العاطفة والعقل يُشكّلان ركيزتين أساسيتين في بناء الإنسان، فلهما الدور الأساسي في التأثير في سلوك الإنسان وتصرّفاته سواء الجيدة منها أو السيئة، فيكونان حاضرين في المواقف ويشتركان في التأثير بها مع وجود صراع بينهما في بعض الأحيان. كثيراً ما يُواجه الإنسان صراعاً داخلياً بين عقله وعاطفته، وغالباً ما ينتج عن هذا الصراع قرارات مصيرية قد تؤدي به إما إلى الانتصار وتحقيق النجاح، أو إلى الفشل والهزيمة. وهنا يظهر دور كل من العقل والعاطفة في تحديد نتيجة هذا الصراع.
دراسة علمية حديثة أكّدت حقيقة هذا الصراع وتقول الدراسة: إنَّ الدماغ البشري يخوضُ نزاعاً دائماً بين مركز العاطفة ومركز العقل، فهنالك منطقتين في الدماغ تتنافسان للتحكم بسلوك شخص ما على وشك اتخاذ قرار بين إشباع العاطفة الفورية وتحقيق الأهداف البعيدة المدى بمركز العقل. دراسة أُخرى أيضاً أظهرت أنَّ الألم بسبب جرح المشاعر والأحاسيس هو "ألم حقيقي" كالألم الجسدي تماماً، فمناطق الدماغ التي تعمل عندما يشعر الشخص بألم جسدي تعمل أيضاً عندما تجرح مشاعر ذلك الشخص.
قبل أيام أجريت تصويتاً على صفحتي الشخصية في برنامج "إنستغرام" طلبت فيه من المتابعين التصويت على ما إذا كانوا يفضلون العقل على العاطفة أو العكس، فكانت تأتيني ردود متفاوتة، إلا أنَّ الأغلبية كانوا يرون أنَّ العقل والمنطق أقوى من العاطفة. أحدهم يقول لي: إنَّه يُفضل العقل على العاطفة، معلّلاً ذلك بوجوب الإصغاء إلى العقل، ولكنَّهُ وبذات الوقت يرى أيضاً أنَّ الإنسان يجب أن لا يتخلّى عن عاطفته في بعض الأمور التي لا يستطيع العقل أن يُحددها.
بالرغم من قوة العقل والمنطق في حسم القرارات إلا أنَّ العواطف قد تكون أكثر قوة أحياناً، وخاصة في موضوع "الإقناع"، إذ أنها تعتبر القوة الوحيدة الفعّالة هنا |
شخص آخر يرى أنَّ القلب والعقل هما الضدين المتكاملين، فلو استطاع الإنسان تحقيق التوازن بينهما، فإنّ الإنسان سيكون قادراً على اتخاذ قرارات صائبة أكثر. أمّا بحسب وجهة نظري، فإنَّ المنطق والعاطفة مرتباطان ببعضهما البعض، فكلٌ مِنهما هو جزءٌ مِنَ الآخر، فلو حدث اختلال في إحداهما فإنَّ الآخر ستختلُّ موازينه بكلِّ تأكيد.. العقل والعاطفة هما هبة من الله سبحانه وتعالى زرعهما في النفس البشرية؛ فمثلاً عند النساء قد تتغلب العاطفة على العقل والعكس صحيح عند الرجال، فهذه سُنَنُ الحياة، تَجدُ الأمَّ أقوى عاطفةً من الأب على أطفالها بينما الرجل أقوى عقلاً لتدبير مصالحهم.
في بعض الأحيان يجب أن يتغلب العقل على العاطفة (السياسة مثلاً)، أما في (الحروب)، فالعكس صحيح يجب أن تتغلّب العاطفة على العقل وذلك اقتداءً بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، أما في (الحب) لا وجود للعقل أصلاً وغالباً ما تجرُّ العاطفةُ العقلَ إلى الهزيمة !أما من جهة (الأقوى) فأرى أنَّ القوة الحقيقية تظهر حسب الظرف والحالة والموقف؛ فأحياناً العواطف قد تهزم العقل وتتغلبُ عليه وأحياناً العكس صحيح.
وبالرغم من قوة العقل والمنطق في حسم القرارات إلا أنَّ العواطف قد تكون أكثر قوة أحياناً، وخاصة في موضوع "الإقناع"، إذ أنها تعتبر القوة الوحيدة الفعّالة هنا، وبما أننا كائنات حية مفكرة، فإننا نودّ أن نرى المنطق وراء معظم قراراتنا؛ لكنَّ الواقع هو أنَّه في معظم المواقف التي تستدعي إقناع الآخرين؛ يستخدم الناس العاطفة ويبررونها بالحقائق، فقد يتم إقناع الناس بالعقل، بينما العاطفة هي التي تحركهم.
وفي هذا الصدد يقول "هاري ميلز" مؤلف كتاب "فن الإقناع" إنَّ العاطفة تتفوق على المنطق بعدة مزايا؛ أبرزها أنَّ العاطفة تؤدي إلى تغيير السلوك بشكل أسرع مما يفعل المنطق، كما أنَّ العاطفة تتطلب مجهوداً (أقل) مما يتطلبه المنطق لذلك فإنها في هذا الموضع ستكون أكثر تأثيراً واستطرد "هاري" أمثلة على ذلك من بعض الأحداث العامة الكبرى التي حركت مشاعر العامة في أنحاء العالم منها دعوة "مارتن لوثر كينغ" بالمساواة بين البيض والسود في أغسطس عام 1963 بخطبته الشهيرة "لدي حلم"، حيث كان للعاطفة الدور الأقوى.
كثيرةً هي المواقف التي تواجهنا في حياتنا وتتطلب منّا اتخاذ قرارات عاجلة وحاسمة وهذا ما يضعنا أمام عدة خيارات قد يكون للحكمة والمنطق والعقل رأياً حاسماً فيها، وقد تأخذنا العاطفة المستمدة من مشاعرنا وأحساسينا إلى اتخاذ قرارات أخرى مختلفة ولا نعلم أيهما قد يكون أكثر جدوى .. ليستمر بذلك صراع العقل والعاطفة!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.