شعار قسم مدونات

حبيبتي أقاوم حتى لا أكرهك!

مدونات - مصر

لستُ أول مرة اكتب عن حبي لكِ ليس أول مرة تكون آمالي وطموحاتي مبنيَّه على عشقي لكِ، فلطالما كان اسمُكِ يُرفرف في قلبي كما يُرفرف علمُكِ عالياً في السماء، ولكنَّ أول مرة أمسك فيها قلمي ولا أعرف أأجعل كلماتي حباً وغزلاً فيكِ أم أصبَّ عليكِ جام غضبي بعد أن هجرتُ حبك سنوات متتالية! يظنون أنهم سيجعلونني أكرهكِ أو أفكر يوماً في الرحيل عنكِ بلا عودة كغيري مِمَنْ أصبحت أحلامهم كلها مُنصبَّه على الهجرة والبُعد عنكِ.

  
يظنون أنَّه بعد أن بكيتُ عليكِ قهراً وحسرة على حالك الذي أقحموكِ فيه الآن بأنَّ حبي لكِ انتهى وأنني سأتركك لهم يتلاعبون بأحوالك كما يتراءى لهم، يظنون أنه بعد كل تلك المحاولات الدنيئة التي يبرعون فيها والتي لا يملُّون منها من أجل إضعافك وإذلالك بأنني سأيأس من تقويتك وتعزيزك والعمل على ذلك، غفلوا عن حقيقة بأنَّ حبك يسكن في قلبي وثابت فيه كثبوت تاريخك العريق وأنهم سيفنوا جميعاً وستبقين أنت ِ طالما هناك حياة على تلك الأرض وفنائهم عاجلاً أو آجلاً، والتاريخ سيسجل شاءوا أم أبوا تلك الحقبة المأساوية والفساد المُتفشي في كل شيء في بلادي، وإن لم نستطع أن ننتصر عليهم فسننتصر في بث حبك يا بلادي في قلوب أجيال ستأتي وستأخذ بيدك إلى المكان الذي طالما كنتِ فيه طوال عصور متعاقبة وسيحبونك أكثر مما نحبك نحن وسيخلصون إليكِ أكثر من إخلاصي لكِ وسيصنعون لكِ المجد الذي سيُعيد إليكِ هيبتُكِ التي يتصارع الخونة في إضاعتها منكِ.

  
مَوطني ليس البعيد عنك مرتاح مَنْ قرر أن يذهب بعيداً عنك فوجد أنه بالفعل الجسد قد بَعُدَ ولكن القلب مازال ساكنُكِ والعقل قد شتتته الغربة، وليس مَنْ يسكُنكِ مرتاح أيضاً فأهلك يا بلادي سُلِبَت منهم الضحكة المعهودة سُلِبَت منهم روح السكينة والاطمئنان، أصبح سقف طموح أهلك أن يعيشوا وفي حوزتهم قوت يومهم أن يستطيعوا تأمين ما يحتاجه يومهم، وهناك مًنْ لم يستطع أيضاً ذلك يوماً عن يوم تزداد نسبة الجهل والأمية، بلادي لا تقسي على مَنْ لا يحملون في قلوبهم سواكِ حتى حبك يريدون أن يسلبوه منا كل حلو فيكِ يا بلادي يضعون فيه المُر حتى نكرهه.

    

كل بيت من بيوت أبنائك يا وطني يحمل من الألم الكثير، ضغينة زُرِعَت في القلوب أخفت معها تلك الطيبة المعهودة فينا
كل بيت من بيوت أبنائك يا وطني يحمل من الألم الكثير، ضغينة زُرِعَت في القلوب أخفت معها تلك الطيبة المعهودة فينا
   

تاريخك وآثارك تُسلَب منا بلا رحمة الشباب قد اشتعل رؤوسهم شيباً وكبرت ملامحهم من كثرة تلك الأحلام المُهدرَة والأماني المسلوبة والآمال التي تُهدم والرموز الزائفة التي انصدموا فيها والذي ينجح فيهم يستغلوه أسوأ استغلال ويستنزفون طاقته حتى يصرخ ويبحث عن أي مخرج ليذهب بعيداً عنكِ ويرحل، أصبحت الفرحة بعيدة عن شعبك يا بلادي بكل أسف أصبح الوطن فينا حالة من الشجن.
 
لن أنسَ ذلك المنظر الذي كان بطله موظف بسيط بإحدى المؤسسات الخاصة قد أحالوه للمعاش المبكر وهو يعول أسرة مكوَّنة من ثلاثة أبناء مازالوا في مقتبل العمر واحتياجاتهم تزداد يوماً عن يوم وبعد أن أحالوه للمعاش المبكر بسبب ما تشهده البلد من غلاء في كل شيء فأصبحت المؤسسة تستغني عن معظم عمالها، بدأ ذلك الموظف يطرق كل الأبواب بحثاً عن وظيفه فلم يجد، ومن كثرة ما به من إجهاد ارتكن إلى ذلك المكان الذي ننتظر فيه وسائل المواصلات ثم أخذ يبكي ويُخرج ما به من قهر فبدأ الناس يواسونه ويصبرونه على تلك الأيام وحكى كل منهم معاناته مع البلد والأسعار وتلك الأيام التي فاقت الاحتمال.

  
يا بلادي تحت عَلمُكِ أصبح يُهان الكريم ويُكرَم اللئيم نيلك يا بلادي تلَّون باللون الدم ورائحة شوارعك أصبحت رائحة دم أولادك الذين يقتلون بعضهم البعض وأصبح هواؤك ممتلأ بآهات الأمهات على أولادها من مدنيين وشرطة وجيش، أصبحت قلوب أهلك يا بلادي تحمل من الكره الذي أخاف أن يمنع ذلك الخير منكِ، كل بيت من بيوت أبنائك يا وطني يحمل من الألم الكثير، ضغينة زُرِعَت في القلوب أخفت معها تلك الطيبة المعهودة فينا وبعد أن وجدنا شيئاً واحداً استطاع أن يجمع أبناؤك جميعاً قد فعلوا كل شيء فاسد ليطفئوا تلك الفرحة التي جمعتنا مرة أخرى.

  
أتذكَّر تلك المرة الأولى التي بكيتُ فيها من حبك وأنا اردد أغنية: 

لكِ يا مِصْرُ السلامة وسَلامًا يا بلادي
إنْ رَمَى الدهرُ سِهَامَه أتَّقِيها بفؤادي
واسْلَمِي في كُلِّ حين
أنا مِصْرِيٌّ بناني من بنى هرمَ الدَّهرِ الذي أَعْيا الفنا
وَقْفَةُ الأهرامِ فيما بَيْنَنَا لِصُروفِ الدَّهرِ وَقْفَتي أنا

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان