شعار قسم مدونات

أمريكا التي لا نعرفها.. الاسلاموفوبيا والخوف من "الآخر المسلم"!

blogs كتاب الإسلاموفوبيا الأمريكية لخالد بيضون

يبدو أن الساحة الأمريكية تشهد اليوم العديد من التطورات السياسية المثيرة للقلق، بما في ذلك تأييد المحكمة العليا مؤخرا لقرار ترامب بشأن حظر دخول المسلمين إلى أمريكا. أثار قرار المحكمة هذا ضجة كبيرة وانتقادات واسعة. فأن تقر المحكمة بقانونية مرسوم مبني بشكل أساسي على العنصرية وكراهية "الآخر المسلم" هو أمر اعتبره الكثيرون "غير أمريكي" ومنافي تماما للمبادئ الأمريكية. ولكن هل هو بالفعل كذلك؟ 

إن كل ما يحصل اليوم في أمريكا من تزايد الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية ونبذ الآخر، هو أمريكي بامتياز، كما يؤكد أستاذ القانون خالد بيضون، ففي كتابه "الإسلاموفوبيا الأمريكية " (American Islamophobia)، يبحث بيضون في جذور وتاريخ وماهية الإسلاموفوبيا في أمريكا. ويستخلص أن "الإسلاموفوبيا الحديثة" (التي نشأت وتبلورت مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر) ما هي إلا حصيلة أنظمة سياسية وقانونية معقدة متأصلة في التاريخ الأمريكي، ومستوحاة من الاستشراق (Orientalism)- الذي يصور المسلمين على أنهم شعوب متخلفة وسلبية وغير مسالمة، وأن الإسلام هو دين معادي للغرب ومتناقض مع مبادئ الحداثة الغربية. فالإسلاموفوبيا، في تقدير بيضون، هي في جوهرها "استشراق مستحدث،" وامتداد للصورة النمطية التي خلقها المستشرقون وغرسوها في المؤسسات والمخيلة الأمريكية عن الإسلام والعالم الإسلامي قبل بداية الحرب على الإرهاب بعقود.

الإسلاموفوبيا الحديثة هي نتاج كره أمريكي دفين، ساهم على مدى عقود في تشكيل الهوية الأمريكية وتحديد من ينبغي أن يكون أمريكيا ومن يجب إقصاءه

الإسلاموفوبيا الأمريكية، كما يراها الكاتب، منظومة متراكبة ومتكاملة لا تقتصر على مستوى الأفراد، وإنما تتوغل في مؤسسات الدولة والنظام القضائي. استعرض الكاتب ثلاثة أنماط من الإسلاموفوبيا:

أولا: الإسلاموفوبيا الفردية (private Islamophobia)، ويقصد بها الخوف والاستهداف العنيف للمسلمين من قبل أفراد أو مؤسسات خاصة مستقلة عن الدولة.

ثانيا: الإسلاموفوبيا البنيوية (structural Islamophobia)، وهي الخوف من المسلمين المستشري في المؤسسات والقوانين الأمريكية من منطلق أن الهوية الإسلامية تشكل خطرا على الأمن الوطني.

ثالثا: الإسلاموفوبيا الجدلية (dialectical Islamophobia)، ويقصد بها الحوار القائم بين الدولة والمواطنين، والذي يشكل صلة الوصل بين الإسلاموفوبيا الخاصة والإسلاموفوبيا البنيوية. أو بمعنى اخر، هو الخطاب الذي يشرعن سياسات أجهزة الدولة، ومن ثم يحرض على العنف الفردي ضد المسلمين.

يؤكد الكاتب أن الإسلاموفوبيا الحديثة هي نتاج كره أمريكي دفين، ساهم على مدى عقود في تشكيل الهوية الأمريكية وتحديد من ينبغي أن يكون أمريكيا ومن يجب إقصاءه. وهكذا فإن قرار ترامب لحظر المسلمين هو ليس حدثا غير مسبوق في تاريخ أمريكا. فإذا ما تأملنا في صفحات التاريخ الأمريكي، نجد أنه تم إقصاء المسلمين من المجتمع الأمريكي ضمن ما أطلق عليه الكاتب بـ "حظر تجنيس المسلمين" (Muslim naturalization ban) الذي استمر من عام ١٧٩٠ إلى ١٩٤٤. تضمن الحظر حرمان المسلمين، من قبل المحكمة الأمريكية، من حق الحصول على الجنسية، حيث أن القانون الأمريكي خلال تلك الفترة اعتبر الهوية الإسلامية هوية متناقضة مع مفهوم المواطنة الأمريكية.

استعرض الكاتب عهد "ما قبل الحرب على الإرهاب" أو مرحلة ما قبل اإسلاموفوبيا الحديثة. فقد شهدت هذه المرحلة إعادة صياغة لمفهوم الاستشراق القديم، وذلك من خلال نظرية "صراع الحضارات" التي طرحها صموئيل هنتنغتون عام ١٩٩٣. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، العدو القديم، كان لابد لأمريكا من خلق عدو جديد لتحقيق مصالحها الجيوسياسية في المنطقة، وتبرير سياساتها الخارجية أمام الرأي العام. فبعد أن نجحت أمريكا خلال سنوات الحرب الباردة في خلق رؤية لعالم يقوم على صراع بين محور الخير الديموقراطي الرأسمالي ومحور الشر الديكتاتوري الاشتراكي، وبعد أن نجح المستشرقون خلال العقود السابقة في تشويه صورة المسلمين، جاءت نظرية هنتنغتون لتؤكد مجددا أن الإسلام ليس مجرد دين، بل حضارة متخلفة وأيدولوجية عنيفة تدعو إلى التطرف والاستيلاء على العالم، وبالتالي فإن الإسلام هو العدو الجديد الذي يهدد الحضارة الأمريكية والخطر الذي يؤرق أمن شعبها. وسريعا ما لاقت نظرية صراع الحضارات هذه قبولا شديدا في الاوساط الشعبية في أمريكا، كما تبنتها واشنطن في استراتيجياتها للأمن القومي. 

ترامب اليوم يقود الحقبة الثالثة من الحرب على الإرهاب. فبالرغم أن الحقبة التي نمر بها هي الأشرس والأكثر قسوة، إلا أنها امتداد لحرب خلقها أولا جورج بوش، ثم وسعها من بعده أوباما
ترامب اليوم يقود الحقبة الثالثة من الحرب على الإرهاب. فبالرغم أن الحقبة التي نمر بها هي الأشرس والأكثر قسوة، إلا أنها امتداد لحرب خلقها أولا جورج بوش، ثم وسعها من بعده أوباما
 

وأشار الكاتب هنا إلى تفجير مدينة أوكلاهوما عام ١٩٩٥، فبالرغم من أن التفجير وقع قبل عهد الحرب على الإرهاب، الا انه سريعا ما وجهت أصابع الاتهام-وبعد دقائق فقط من حدوث التفجير- نحو العرب والمسلمون، وبدأ الحديث، سواء من قبل وسائل الإعلام أو الحكومة الأمريكية نفسها، عن "إرهاب الشرق الأوسط"، وحتى بعد الكشف عن هوية الفاعل، وكان مسيحيا أبيض، ظلت بعض وسائل الاعلام تشكك في إمكانية ارتباط الفاعل بالشرق الأوسط! يرى الكاتب أن هذا الخلط بين الإرهاب والمسلمين هو دليل واضح على نجاح هنتنغتون، ومن سبقه من المستشرقين، في الترسيخ المنهجي للصورة النمطية السلبية للإسلام والمسلمين قبل سنوات من بدء الحرب على الإرهاب. 

أما عن مرحلة الحرب على الإرهاب، يرى الكاتب أن ترامب اليوم يقود الحقبة الثالثة من الحرب على الإرهاب. فبالرغم أن الحقبة التي نمر بها هي الأشرس والأكثر قسوة، إلا أنها امتداد لحرب خلقها أولا جورج بوش، ثم وسعها من بعده أوباما. فخطاب الكراهية ومصطلح الـ "إما معنا أو ضدنا" الذي نسمعه اليوم في أمريكا يشبه إلى حد بعيد الخطاب الذي استخدمه جورج بوش في الحقبة الأولى من الحرب على الإرهاب. بعد أيام من أحداث سبتمبر، أعلن بوش أن عدو أمريكا المستهدف هم المسلمون المتطرفون، وبذلك أعلنها حربا ضد الإسلام وكل المسلمين في كل مكان، سواء داخل أمريكا أو خارجها.

أخذت الحرب على الإرهاب تحت إدارة أوباما منحى جديدا، حيث ركزت على "التطرف المحلي" واستهداف المسلمين الأمريكان بشكل خاص والتضييق عليهم داخليا. وقد قام أوباما بتوسيع حملة مكافحة الإرهاب وتوسيع أجهزة التجسس على المسلمين. وبعد أحداث باريس وسان برناردينو، قادت إدارة أوباما ما يعرف ببرنامج محاربة التطرف العنيف (CVE)، حاول من خلاله أوباما العمل مباشرة مع الجاليات الإسلامية وتشجيعهم على الانضمام إلى حملة مكافحة الإرهاب والتجسس لصالح الحكومة. 

مع انتخاب ترامب دخلت الإسلاموفوبيا في أمريكا عهدا جديدا، حيث أصبحت الظاهرة أكثر شراسة وجرأة وأكثر توغلا في السياسة. إن انتخاب الشعب الأمريكي لمرشح اتخذ من الإسلاموفوبيا وكراهية الآخر شعارا لحملته الانتخابية يؤكد لنا مرة أخرى مدى توغل الإسلاموفوبيا في المجتمع الأمريكي وفكر صانعي القرار في البيت الأبيض. ولكن هذه ليست المرة الاولى التي يواجه ويتحدى فيها المسلمون الامريكان كل هذا القدر من الكره، ولن تكون الأخيرة! اختتم بيضون متفائلا ومؤكدا أنه مهما تكن جذور الإسلاموفوبيا عميقة، فإن تاريخ صمود المسلمين في أمريكا هو أعمق بكثير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.