شعار قسم مدونات

التحرش.. ظاهرة اجتماعية أم مرض نفسي؟

blogs - تحرش

أين ما وليت وجهك في هذه المدن المزدحمة، إلا ويثير استفزازك نفس السلوك، في الطريق، في الأزقة، في المنتزهات، المقاهي، الحافلة، تختلف الطرق والأساليب حسب الأماكن والأشخاص، كما يختلف من فئة لأخرى، مشاهد تثير الاستغراب، من شباب ورجال بل أحيانا قد يصدر من مسنين، في بعض الأحيان تجدهم لا يفرقون بين امرأة متزوجة، أو عازبة، محتشمة أو متبرجة، لا يهم يصرن كلهن سواء.

ليست الأوطان العربية يتيمة في هذا المجال، بل لعله ينتشر بشكل متزايد في المجتمعات الغربية وإن كان بصور مختلفة عنا، ومن يتابع الإعلام يعرف ذلك جيدا، لكنه يزداد انتشارا مع تقدم الزمان، رغم تشديد العقوبات حسب البلدان إلا أن ذلك لم يحد من تفشي هذه الظاهرة، مما يجعلك تثير عدة تساؤلات مع نفسك، متى بدأت؟ كيف؟ ولماذا هي بالأساس؟ كيف يمكن علاجها؟

سلوك التحرش أعتقد أنه لا يخلو مجتمع منه، كما أنه لا يتناطح في تجريمه كبشان كما يقال، لكن لم انتشرت هاته الظاهرة بشكل ملفت خاصة في السنوات الأخيرة، شخصيا كلما أرى ذلك إلا وأقف حائرا، أنا لا أجد سببا يبرر هذا السلوك المشين، خاصة عندما أرى أو أقرأ عن شخصيات كبيرة، لكنها تقع ضحية لهاته الآفة التافهة، أعتقد أن الكل سيجمع ويرى رأي فرويد في هذا الأمر وهو أن الجنس يعتبر المحرك الأساس للإنسان، وإن كانت نظريته هاته نقضت وخاصة في هذا الجانب، في الستينات من القرن المنصرم، وإن كانت لا زالت شظاياها تصيبنا من حين لآخر عبر الإعلام، لكن هل فعلا الأمر كذلك؟

هل حقا ننحن ننظر إلى المرأة كإنسان، له مشاعره أحاسيسه، بل له فلسفته في الحياة، كما نظل نلهج بذلك في منتدياتنا الثقافة والإعلامية، أم أن الحقيقة أننا ننظر إليهن من باب أنها "مجرد جسد"

قد يكون فعلا لدافع الجنس والميول نحو الأنثى، سبب لهذا الأمر، لكن أكيد ليس ذلك وحده، وإلا فلم نر رجالا متزوجين وهم يقومون بذلك، ما دام أنهم في غنى عن هذا، إنني أرى أن من يقدم على هذا السلوك يستمتع بمجرد ممارساته، وليس له رغبة فيما وراء ذلك، أي ربما أن الدافع قد يكون خللا نفسيا، وإن كان ليس كل من يمارسه على هذا المنوال، لكن أكيد أن معظمهم كذلك وخصوصا في مجتمعاتنا، وهذا ربما يجعلنا نطرح السؤال الأهم وهو لم؟

لنكن صريحين بعض الشيء مع أنفسنا، فعلا نحن نتهكم ونسخر من كل من يطالب بحقوق المرأة، وإعادة الاعتبار لها، وقد تكون السخرية حتى من بعض النساء أنفسهن، وذلك بسبب الثقافة التي تربين عليها، قد تكون تلك الثقافة مغلفة بمفاهيم دينية خاطئة، أو إسقاطات تاريخية بنفس النهج، كما أن هاته الجمعيات حقيقة، والتي تدعي الدفاع عنهن ما هي إلا باحثة عن الشهرة والمال في أفضل أحوالها، وذلك واضح خاصة في رفع هاته المنظمات لشعارات هي في الأساس ترويج لإيديولوجيات معينة، وليست حلا للمشكلة "وأتحدث عن الأوطان العربية".

لكن هل حقا ننحن ننظر إلى المرأة كإنسان، له مشاعره أحاسيسه، بل له فلسفته في الحياة، كما نظل نلهج بذلك في منتدياتنا الثقافة والإعلامية، أم أن الحقيقة أننا ننظر إليهن من باب أنها "مجرد جسد" فقط، هنا يكمن الإشكال فسلوكياتنا الخاطئة ومفهومنا الخاطئة تجاه المرأة ما التحرش إلا أحد وجوهه، وأما عن جوانبه الأخرى فهي كثيرة من عنف تجاههن واستحقار لهن، رغم أننا بدأن نقلل من هاته السلوكيات علنا، لكن حقيقة في الواقع نحن غير ذلك!

تختلف أسباب التحرش من مجتمع لآخر، لكن حقا أساس الإشكال هو ذا، قد تكون المرأة راغبة أو تبادل الرجل وتمتثل لرغباته في بعض الأحيان، لكنها في غالب الأحيان تكون باحثة عن الهدوء والسكين ليس غير، بخلاف الرجل، فدافعه نحو المرأة يقف عند جسدها ولا يتعداه إلى روح هذا الكائن، لم لا نستحضر في هذا المجال الأحاديث والآيات، الذي تدل وتحظ على النظر إلى المرأة على أنها نفس إنسانية، وما التغيرات الفسيولوجية إلا أحد مظاهر التكامل، بين الجنسين.

من خلال الإعلام بشتى وسائله، والتعليم بجميع مستوياته، وكذلك نشر الكتب وإصدار المجلات التي تهتم بهذا الجانب، قد نساهم في الحد من تفشي هاته الظاهرة
من خلال الإعلام بشتى وسائله، والتعليم بجميع مستوياته، وكذلك نشر الكتب وإصدار المجلات التي تهتم بهذا الجانب، قد نساهم في الحد من تفشي هاته الظاهرة
 

ثقافة النظر إلى المرأة على أنها مجرد جسد للاستمتاع تبث في نفوسنا ونحن صغارا، من خلال البيئة، والتعليم، وكذلك الإعلام الذي يظل صباح مساء يكرس فينا هذا المفهوم وما المسلسلات، والأفلام العربية، والأجنبية المستهلكة فيه، إلا دليل على هذا الأمر، قد يكون هذا الأمر متعمد من جهة معينة، وما هو في الحقيقة إلا كذلك، وهذا في الحقيقة هو امتداد لنفس الإشكال أي الثقافة الخاطئة.

وفي الحقيقة بدل أن تكون هذه الأمور وسيلة للتوعية والتثقيف، غدت عكس ذلك تماما، ما هي إلا تكريس لسلوكيات النظرة الدونية للمرأة واعتبارها أنها وسيلة للاستماع لا غير، خاصة أن هاته المفاهيم في مجتمعنا قد تعززها بعض المفاهيم الدينية المغلوطة عن المرأة فتغدوا مذهبا في التعامل معها، وهاته هي الطامة عندنا، إذ كلما وجدنا سلوكا خاطئا ومتفشيا في المجتمع بدل علاجه والبحث له عن حلول نذهب للبحث عن مشروعية له في الدين أو التاريخ.

لا داعي للتذكر بأرقام عن عدد جرائم التحرش، والعقوبات المفروضة على ذلك، في اعتقادي لما كان الإشكال نفسيا بالدرجة الأولى، لا يمكن حله بعقوبة، بل يجب ترسيخ المفاهيم السليمة في الناشئة، منذ الصغر، وليس الحل هو الإخصاء الكيميائي أو تزويج الجاني بالضحية.. أو غيرها من الحلول التي في الحقيقة تضر أكثر مما تنفع. من خلال الإعلام بشتى وسائله، والتعليم بجميع مستوياته، وكذلك نشر الكتب وإصدار المجلات التي تهتم بهذا الجانب، قد نساهم في الحد من تفشي هاته الظاهرة، أو الخلل السلوكي تجاه المرأة، أم الضغط فهو يولد الانفجار كما هو معروف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.