شعار قسم مدونات

مسيرات العودة.. الحراك الذي أوقف موت العرب

مدونات - غزة مسيرة العودة

كنا ولا نزال وسنبقى كشعب مغربي بأجياله المتتالية نؤمن بشرعية القضية الفلسطينية، وبأحقية الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أراضيه التي استبيحت من طرف كيان إسرائيلي "إمبريالي" بمباركة من حملوا مسؤولية الدفاع عنها دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا، بعدما صار وكما هو معروف أن "حاميها حراميها". أولئك الذين تنكروا لها وقدموها كطبق من ذهب لكيان صهيوني غاشم، مقابل رضا هذا الأخير الذي لا يقوى على إخراس أصحاب الأرض إلا عن طريق الرصاص الحي، تجاه نساء وأطفال وشباب عزل خرجوا احتجاجا على استفزازات مشينة لقرارات متهورة مثل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب صوب القدس، والذي تزامن مع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية.

  
مسيرة العودة المليونية كشفت من جديد دناءة الاحتلال الإسرائيلي، الذي ما فتئ يحلم بالسيطرة على ما بقي من شجاعة في قلوب الفلسطينيين للدفاع عن أراضيهم، بعد ما أصيبوا بخذلان المقربين، وظلوا يؤمنون بقضيتهم التي فضحت كل محاولات السلام المزعومة مع كيان غاصب. ودليل ذلك بشاعة المجازر التي ارتكبها هذا الكيان على الحدود شرقي غزة، بإطلاق الرصاص الحي، والقنابل الحارقة. أظهرت بشاعة قوات الاحتلال الإسرائيلي الذي أصبح يرتكب الجرائم بدم بارد ويتشرف ويحتفل بتقتيل الأطفال والنساء والشيوخ، لتظهر مشهدا آخر من مشاهد الوحشية والعنصرية التي يتصف بها الإسرائيليون تجاه الفلسطينيين الباحثين عن الحرية.
   

مسيرة العودة بينت عجز الكيان الصهيوني عن وضع تحليل للبنية النفسية الخاصة بالفلسطينيين وفهم مصدر شجاعتهم شيوخا وأطفالا رجالا ونساء في الاصطفاف جنبا إلى جنب

مسيرة العودة صنفت من جديد الشعب الفلسطيني الأبي رقما صعبا في معادلة الحسابات الفارغة للكيان الإسرائيلي ولحماته الأمريكيين الداعمين للاحتلال، بقرارات يراد منها تشجيع الكراهية والوحشية، والقضاء على كل من بقيت فيه ذرة من الإنسانية كي يصيح وبصوت عالي يسقط، يسقط، الاحتلال الإسرائيلي، ضد قرارات تتحدى كل القوانين الطبيعية والوضعية، الأخلاقية والإنسانية، مقابل الصمت المطبق لأفواه حكام أقاليم و دول عربية مجاورة خصوصا المساهمين فيها بوجوه غير مكشوفة، الذين يتظاهرون بغير ما يحملون، ويفعلون ما لا يقولون والعكس، فيسود السكون كتعبير قوي عن عجز العرب وغض البصر من جديد عن عشرات الضحايا وتمر المجزرة كمرور عابر.
   
مسيرة العودة أطاحت وبقوة بأقنعة المنافقين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية في المزاد العلني الخاص بالدول المتحررة والمدافعة عن حق الشعوب في الدفاع عن الشبر الأخير من أراضيها، وعن إيمانهم العميق -المنافقون- المتجلي في الغلبة للأقوى، مع الخسران المبين لكل من سولت له نفسه مد يد العون لشعب يعاني الحصار من كل الجوانب والاضطهاد المستمر وليس بإذن دولة تسعى لحصار إخوانها أو خندقتهم، ولو على حساب من لهم الحق في قضيتهم بقوة التاريخ الذي لا ينسى والذي لا تطمس حقائقه مهما توالت السنوات.

  undefined

  

مسيرة العودة أيضا، عرت حجم التطبيع الذي تعيشه المنطقة العربية مع الكيان الصهيوني في ارتفاع مهول للصفقات الاقتصادية والتجارية المنعقدة ولحجم التبادل التجاري الثقافي والفني والرياضي معها، أحيانا خلف الستار حفاظا على ماء الوجه وأحيانا أخرى بعلنية مقيتة أمام الملأ، قضى ذلك عن الخجل الذي كان يمنعهم في الإعلان عن مواقفهم وقتل الضمير الذي كان يجمعهم، متجاوزين بذلك شعوبهم نحو إسرائيل مساهمين في إنعاش اقتصادها الذي يسعى في الأخير لتدمير فلسطين وتشريد أسرها مع بتر أعضاء أبنائها، ليكشف بخس دماء الفلسطينيين لديهم والتي باتت رخيصة للغاية مقابل تشييد المزيد من المستوطنات ولوا على حساب من هم أحق وأولى بالأرض.

 

مسيرة العودة بينت عجز الكيان الصهيوني عن وضع تحليل للبنية النفسية الخاصة بالفلسطينيين وفهم مصدر شجاعتهم شيوخا وأطفالا رجالا ونساء في الاصطفاف جنبا إلى جنب، ومواجهة العدو بصدور عارية، وأحيانا بأرجل مقطوعة وأياد مبتورة، حاملين الحجارة رغم تسابق المتاجرين بقضيتهم نحو التسلح واقتناء آخرها من أجل تخزينها حتى تتعرض للتلف، معتمدين على الحجارة التي كانت ولا زالت هي الوسيلة الوحيدة ضد الرصاص الحي، احتلت بفضل رمزيتها القوية لدى الشعب الفلسطيني، رمزية شجرة الزيتون أو كاريكاتور حنظلة.

 

مسيرة العودة ضخت من جديد دماء القضية الفلسطينية في قلب كل مغربي وكل عربي يؤمن بها، بعد ما بدت مؤشرات موت العرب صاعدة وظاهرة للقاصي والداني بشكل أو بآخر، وبعد ما صار العرب شعوبا متفرقة كل يغني على ليلاه ويرثي حال العرب كيف صاروا بكثرة الانكسارات المتوالية، بدت الحياة التي تعيشها الشعوب العربية مفبركة إما بقوة خارجية أو داخلية. تدفع الشعب الفلسطيني يعود لأراضيه المسلوبة في النهاية ومهما كلفه ذلك لأن العودة حق كالشمس تشرق في الروح وفي النفس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.