شعار قسم مدونات

من سرق صلاة الجمعة؟!

blogs - الجمعة

يجتمع المسلمون مرة كل أسبوع يوم الجمعة داخل مكان اسمه الجامع والذي أراده رسول الأمة عليه السلام ألا يكون مجرد مسجد تقام فيه الصلوات الخمس، بل أراده جامعا يجتمع فيه المسلمون قصد تدارس مشاكلهم اليومية الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أيضا، لقد جعل من الجامع ولأول مرة في التاريخ مؤتمرا أسبوعيا مفتوح رسميا في وجه عموم المواطنين، شعاره هو قوله عز وجل مخاطبا نبيه وموضحا له طريق الدعوة "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" جدال تجسد بشكل فعلي في مؤتمر الجمعة الذي كان بحق عاملا أساسيا في صناعة مواطن قادر على النقد والحساب، مواطن صارت لديه القدرة على قول لا، مواطن ينفي ويعترض ويحلل قبل أن يجيب بالقبول أو الرفض.

 

مواطن يميز جيدا بين أمور الدين وأمور الدنيا تاركاً الأولى للوحي ومحاوراً ومناقشاً في الثانية، مصداقاً لقوله عليه السلام: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" مواطن كهذا والذي ساهم الجامع في تكوينه بشكل كبير هو نفسه الذي وقف في وجه أبا بكر قائلا له: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، وهو عينه الصوت الذي ثار في وجه عمر محاسباً إياه على متر من قماش الصدقة وداعياً إياه إلى فرض الزكاة على الأثرياء، بل ومنكراً عليه حديثه فيما يخص قضية تقليل مهر الزوجة. ففيما رواه الترمذي والنسائي أن عمر بن الخطاب خطب في الناس قائلا: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية". فقامت إليه امرأة فقالت يا عمر: يعطينا الله وتحرمنا، أليس الله سبحانه وتعالى يقول: "وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ" قال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر. فأين نحن من عمر.

 

إحياء الدين هو إحياء للحوار السياسي في الجامع عبر جعله فرصة لمناقشة هموم الناس الملحة وإسماع صوتهم عبر مناقشة مشاكلهم الحقيقية

ما الذي حصل إذن لكي يتنازل المواطن المسلم عن صوته في لقاء الجمعة مفضلاً أن يجلس صامتاً مطأطئ الرأس في حضرة واعظ يقرعه على ذنوبه من على منبر يرتفع بالإمام لكي يجعله من سكان السماء، وعندما يتكلم فسكان الأرض ما عليهم سوى السمع والطاعة. لسان حالهم يقول: "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" في هذا المشهد وأمام خطيب كهذا خسر يوم الجمعة نصف معناه فالشعيرة أو الطقس لا زال كما هو، يرتفع الأذان في موعده عندما تتوسط الشمس كبد السماء، يترك المواطنون تجارتهم وأعمالهم ملبيين النداء، يغتسلون ويلبسون أحسن ثيابهم التي تفوح منها رائحة المسك، يجتنبون أكل الثوم لكيلا يزعجوا أحداً خلال الكلام، لكن الكلام نفسه ممنوع، حضورهم هو للإنصات لا الكلام. أنصتوا رحمكم الله، إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت، لقد صار الصمت تعبداً في حين أصبح الهمس ولو بنصف كلمة من مبطلات الصلاة ومن لغا فلا جمعة له، فلتنصتوا إذن رحمكم الله، فهل هناك لغو أكثر من لغوك يامن يعتقد في نفسه الإمامة.

 

لقد تمت سرقة صلاة الجمعة بنجاح، أصبحنا نجتمع لكي لا نقول شيئا في مشهد مسحور، كل مواطن في هذا المشهد يحمل في صدره أكثر من مأساة، بعضهم دون عمل، وبعضهم دون دواء، جلهم أو أغلبهم يعيشون في فقر مدقع تطاردهم همومه حتى في ركوعهم وسجودهم، يجلسون صامتين وكأن على رؤوسهم الطير ينصتون في صبر أو خشوع مصطنع لإمام أميٌ وفقير ومظلوم مثلهم، يحدثهم عن قواعد الإسلام الخمس من صلاة وزكاة وصوم وحج متعمداً بوعي أو بدون وعي أن لا يضيف لتلك القواعد قواعد أخرى تم تهميشها في تاريخ الإسلام السياسي من قبيل قاعدة الأمر بالمعروف وقاعدة النهي عن المنكر وقاعدة العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وغيره.

 

إحياء الدين هو إحياء للحوار السياسي في الجامع عبر جعله فرصة لمناقشة هموم الناس الملحة وإسماع صوتهم عبر مناقشة مشاكلهم الحقيقية من قبيل رفع مستوى التعليم وخفض أسعار المواد الاستهلاكية ونوع الخدمة الصحية وحالة الطرق وضبط الميزانية وتحرير المنبر من سلطة الإمام وفسح المجال للمواطن الحاضر لكي يتحدث عن عالمه الحاضر ويناقش مشاكله الحاضرة ويبحث عن حلولها مع مواطنين حاضرين، أيها الإمام عد إلى الأرض أرجوك فالسماء كما يقال: لا تمطر ذهبا ولا فضة

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.