شعار قسم مدونات

الأهمية الاستراتيجية لمدينة تعز في الحراك باليمن

blogs اليمن تعز

ونحن في خضم استعادة الدولة كما نردد دوماً علينا أن نسأل أنفسنا بعد ضياع العاصمة صنعاء وفقدان المواطن للثقة في العاصمة الثانية عدن ماذا علينا أن نفعل؟ لسنا اليوم كمواطنين مقاومين لمشروع الهاشمية السياسية والمشاريع الصغيرة ذات الطابع الجهوي المناطقي قادرين على تحمل كل هذا الخذلان للدولة اليمنية من قبل من باعوا أنفسهم لقوى الشر، ونجد أنفسنا مرغمين على رفع أصواتنا تحذيراً ونصحاً لعل هناك من يستجيب.

الشرعية التي فقدت السيطرة على صنعاء ووجودها في عدن جاء ضمن تفاهمات ليس إلا، ماذا عليها أن تفعل حتى لا تتحول إلى طرف من أطراف الصراع؟ لابد من الخروج من دائرة السمع والطاعة والمجاملات للأطراف الفاعلة في اليمن أياً كانت، فالعالم لا يؤمن سوى بالقوة، وعوامل القوة لاستعادة الدولة موجودة وبقوة فقط تحتاج إلى من يقود باقتدار وسيسمعه العالم أجمع.

من يريد أن يستعيد السيطرة والسلطة بقوة عليه أن ينظر إلى بعدين لا غنى عنهما؛ البعد الأول ديمغرافي والبعد الثاني جغرافي. إن الدولة القائمة على فلسفة لوجودها لا يمكن إنهائها مهما كانت الاضطرابات والانقلابات والمؤامرات، لكن الدولة التي لا فكرة أساسية لوجودها ولا فلسفة تشرح ماهيتها وسبب وجودها وبقائها مع اختلاف الأنظمة والسلطات المتعاقبة، تكون معرضة للضياع. 

مثلت تعز نقطة ارتكاز لكل فعل ثوري على مستوى الوطن اليمني الكبير كما تشير المصادر التاريخية اليمنية بلا استثناء

والفلسفة لا تأتي من العدم فهي شرح لواقع معقد وفهمه وتفسيره ووضع الشروط اللازمة لتسيير الأمور فيه، لدينا إنسان في هذه الأرض وهو العنصر الأساسي لقيام وبقاء واستمرار الدولة والحياة فيها. وبنظرة سريعة لديمغرافيا السكان في اليمن سنجد مركز ثقل الدولة في مكان ما على هذه الخارطة في عصرنا الحالي، هؤلاء السكان ليسوا مجرد رقم أو عدد بقدر ما هم صناع دولة وكوادر إنتاجية في مؤسساتها، ولديهم نزوع للدولة أكثر من غيرهم، ولن نستطيع الحكم بدون النظر للتاريخ الحديث والمعاصر لمعرفة الواقع بالنسبة لمن يشكلون ثقل الدولة اليمنية منذ 100 عام مرت وما زالوا فاعلين بقوة لا يستغنون عن الدولة الوطنية.

لنضع سؤالاً بسيطاً، خلال الفترة من الستينات من هو المواطن اليمني الذي اكتفى بالنياشين وشهادات التقدير الرمزية من السلطات ولم يكن يبحث عن شهرة ولا عن مغانم كغيره من الناس، أين يوجد هذا "الإنسان المعنى" أين يعيش أين تربى وماذا يريد؟ أستطيع أن أجيب أنه يريد الدولة وبقية الاستفهامات أتركها للقارئ الفطن. 

مللت من الحديث عن التاريخ وأحسب أن القارئ قد مل معي، لكن هذا التاريخ ترك لنا بصمات في محطات كبرى مردها إلى الفعل المجتمعي كالثورات، فما هي نقطة ارتكاز الثورات اليمنية منذ الستينات إلى الآن؟ أينما توجد قوة الرفض فهناك توجد نواة الدولة. 

مثلت تعز نقطة ارتكاز لكل فعل ثوري على مستوى الوطن اليمني الكبير كما تشير المصادر التاريخية اليمنية بلا استثناء، ومثل الإنسان الذي يقيم فيها وقود كل الثورات شمالاً وجنوباً، وهذا لا يعني أن مدن الأطراف شمالاً وجنوباً لم تقم بدور ولا يعني انتقاصاً من الإنسان اليمني هناك، لكن الوعي هو المحرك لهذا الإنسان قبل ذاك في نفس القضية فمن زاد وعيه تسارعت حركته والعكس صحيح. 

بالعودة إلى البعد الجغرافي سنجد أن المركز الأصلي للبلد هو في هذه الأراضي الواقعة في الوسط وتضم في كفها عبر باب المندب التقاء البحر مع المحيط والسهول مع الجبال والشمال مع الجنوب، وبما أننا فقدنا المركز شمال الشمال وضعفنا في الجنوب لأسباب يطول شرحها ليس بيدنا من قوة كصناع قرار سوى هذا المركز بسكانه وجغرافيته ووجود الدولة في تفكير أغلب أهله. 

لا دولة بدون مركز يدير الأطراف بفاعلية، سواء كانت الدولة فيدرالية أو مركزية، المركز الحي سيبعث الحياة لكل اليمن الكبير
لا دولة بدون مركز يدير الأطراف بفاعلية، سواء كانت الدولة فيدرالية أو مركزية، المركز الحي سيبعث الحياة لكل اليمن الكبير
 

من يريد أن يحكم الشمال فتعز هي الشمال ومن يريد أن يحكم الجنوب فتعز هي الجنوب، وإذا كانت حضرموت تريد الدولة وشبوة تريد الدولة ومأرب والجوف تريدان الدولة وصنعاء وعدن تريدان الدولة فتعز هي الدولة، المعادلة واضحة سكان ووعي وجغرافيا تصل كل شرايين اليمن الكبير وفاعلية في كل الظروف ومركز الرفض والثورات، فهل يجهل صانع القرار كل ذلك؟ لا أعتقد ربما هي الحسابات المختلفة من عقل إلى عقل لكن إعادة النظر ربما تأتي بنتيجة. 

ما الضامن الأساسي لاستمرار الدولة اليمنية الواحدة؟ وجود مركز يربط بقية الأقاليم بقوة الحجة والمنطق والاقناع والأبعاد الجغرافية والديمغرافية، وهذا المركز ببساطة هو تعز. تفتقر قيادة الجيش في تعز إلى الإمكانيات اللازمة لتحرير بقية المناطق التي مازالت محتلة من قبل انقلاب الهاشمية السياسية، وبمجرد تحرير بقية المناطق ستكون تعز قادرة على احتواء الشرعية والحكومة المبعثرة بين مأرب وعدن، هذا الاحتواء هو الذي سيقود الانتصارات في بقية الجبهات من ميدي إلى صنعاء ومن علب صعدة إلى بعدان اب. 

لا حراك سياسي وشعبي ناجح في أطراف متوزعة الولاء أو ليست ذات بعد جغرافي يمكنها من تحريك الشمال والجنوب. لا دولة بدون مركز يدير الأطراف بفاعلية، سواء كانت الدولة فيدرالية أو مركزية، المركز الحي سيبعث الحياة لكل اليمن الكبير. ملاحظة إن لم تستجب السلطة الحالية ستستجيب السلطات القادمة، تأتي وتذهب السلطات والدولة واحدة والشعب واحد، وهذا الشعب أب الجميع ولا أحد يمتلك سلطة كسلطته على أرضه، فأحسنوا إلى أنفسكم بالتعامل معه فهو أذكى مما تتخيلون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.