شعار قسم مدونات

الإسلام كما أراه!

blogs الإسلام السمح

أن تكون مسلما اليوم عند عامة الناس يعني أن تلتزم بفروع الفقه من صلاة وزكاة وصوم وحج… فكلما اجتهدت في تأدية هذه الفروع إلا وارتفع سقف إيمانك وأصبحت في عيونهم مسلما صالحا، فالدين في تمثلهم محصور في طقوس تقدم كقرابين هدفا في نيل رضا الله طمعا في جنته وخوفا من ناره ناسين أو متناسين قول علي كرم الله وجهه "إلهي ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ولكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك" معنى ذلك أنني لو لم أجدك من أهل الحق والعدل لكنت ضدك حتى ولو ألقيت بي في النار.

إله العدل والحق. هذا هو بالضبط ما أحاول الدفاع عنه من خلال هذه السطور. إلهي هذا هو إله لا حاجة له إلى عبيد يسخرهم لأجل خدمته كما يسخر الإقطاعي عبيده في أرضه، إنه إله الإنسان لا سيده، إنه من يمنحنا الوجود بينما السيد يحرمنا من هذا الوجود، علاقتنا به علاقة حب وقلب بينما علاقتنا بالسيد هي علاقة سوط وجلد، دينه الذي ارتضاه لنا هو دين الحياة والأرض، في جوهره حلول لمشاكل إنسانية لا لمشاكل إلهية. ألم يقل نبي الإسلام بأن منزلتك عند الله منزلتك عند الناس.

  

ولنتأمل في إجابته عندما سئل: ما الله؟ فأجاب: تفكر في مخلوقاته ولا تتفكر في ذاته. كما سئل أيضا عن امرأة متعبدة لكنها تؤذي جيرانها وأهلها فأجاب: مآلها النار. فالكفر بالله إذن ليس هو عدم الاعتراف به بل هو عدم الاعتراف بإنسانه الذي كرمه وجعله خليفة له في الأرض مصداقا لقوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ…"، فمن يخدم الخلق يخدم الحق بالضرورة.

نحن في حاجة إلى إعادة التفكير في جوهر الدين عامة والدين الإسلامي خاصة لا نريد له أن يكون أفيونا يوظف لجعل عقول الناس غائبة عن حياتهم

إلهي هذا هو إله كلما رأى بأن إنسانه قد طاله الظلم وأصبح مستعبدا أرسل لنصرته أنبياء ورسل هدفا في تحريره، فقد أرسل موسى عندما بلغ طغيان الفراعنة حدا لا يطاق.. كما بعث عيسى لما اشتد عود الرومان وصاروا يستعبدون وينهبون ثروات البلاد والعباد.. والأمر نفسه ينطبق على نبي الإسلام الذي شكلت رسالته ثورة على استبداد قريش، لقد بعث هذا الأخير نصرة لبلال لا لنصرة الله. فبلال العبد لم يكن يعبد الله أيام الجاهلية فقط لأنه كان وثنيا؛ بل لم يعبده لأنه أصلا كان عبدا. عبوديته كانت تمنعه لأنه من العبث أن نطلب منه عبادة السماء وهو لا زال لم يتحرر من عبودية الأرض.

 

كان على رسول الإسلام أن يجلب له حرية أولا لا إلها، كان عليه أن اعترف له محمد بحريته فاعترف بلال بالله. كل ما كان يحتاجه هذا الأخير هو ثورة تخلصه من العبودية، لقد فضل دين الإسلام لأنه قد وجد فيه استنكارا لعبوديته ومناداة بالعدالة والمساواة التامة هنا على الأرض "لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى" "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".. ولو أتاهم محمد بعكس ذلك لما آمن به بلال ومثله كثير.

لا مشاكل في السماء إذن كل مشاكلنا توجد على الأرض وكل من يحاول أن يقنعنا بدين جل اهتمامه ينصب على طقوس من أجل الفوز بالسماء فهو إما دجال أو كذاب أو كاهن معبد يسرق منا ديننا ليصبح دينا مقلوبا عوض أن يقف في صف الجياع والمحتاجين والفقراء نجده يصطف جنبا لجنب مع العبودية والإقطاعية. نحن في حاجة إلى إعادة التفكير في جوهر الدين عامة والدين الإسلامي خاصة لا نريد له أن يكون أفيونا يوظف لجعل عقول الناس غائبة عن حياتهم. نريد دينا ينظر هنا يتأمل هنا ويحاول أن يحل مشاكلنا هنا.. نريده بكل بساطة أن يصل بنا إلى جنة هنا لا هناك. في انتظار تحقق ذلك لا أجد قولا أصدق تعبيرا من قوله جل وعلا: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.