقليمية واستقطابات طائفية انهكت الدولة، يجد كل منهم في طائفته وزعيمها السياسي السبيل الوحيد لتحصيل أكبر قدر من المكاسب والمحافظة على الوجود.

 

وبهذا فإن أي دخيل على هذا المجتمع حتى ولو كان يحمل هوية الزهرة أو عطارد سيمثل بشكل أو بآخر تهديداً وجودياً لكل من أبناءه. الأمر الذي فهمته القيادات السياسية جيداً لتحوله إلى خطاب شعوبي لا يهدف إلى الاستقطاب الانتخابي فحسب بل وإلى تبرير ضعف الأداء الحكومي.

 

ولا يمكننا إهمال تأثير خطابات السيد جبران باسيل وزير الخارجية والمغتربين اللبناني الحالي (وزير الطاقة سابقاً)، وصهر الرئيس اللبناني الحالي وأحد أبرز قيادات التيار الوطني الحر، والذي روج في أكثر من مناسبة أن الحلول لمشاكل لبنان الاقتصادية وضعف بناه التحتية والفوقية تتمثل في إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم. الموقف الذي يراه العديد من المحللين ذو اعتبارات سياسية أكثر منها اقتصادية.

 

أما عن نتائج هذا الخطاب فلم تعد تقتصر على بعض الزعرنات الفردية هنا، أو الاعتداء على الأطفال هناك، بل امتدت لتشمل الطرد من قبل البلديات لأسباب وحجج متنوعة، ويبقى أن نذكر أن كل تلك الخطابات الشعوبية هي طرق للترويج السياسي وأنها لا تستند بكل حال من الأحوال إلى القانون الدولي الذي يفترض أن يحمي حقوق اللاجئين وأهمها حق العودة الآمنة.

 

لكن وفي ظل هذه الغوغاء السياسية يبقى القانون الدولي ومنظمات المجتمع المدني عاجزين عن فعل الكثير، إذا ما قررت الدول اتخاذ قرار الطرف الواحد وإعادة اللاجئين، أو التضييق عليهم بالحد الأدنى من خلال خطابات الاستقطاب الشعوبي وماينجم عنها من مضايقات فردية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.